للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبَوَيْهَا أَوْ ذِي قَرَابَتِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُبَاحُ لَهَا وَلَا تَحْضُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ نَوْحُ نَائِحَةٍ أَوْ لَهْوٌ مِنْ مِزْمَارٍ أَوْ عُودٍ أَوْ

ــ

[الفواكه الدواني]

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلَا يَدْخُلُ الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلَا يُدْخِلَنَّ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ» .

وَقَالَ أَيْضًا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ فَلَا يَدْخُلُهَا الرِّجَالُ إلَّا بِإِزَارٍ وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ» . وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ دُخُولِهِ لِلرَّجُلِ بِالْمِئْزَرِ وَلَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا بِغَيْرِ مِئْزَرٍ مَنَعَ رُؤْيَةَ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرُهُ فَلَا يَجُوزُ، وَجَوَازُ الدُّخُولِ بِالْمِئْزَرِ لَا يُنَافِي قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ: تَرْكُ دُخُولِهِ أَحْسَنُ لِاحْتِمَالِ الِانْكِشَافِ، وَلِذَا قَالَ شَيْخُهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاَللَّهِ مَا دُخُولُهُ بِصَوَابٍ، وَمَا وَرَدَ مِنْ مَنْعِ دُخُولِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الدُّخُولِ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ مَعَ وُجُودِ مِنْ لَا يَحِلُّ نَظَرُهُ إلَيْهِ، وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ دُخُولُهُ عِنْدَ الْعِلَّةِ الْمُحْوِجَةِ إلَى دُخُولِهِ كَحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ جَنَابَةٍ أَوْ مَرَضٍ مَعَ زَوْجِهَا، وَأَمَّا مَعَ امْرَأَةٍ فَعَوْرَتُهَا مَعَهَا كَعَوْرَةِ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ حَيْثُ كَانَتْ مُسْلِمَةً اتِّفَاقًا، وَأَمَّا مَعَ الْكَافِرَةِ فَقِيلَ إنَّ الْمُسْلِمَةَ مَعَهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ مَعَ الرَّجُلِ اتِّفَاقًا، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرَيْهِمَا: إنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمَةِ كَشْفُ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا بَيْنَ يَدَيْ الْكَافِرَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَمَتُهَا، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا جَوَازُ دُخُولِهَا مَعَ الْمَرْأَةِ بِشَرْطِ سَتْرِ مَا لَا يَحِلُّ نَظَرُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ إلَيْهِ.

قَالَ عَلَّامَةُ الزَّمَانِ أَبُو الْإِرْشَادِ الْأُجْهُورِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ دُخُولَهُ لَهُ شُرُوطُ جَوَازٍ كَغَضِّ الْبَصَرِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ بِإِعْطَاءِ الْوَاجِبِ وَأَخْذِ الْمُعْتَادِ وَتَغْيِيرِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُنْكَرِ، وَأَنْ لَا يُمَكِّنَ الدَّلَّاكَ وَلَوْ مَمْلُوكَهُ مِنْ دَلْكِ عَوْرَتِهِ وَهِيَ مَا فَوْقَ الرُّكْبَةِ إلَى جَوْفِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ لِأَنَّ الْجَسَّ أَخَصُّ مِنْ النَّظَرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ زَوْجَتُهُ وَأَمَتُهُ، وَلَهُ آدَابٌ أَنْ يَدْخُلَهُ بِالتَّدْرِيجِ وَيَخْرُجَ مِنْهُ كَذَلِكَ، وَصَبُّ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَمَانٌ مِنْ النِّقْرِسِ، وَأَنْ يَتَذَكَّرَ عَذَابَ جَهَنَّمَ وَحَالَةَ الْمَوْتِ، وَمِنْ الْآدَابِ الدُّخُولُ مَعَ الِاعْتِدَالِ مِنْ حَيْثُ الْجُوعُ وَالشِّبَعُ، فَإِنَّ دُخُولَهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِدَالٍ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الدَّاخِلِ لِخُرُوجِهِ مِنْهُ قَبْلَ عَرَقِهِ فِيهِ وَالْإِقَامَةُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْحَاجَةِ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دُخُولِهِ إلَّا مَنْ نَدَرَ.

(وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يَتَلَاصَقَ رَجُلَانِ) الْمُرَادُ بَالِغَانِ وَلَوْ شَيْخَيْنِ أَوْ قَرِيبَيْنِ. (وَلَا امْرَأَتَانِ) كَذَلِكَ (فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ) وَالْمُرَادُ بِالتَّلَاصُقِ الِاتِّصَالُ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ لِخَبَرِ: «لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا الْمَرْأَةُ إلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ» . وَعُلِمَ مِنْ تَقْرِيرِنَا أَنَّ النَّهْيَ لِلْحُرْمَةِ إنْ كَانَ التَّلَاصُقُ بِالْعَوْرَةِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْتِذَاذٍ، وَالْكَرَاهَةُ إنْ كَانَ بِغَيْرِ الْعَوْرَةِ لَكِنْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْتِذَاذٍ، أَوْ بِالْعَوْرَةِ لَكِنْ مَعَ حَائِلٍ كَثِيفٍ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْتِذَاذٍ وَإِلَّا حَرُمَ، وَأَمَّا تَلَاصُقُ غَيْرِ الْبَالِغِينَ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغَا الْعَشْرَ فَلَا حَرَجَ فِيهِ، وَبَعْدَ بُلُوغِ الْعَشْرِ فَتُكْرَهُ الْمُلَاصَقَةُ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، وَأَمَّا تَلَاصُقُ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ فَحَرَامٌ فِي حَقِّ الْبَالِغِ وَمَكْرُوهٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَالْكَرَاهَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِوَلِيِّهِ، وَأَمَّا بِحَائِلٍ فَمَكْرُوهٌ فِي حَقِّ الْبَالِغِ إلَّا لِقَصْدِ الِالْتِذَاذِ فَحَرَامٌ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ، وَعِنْدِي وَقْفَةٌ فِيمَا قَالَ فِيهِ يُكْرَهُ لِلْوَلِيِّ مِنْ تَلَاصُقِ عَوْرَةِ الصَّبِيِّ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ فَفَوْقُ بِعَوْرَةِ الْبَالِغِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي حُرْمَةُ ذَلِكَ عَلَى الْوَلِيِّ وَحَرِّرْ الْمَسْأَلَةَ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي تَلَاصُقِ الذَّكَرَيْنِ، وَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي تَلَاصُقِ الْمَرْأَتَيْنِ، وَأَمَّا تَلَاصُقُ رَجُلٍ وَأُنْثَى فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشَكَّ فِي حُرْمَةِ تَلَاصُقِهِمَا تَحْتَ لِحَافٍ وَلَوْ بِغَيْرِ عَوْرَةٍ، وَلَوْ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ حَيْثُ كَانَا بَالِغَيْنِ، أَوْ الرَّجُلُ وَالْأُنْثَى مَعَ مُنَاهَزَةِ الذَّكَرِ لِأَنَّ الْمُنَاهِزَ كَالْكَبِيرِ هَكَذَا يَظْهَرُ، لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَحِلُّ لَهُ الِاخْتِلَاءُ بِالْأُنْثَى فَضْلًا عَنْ تَلَاصُقِهِمَا تَحْتَ لِحَافٍ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: إذَا عَرَفْت مَا ذَكَرْنَاهُ لَك مِنْ التَّفْصِيلِ عَلِمْت مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِجْمَالِ.

الثَّانِي: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي لِحَافٍ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ أَيْ غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ لِحُرْمَةِ تَلَاصُقِ الْبَالِغَيْنِ بِعَوْرَتَيْهِمَا وَلَوْ لَمْ يَكُونَا تَحْتَ لِحَافٍ، كَمَا يَحْرُمُ نَظَرُ كُلٍّ إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ وَمِنْ غَيْرِ تَلَاصُقٍ.

الثَّالِثُ: فَيَبْدَأُ الصَّغِيرُ بِمَنْ بَلَغَ الْعَشْرَ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْعَشْرَ يَجُوزُ تَلَاصُقُهُ مَعَ مِثْلِهِ بِالْعَوْرَةِ، لِأَنَّ طَلَبَ الْوَلِيِّ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ فِي الْمَضَاجِعِ بَعْدَ بُلُوغِ الْعَشْرِ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ وَهْبٍ الْمُقَدَّمَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْقَائِلِ بِالتَّفْرِقَةِ عِنْدَ بُلُوغِ السَّبْعِ كَالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِدَاعِي الْحَاجَةِ.

(وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (تَخْرُجَ امْرَأَةٌ) شَابَّةٌ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا لَمْ يَنْقَطِعْ أَرَبُ الرِّجَالِ مِنْهَا، وَلَا يُخْشَى مِنْ خُرُوجِهَا الِافْتِتَانُ بِهَا (إلَّا مُسْتَتِرَةً) وَأَنْ يَكُونَ خُرُوجُهَا (فِيمَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ) وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ شُهُودِ مَوْتِ أَبَوَيْهَا) أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ زَوْجِهَا (أَوْ ذِي قَرَابَتِهَا) كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَالْأَجْدَادِ. (أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُبَاحُ لَهَا) الْخُرُوجُ مِنْ أَجْلِهِ كَزِيَارَةِ أَبَوَيْهَا أَوْ حُضُورِ عُرْسِ وَاحِدٍ مِمَّنْ ذَكَرَ، أَوْ حَاجَةٍ لَا غِنَاءَ لَهَا عَنْهَا وَلَا تَجِدُ مَنْ يَقُومُ بِهَا. (وَلَا) يَجُوزُ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ بَعْدَ خُرُوجِهَا أَنْ (تَحْضُرَ مِنْ ذَلِكَ) الَّذِي خَرَجَتْ لِأَجْلِهِ (مَا فِيهِ نَوْحُ نَائِحَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>