للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جَائِزٌ إلَّا مَا جَرَّ إلَى حَرَامٍ وَيَجُوزُ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ

وَالْأَمَةُ الْغَارَّةُ تَتَزَوَّجُ عَلَى إنَّهَا حُرَّةٌ فَلِسَيِّدِهَا أَخْذُهَا وَأَخْذُ

ــ

[الفواكه الدواني]

(أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ) إذْ لَمْ يَكُونُوا حِينَ الْإِنْفَاقِ فِي حَضَانَتِهِ.

(أَوْ) أَيْ وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا نَازَعُوهُ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ وَرُشْدِهِمْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ (دَفَعَ إلَيْهِمْ) أَمْوَالَهُمْ فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: ٦] قَالَ مَالِكٌ: لِئَلَّا تَضْمَنُوا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْمُدَوَّنَةِ طَالَ الزَّمَانُ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ وَشَدَّهُمْ أَمْ لَا، وَمُقَابِلُهُ لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَبُولُ قَوْلِهِ بِيَمِينِهِ إنْ طَالَ الزَّمَانُ كَعِشْرِينَ سَنَةً، وَحَمَلْنَا الْكَلَامَ السَّابِقَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي حَضَانَتِهِ لِقَوْلِهِ: (وَإِنْ كَانُوا) حِينَ الْمُنَازَعَةِ (فِي حَضَانَتِهِ) وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَصْلِ الْإِنْفَاقِ أَوْ قَدْرِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِمْ.

(صُدِّقَ فِي) شَأْنِ (النَّفَقَةِ فِيمَا يُشْبِهُ) قَالَ خَلِيلٌ: وَالْقَوْلُ لَهُ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ أَيْ فِي شَأْنِهَا لِيَشْمَلَ مَا إذَا نَازَعُوهُ فِي أَصْلِ الْإِنْفَاقِ أَوْ فِي قَدْرِ الْمُنْفَقِ لَكِنْ بِيَمِينٍ حَيْثُ أَشْبَهَ، وَمِثْلُ كَوْنِهِمْ فِي حَضَانَتِهِ كَوْنُهُمْ فِي حَضَانَةِ أُمِّهِمْ وَهِيَ فَقِيرَةٌ وَظَهَرَ أَثَرُ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ، وَمِثْلُ الْوَصِيِّ مُقَدَّمٌ الْقَاضِي وَالْحَاضِنُ وَالْكَافِلُ، وَأَمَّا لَوْ نَازَعُوهُ فِي تَارِيخِ الْمَوْتِ أَوْ فِي دَفْعِ الْمَالِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ.

قَالَ خَلِيلٌ: لَا فِي تَارِيخِ الْمَوْتِ وَلَا فِي دَفْعِ مَالِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَيْ وَرُشْدِهِ، وَأَفْهَمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: صُدِّقَ فِي النَّفَقَةِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ زَمَنَ كَوْنِهِمْ فِي حَضَانَتِهِ وَقَبْلَ بُلُوغِهِمْ وَرُشْدِهِمْ لَا يُصَدَّقُ وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الدَّفْعِ حَيْثُ أَتْلَفُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنْ شَيْءٍ قَبْلَ رُشْدِهِمْ سِوَى النَّفَقَةِ بِالْمَعْرُوفِ.

[حُكْمِ الصُّلْحِ]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ مَسَائِلِ الْوَكَالَةِ وَالْوَصِيِّ، شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الصُّلْحِ وَهُوَ لُغَةً قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ، وَاصْطِلَاحًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: انْتِقَالٌ عَنْ حَقٍّ أَوْ دَعْوَى بِعِوَضٍ لِرَفْعِ نِزَاعٍ أَوْ خَوْفِ وُقُوعِهِ، فَقَوْلُهُ: انْتِقَالٌ عَنْ حَقٍّ يَدْخُلُ فِيهِ الْإِقْرَارُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ دَعْوَى يَدْخُلُ فِيهِ صُلْحُ الْإِنْكَارِ، وَبِعِوَضٍ مُتَعَلِّقٌ بِانْتِقَالٍ يَخْرُجُ بِهِ الِانْتِقَالُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يُسَمَّى صُلْحًا، وَقَوْلُهُ: لِرَفْعِ نِزَاعٍ يَخْرُجُ بِهِ بَيْعُ الدَّيْنِ وَنَحْوُهُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ خَوْفِ وُقُوعِهِ يَدْخُلُ فِيهِ الصُّلْحُ يَكُونُ عَنْ إقْرَارٍ وَإِنْكَارٍ لِصِدْقِ الْحَدِّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا يُقَالُ: يَخْرُجُ الصُّلْحُ عَنْ السُّكُوتِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: السُّكُوتُ حُكْمُ الْإِقْرَارِ وَحُكْمُهُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ النَّدْبُ.

قَالَ تَعَالَى: {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: ١] . {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: ١٠] .

وَقَالَ تَعَالَى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: ١١٤] .

فَقَالَ: (وَالصُّلْحُ جَائِزٌ) جَوَازًا رَاجِحًا؛ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِلَفْظِ جَائِزًا لِمُوهِمِ الْجَوَازِ الْمُسْتَوِي لِأَجْلِ الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ (إلَّا مَا جَرَّ إلَى حَرَامٍ) وَهَذَا بَعْضُ حَدِيثٍ وَلَفْظُهُ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا، وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، مِثَالُ الصُّلْحِ الَّذِي جَرَّ إلَى حَرَامٍ الصُّلْحُ عَنْ الدَّيْنِ الشَّرْعِيِّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، وَكَالصُّلْحِ عَنْ الذَّهَبِ الْمُؤَجَّلِ بِالْوَرِقِ وَلَوْ عَلَى الْحُلُولِ، وَمِثَالُ الَّذِي حَرَّمَ حَلَالًا الصُّلْحُ عَنْ ثَوْبٍ بِسِلْعَةٍ بِشَرْطِ أَلَّا يَنْتَفِعَ بِهَا أَوْ بِثَمَرٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ لَا عَلَى شَرْطِ الْجَذِّ.

(وَيَجُوزُ) الصُّلْحُ (عَلَى الْإِقْرَارِ) وَيَكُونُ تَارَةً بَيْعًا إنْ وَقَعَ عَلَى أَخْذِ غَيْرِ الْمُقَرِّ بِهِ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ عَرْضٌ أَوْ حَيَوَانٌ وَيُصَالَحُ عَنْهَا بِدَرَاهِمَ، وَتَارَةً يَكُونُ إجَارَةً وَذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ ذَاتٌ مُعَيَّنَةٌ كَثَوْبٍ أَوْ عَبْدٍ فَيُصَالِحُهُ عَنْ ذَلِكَ بِمَنَافِعِ دَارٍ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ، وَتَارَةً يَكُونُ هِبَةً وَذَلِكَ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِائَةٌ فَصَالَحَهُ عَنْهَا بِخَمْسِينَ وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ إبْرَاءٌ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ مُشِيرًا إلَى تِلْكَ الْأَحْوَالِ بِقَوْلِهِ: الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ بَيْعُ إجَارَةٍ، وَعَلَى بَعْضِهِ هِبَةٌ، وَيَجُوزُ عَنْ الدَّيْنِ بِمَا يُبَاعُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ غَرَضًا جَازَ الصُّلْحُ عَنْهُ وَلَوْ بِعَيْنٍ حَالَّةٍ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا جَازَ الصُّلْحُ عَنْهُ بِعَرْضٍ حَالٍّ وَعَنْ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ، وَعَكْسُهُ حَيْثُ خَلَا وَعَجَّلَ الْمُصَالِحُ بِهِ.

(وَ) يَجُوزُ الصُّلْحُ أَيْضًا عَلَى (الْإِنْكَارِ) وَعَلَى مُقْتَضَى السُّكُوتِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَعَلَى الِاقْتِدَاءِ مِنْ يَمِينٍ أَوْ السُّكُوتِ أَوْ الْإِنْكَارِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ إذَا تَوَجَّهَتْ يَمِينٌ عَلَى شَخْصٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْتَدِيَ مِنْهَا بِالْمَالِ وَلَوْ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، خِلَافًا لِمَنْ أَتَمَّهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، وَجَوَازُ الصُّلْحِ عَنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَقْدِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الْبَاطِنِ بِحَيْثُ يَحِلُّ تَنَاوُلُ مَا وَقَعَ بِهِ الصُّلْحُ، فَإِنْ كَانَ الصَّادِقُ الْمُنْكِرَ فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ حَرَامٌ وَإِلَّا فَحَلَالٌ.

وَاعْلَمْ أَنَّ جَوَازَ الصُّلْحِ عَنْ السُّكُوتِ أَوْ الْإِنْكَارِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الِافْتِدَاءُ مِنْ الْيَمِينِ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهِيَ: جَوَازُهُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَعَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ تُهْمَةُ فَسَادٍ، وَالْأَمْثِلَةُ وَمَذَاهِبُ الْمُخَالِفِينَ تُطْلَبُ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>