وَيَسْدُلُ الْأُخْرَى وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ اشْتِمَالِك ثَوْبٌ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى ثَوْبٍ،
وَيُؤْمَرُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَآزِرَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ وَالْفَخِذُ عَوْرَةٌ وَلَيْسَ كَالْعَوْرَةِ نَفْسِهَا،
وَلَا يَدْخُلُ الرَّجُلُ الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرٍ،
وَلَا تَدْخُلُهُ الْمَرْأَةُ إلَّا مِنْ عِلَّةٍ،
وَلَا يَتَلَاصَقُ رَجُلَانِ وَلَا امْرَأَتَانِ فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ،
وَلَا تَخْرُجُ امْرَأَةٌ إلَّا مُسْتَتِرَةً فِيمَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ مِنْ شُهُودِ مَوْتِ
ــ
[الفواكه الدواني]
لِمَقْتِ رَبِّهِ لِانْتِفَاءِ مَا يُوجِبُ غَضَبَهُ تَعَالَى لِقُرْبِ تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ التَّوَاضُعِ، وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ فَهُوَ عَلَى حَدِّ: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} [الإسراء: ٥٤]
(وَ) كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَجُرَّ ثَوْبَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ (يُنْهَى) تَحْرِيمًا (عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ) بِالْمَدِّ (وَهِيَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ صِفَةَ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ (عَلَى غَيْرِ ثَوْبٍ) سَاتِرٍ عَوْرَتَهُ وَصَوَّرَهَا بِقَوْلِهِ: (يَرْفَعُ ذَلِكَ) أَيْ طَرَفَ الثَّوْبِ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَيَضَعُهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ (مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ) وَيُخْرِجُ يَدَهُ مِنْ تَحْتِهِ (وَيَسْدُلُ) بِضَمِّ الدَّالِ أَوْ كَسْرِهَا أَيْ يُرْخِي الثَّوْبَ مِنْ الْجِهَةِ (الْأُخْرَى) وَحَاصِلُ مَعْنَاهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَشْتَمِلَ بِثَوْبٍ يُلْقِيه عَلَى مَنْكِبَيْهِ مُخْرِجًا يَدَهُ الْيُسْرَى مِنْ تَحْتِهِ أَوْ مُخْرِجًا إحْدَى يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِهِ، هَذَا الثَّانِي هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَتَفْسِيرُ الْفُقَهَاءِ لَهَا قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ يُونُسَ.
قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَاشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ أَنْ يَشْتَمِلَ بِالثَّوْبِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَيُخْرِجُ يَدَهُ الْيُسْرَى مِنْ تَحْتِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِئْزَرٌ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ إنْ كَانَ مَعَهُ سَاتِرٌ ثُمَّ كَرِهَهُ (وَ) مَحَلُّ الْحُرْمَةِ (إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ اشْتِمَالِك ثَوْبٌ) لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى تَنْكَشِفُ عَوْرَتَهُ. (وَاخْتُلِفَ فِيهِ) أَيْ فِي الِاشْتِمَالِ الْمَذْكُورِ (عَلَى ثَوْبٍ) فَقِيلَ بِالْحُرْمَةِ وَقِيلَ بِالْكَرَاهَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قَالَ خَلِيلٌ مُشَبِّهًا فِي الْكَرَاهَةِ: وَصَمَّاءُ بِسَتْرٍ وَإِلَّا مُنِعَتْ، وَإِنَّمَا كُرِهَتْ مَعَ السَّاتِرِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَى أَكْتَافِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَشْفَ الْبَعْضِ بِمَنْزِلَةِ كَشْفِ الْكُلِّ، وَأَمَّا الِاضْطِبَاعُ فَهُوَ عَيْنُ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ فِي التَّحْقِيقِ، وَأَمَّا التَّوْشِيحُ وَهُوَ أَخْذُ أَحَدِ طَرَفَيْ الثَّوْبِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ الْيُمْنَى لِيَضَعَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى، وَأَخْذُ الطَّرَفِ الْآخَرِ مِنْ تَحْتِ الْيُسْرَى لِيَضَعَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْيُمْنَى فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ، وَأَقُولُ كَلَامُهُمْ مُسَلَّمٌ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَيَتَوَقَّفُ فِي الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إذَا كَانَ يَحْصُلُ مَعَهُ كَشْفٌ لِجَنْبَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا.
(وَيُؤْمَرُ) الْمُكَلَّفُ وَلَوْ جِنِّيًّا (بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ) وُجُوبًا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ فِي خَلْوَةٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُهَا وَإِنَّمَا يُنْدَبُ. وَتَقَدَّمَ بَيَانُ حَدِّ الْعَوْرَةِ وَأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السَّاتِرِ وَالْمَسْتُورِ عَنْهُ، وَقَوْلُنَا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ حَالَةِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ سَتْرُهَا وَلَوْ بِخَلْوَةٍ، ثُمَّ بَيَّنَ مَا هُوَ الْأَفْضَلُ مِنْ أَنْوَاعِ السَّاتِرِ بِقَوْلِهِ: (وَإِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ) الْمُسْتَحَبَّةِ أَنْ تَكُونَ مُنْتَهِيَةً بِالتَّقْصِيرِ (إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ) وَيَجُوزُ أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ يَنْتَهِي إلَى الْكَعْبَيْنِ، وَأَمَّا أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ وَهَذَا فِي حَقِّ الذَّكَرِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَجُوزُ لَهَا التَّطْوِيلُ لِلثَّوْبِ وَلَوْ ذِرَاعًا حَيْثُ كَانَ لِلسَّتْرِ لَا لِلْكِبْرِ وَإِلَّا حَرُمَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْمُرَادُ بِالْإِزْرَةِ هُنَا الثَّوْبُ لَا خُصُوصُ مَا يَأْتَزِرُ بِهِ الْإِنْسَانُ الَّذِي ابْتِدَاؤُهُ مِنْ السُّرَّةِ، وَالْإِزْرَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ كَاللِّبْسَةِ وَالْجِلْسَةِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ الْهَيْئَةُ وَهِيَ بِكَسْرِ الْفَاءِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ:
وَفَعْلَةٌ لِمَرَّةٍ كَجَلْسَةٍ ... وَفِعْلَةٌ لِهَيْئَةٍ كَجِلْسَةٍ
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْفَخِذِ لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ بِقَوْلِهِ: (وَالْفَخِذُ) وَهُوَ مَا بَيْنَ السَّاقِ وَالْوَرِكِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَفِيهَا لُغَاتٌ أَرْبَعُ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ.
(عَوْرَةٌ) لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ كَشْفُهُ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَجَانِبِ نَظَرُهُ لَكِنْ مَعَ مَنْ يَسْتَحْيِ صَاحِبُهُ مِنْهُ (وَلَيْسَ كَالْعَوْرَةِ نَفْسِهَا) وَلِذَا لَا يُعِيدُ الرَّجُلُ الصَّلَاةَ لِكَشْفِهِ وَلَوْ عَمْدًا، وَإِلَّا أَعَادَتْ الْأَمَةُ فِي الْوَقْتِ وَالْحُرَّةُ أَبَدًا لِأَنَّهُ مِنْ الْأُنْثَى عَوْرَةٌ حَقِيقَةً مُطْلَقًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ مُخَفَّفَةٌ يَجُوزُ كَشْفُهَا مَعَ الْخَوَاصِّ وَلَا يَجُوزُ مَعَ غَيْرِهِمْ، فَقَدْ كَشَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخِذَهُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَسَتَرَهُ حِينَ أَقْبَلَ عُثْمَانُ، فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «كَانَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِهِ كَاشِفًا فَخِذَيْهِ وَسَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَوَّى ثِيَابَهُ فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ مَعَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تُبَالِهِ وَدَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تُبَالِهِ أَيْ لَمْ تَهْتَمَّ لِدُخُولِهِمَا وَتَسْتُرْ فَخِذَيْك ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسَتْ وَسَوَّيْت ثِيَابَك، فَقَالَ: أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ؟» وَالِاسْتِحْيَاءُ مِنْهُ مَزِيَّةٌ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي الْأَفْضَلِيَّةَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسَائِلَ مُشَارِكَةٍ قَبْلَهَا فِي النَّهْيِ عَنْهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَقَالَ:
(وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يَدْخُلَ الرَّجُلُ الْحَمَّامَ) وَلَوْ خَالِيًا (إلَّا بِمِئْزَرٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مَعَ الْهَمْزَةِ وَيَجُوزُ تَرْكُهَا وَفَتْحُ الْمِيمِ خَطَأٌ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ صَفِيقًا لَا تَظْهَرُ مِنْهُ الْعَوْرَةُ، وَالنَّهْيُ عَلَى الْوُجُوبِ إنْ لَمْ يَكُنْ خَالِيًا، وَعَلَى النَّدْبِ إنْ كَانَ خَالِيًا، وَالْحَمَّامُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ مُذَكَّرٌ بِاتِّفَاقٍ.
(وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (تَدْخُلَهُ الْمَرْأَةُ) وَلَوْ بِمِئْزَرٍ (إلَّا مِنْ عِلَّةٍ) لِقَوْلِهِ