للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالشِّطْرَنْجِ

وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ يَلْعَبُ بِهَا

وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ إلَى مَنْ يَلْعَبُ بِهَا وَالنَّظَرُ إلَيْهِمْ

وَلَا بَأْسَ بِالسَّبْقِ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَهُوَ يَبُولُ وَكَرِهَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْخَلَاءِ وَالْجِمَاعِ، فَإِنَّ الْأُجْهُورِيَّ قَالَ عَقِبَهُ: وَإِذَا لَمْ يُكْرَهْ لِلْعَاطِسِ الْحَمْدُ فِي حَالِ الْبَوْلِ مَعَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ أَوْ سُنَّةٌ فَلَا يُكْرَهُ التَّشْمِيتُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى أَرْجَحِ الْأَقْوَالِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ بَهْرَامُ فِي شَامِلِهِ أَنَّ قَاضِيَ الْحَاجَةِ لَا يَلْتَفِتُ وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا وَلَا يَحْمَدُ إنْ عَطَسَ وَلَا يُشَمِّتُ غَيْرَهُ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى فَرْضِيَّةِ التَّشْمِيتِ، وَمَا فِي الشَّامِلِ عَلَى عَدَمِ فَرَضِيَتْهُ لِأَنَّ الْخَلَاءَ يُطْلَبُ فِيهِ السُّكُوتُ إلَّا لِمُهِمٍّ، وَغَيْرُ الْفَرْضِ لَيْسَ مِنْ الْمُهِمِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّالِثُ: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ فَرْضِيَّةِ التَّشْمِيتِ عَلَى الْكِفَايَةِ عَلَى أَحَدِ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ وَهُوَ أَرْجَحُهَا وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ» وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَهُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا عَطَسَ يَضَعُ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ حَتَّى لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ: «إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ أَوْ تَجَشَّأَ فَلَا يَرْفَعَنَّ بِهِمَا صَوْتَهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ بِهِمَا الصَّوْتُ» .

الرَّابِعُ: إنَّمَا طُلِبَ مِنْ الْعَاطِسِ الْحَمْدُ لِمَا فِي الْعُطَاسِ مِنْ الرَّحْمَةِ وَالْمَنْفَعَةِ لِلْعَاطِسِ لِأَنَّهُ يُخَفِّفُ الدِّمَاغَ وَيُسَهِّلُ بَعْضَ الْعِبَادَاتِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّهُ يَقْطَعُ عِرْقَ الْفَالِجِ، وَالسُّعَالَ يَقْطَعُ عِرْقَ الْبَرَصِ، وَالزُّكَامِ يَقْطَعُ عِرْقَ الْجُذَامِ، وَالرَّمَدِ يَقْطَعُ عِرْقَ الْعُمْرِ» . وَوَرَدَ: «مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ الْعُطَاسُ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَأَوَّلُ مَنْ عَطَسَ آدَم» وَإِنَّمَا طُلِبَ مِنْ سَامِعِهِ تَشْمِيتُهُ بِيَرْحَمُكَ اللَّهُ لِأَنَّهُ عِنْدَ عُطَاسِهِ تَتَزَلْزَلُ أَعْضَاؤُهُ فَيُطْلَبُ الدُّعَاءُ لَهُ بِالرَّحْمَةِ كَمَا طُلِبَ مِنْهُ الْحَمْدُ عَلَى نِعْمَةٍ عُوِّدَهَا كَمَا كَانَتْ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَى التَّشْمِيتِ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَبْعَدَ اللَّهُ عَنْك الشَّمَاتَةَ وَجَنَّبَك مَا يُشَمِّتُ بِك، وَيُقَالُ فِيهِ تَسْمِيتٌ أَيْضًا بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَمَعْنَاهُ: جَعَلَك اللَّهُ عَلَى سَمْتٍ حَسَنٍ، لِأَنَّ عِنْدَ الْعُطَاسِ يُشْبِهُ حَالَ الْأَمْوَاتِ مَعَ فَتْحِ فِيهِ مَعَ التَّكَشُّرِ.

(وَ) يُنْدَبُ أَنْ (يَرُدَّ الْعَاطِسُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مِنْ شَمَّتَهُ بِيَرْحَمُكَ اللَّهُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ جَوَابَ يَرْحَمُك اللَّهِ. (يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ أَوْ يَقُولَ) لَهُ (يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) أَيْ حَالَكُمْ وَقِيلَ قَلْبَكُمْ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَالَ أَيْ ذَلِكَ قَالَهُ فَحَسَنٌ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِوُرُودِ كُلٍّ مِنْ اللَّفْظَيْنِ فِي السُّنَّةِ خِلَافًا لِمَنْ ادَّعَى الْمُفَاضَلَةَ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رُشْدٍ وَمِثْلُهُ لِابْنِ شَاسٍ: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَسَنٌ.

(تَنْبِيهٌ) إنَّمَا كَانَ الْمُشَمِّتُ يَقُولُ يَرْحَمُك اللَّهُ بِالْإِفْرَادِ وَالْعَاطِسُ يَرُدُّ عَلَيْهِ بِيَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ بِالْجَمْعِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُشَمِّتُ الْعَاطِسَ أَيْضًا، فَلِذَلِكَ طُلِبَ الْجَمْعُ لِأَنَّهُمْ مَعَ الْمُشَمِّتِ جَمْعٌ هَكَذَا قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ سَامِعَ الْحَمْدِ مِنْ الْعَاطِسِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَشْمِيتُهُ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى لَفْظِ الْحَمْدِ لِلَّهِ وَلَمْ يَزِدْ رَبَّ الْعَالَمِينَ.

[اللَّعِب بِالنَّرْدِ]

ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ اللَّعِبِ بِالْمَلَاهِي بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ) بِمَعْنَى يَحْرُمُ عَلَى مَا فِي الْجَوَاهِرِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ (اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ) وَلَوْ مَجَّانًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ لَعِب بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَدَمِهِ» .

وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَالنَّرْدَشِيرُ هُوَ النَّرْدُ

[اللَّعِب بِالشِّطْرَنْجِ]

(وَلَا) يَجُوزُ أَيْضًا اللَّعِبُ (بِالشَّطْرَنْجِ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقِيَاسُ كَسْرُهَا وَيُقَالُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ اللَّعِبِ بِالشَّطْرَنْجِ هُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ الْحَطَّابُ فَإِنَّهُ حَمَلَ الْكَرَاهَةَ الْوَاقِعَةَ فِي كَلَامِ بَعْضٍ عَلَى التَّحْرِيمِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالشَّافِعِيِّ أَيْضًا، حَتَّى قَالَ إمَامُنَا مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الشَّطْرَنْجُ أَلْهَى مِنْ النَّرْدِ وَأَشَرُّ، وَمُقْتَضَى اشْتِرَاطِ الْإِدْمَانِ فِي اللَّعِبِ بِهِ لِرَدِّ شَهَادَةِ مَنْ يَلْعَبُ بِهِ إبْقَاءُ الْكَرَاهَةِ عَلَى بَابِهَا، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْإِدْمَانِ اللَّعِبُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ فِي السَّنَةِ كَمَا قَالُوا فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ بِالْكَذِبِ الْكَثِيرِ فَإِنَّهُمْ فَسَّرُوا الْكَثِيرَ بِأَنْ يَزِيدَ فِي السَّنَةِ عَلَى مَرَّةٍ وَإِلَّا لَمْ يَقْدَحْ مَعَ أَنَّ الْكَذِبَ حَرَامٌ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ فِي فَهْمِ كَلَامِ الشُّيُوخِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى اشْتِرَاطِ مَا ذُكِرَ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ مَعَ حُرْمَةِ رَدِّهَا بِفِعْلِ الْمُبَاحِ الْمُزْرِي، فَإِنَّ مُقْتَضَى الْإِبَاحَةِ عَدَمُ رَدِّ الشَّهَادَةِ بِهِ وَإِنْ أَدَامَهُ وَأَكْثَرُ مِنْهُ، لِأَنَّا نَقُولُ: إدَامَةُ الْمُزْرِي مُخِلَّةٌ بِالْعَدَالَةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الشَّهَادَةِ، فَالْإِكْثَارُ مِنْ الْمُزْرِي كَالْإِكْثَارِ مِنْ الْمُحَرَّمِ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ، وَمُحَصِّلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُرْمَةِ الْإِزْرَاءُ بِدَلِيلِ تَفْرِقَتِهِمْ فِي الصَّغِيرَةِ بَيْنَ صَغِيرَةِ الْخِسَّةِ فَتُرَدُّ الشَّهَادَةُ مُطْلَقًا مِثْلَ النَّظْرَةِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ وَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَى دَنَاءَةِ الْهِمَّةِ، وَأَمَّا صَغَائِرُ غَيْرِ الْخِسَّةِ فَلَا تَقْدَحُ إلَّا بِشَرْطِ الْإِدْمَانِ عَلَيْهَا مَعَ حُرْمَةِ كُلِّ صَغِيرَةٍ.

(تَنْبِيهٌ) وَقَعَ الْخِلَافُ فِي اللَّعِبِ الطَّابِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَكَذَا فِي الْمِنْقَلَةِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ بَهْرَامُ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ الْحُرْمَةُ فِي الطَّابِ وَجَعَلَهُ مِثْلَ النَّرْدِ، وَأَمَّا الْمِنْقَلَةُ فَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ الْكَرَاهَةَ فِيهَا، وَكُلُّ هَذَا حَيْثُ لَا قِمَارَ وَإِلَّا فَالْحُرْمَةُ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ.

وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ عِصْيَانِ أَصْحَابِ الْمَلَاهِي عَدَمُ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ قَالَ: (وَلَا بَأْسَ) أَنْ يُؤْذَنَ فِي (أَنْ يُسَلَّمَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ (عَلَى مَنْ) شَأْنُهُ أَنْ (يَلْعَبَ بِهَا) أَيْ الْمَلَاهِي وَإِنَّمَا قُلْنَا شَأْنُهُ لِأَنَّ الْمُتَلَبِّسَ بِاللَّعِبِ لَا يَجُوزُ السَّلَامُ عَلَيْهِ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: لِأَنَّهُ مُتَلَبِّسٌ بِمَعْصِيَةٍ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حُكْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>