للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهِيَ عَرْضٌ فَرُبَّهَا مُخَيَّرٌ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ يَوْمَ التَّعَدِّي.

وَمَنْ وَجَدَ لُقْطَةَ فَلْيُعَرِّفْهَا سَنَةً بِمَوْضِعٍ يَرْجُو التَّعْرِيفَ بِهَا.

ــ

[الفواكه الدواني]

وَالْخَسَارَةُ عَلَيْهِ (إنْ كَانَتْ عَيْنًا) دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لِأَنَّ ضَمَانَهَا زَمَنَ الِاتِّجَارِ مِنْهُ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ، وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا مِنْ تَنَاوُلِ الْكَرَاهَةِ لِمَا يُحَرَّمُ تَسَلُّفُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: إنْ كَانَتْ عَيْنًا لَيْسَ شَرْطًا فِي الْكَرَاهَةِ وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي قَوْلِهِ: وَالرِّبْحُ لَهُ.

وَأَشَارَ إلَى حُكْمُ غَيْرِ الْعَيْنِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ بَاعَ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ (الْوَدِيعَةَ) بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا (وَهِيَ عَرْضٌ) أَيْ غَيْرُ عَيْنٍ (فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ) عِنْدَ عَدَمِ فَوَاتِهَا (فِي) إجَازَةِ الْبَيْعِ وَأَخْذِ (الثَّمَنِ) الَّذِي بِيعَتْ بِهِ وَعِنْدَ فَوَاتِهَا يَجِبُ لَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ. (أَوْ الْقِيمَةِ يَوْمَ التَّعَدِّي) لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عِنْدَ قِيَامِهَا لَهُ الْإِجَازَةُ وَأَخْذُ الثَّمَنِ وَلَهُ رَدُّ الْبَيْعِ وَأَخْذُ سِلْعَتِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ فَوَاتِهَا فَيُقْضَى لَهُ بِأَخْذِ الْأَكْثَرِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّعَدِّي، وَمِثْلُهُ كُلُّ مُتَعَدٍّ بِالْبَيْعِ عَلَى سِلْعَةِ غَيْرِهِ وَلَوْ غَاصِبًا، وَهَكَذَا حُكْمُ بَيْعِ الْوَدِيعَةِ مِنْ غَيْرِ اتِّجَارٍ فِي ثَمَنِهَا، وَأَمَّا لَوْ بَاعَهَا عَلَى وَجْهِ التِّجَارَةِ فَفِي بَيْعِهَا تَفْصِيلٌ مُحَصَّلُهُ: إنْ بَاعَهَا بِعَرْضٍ وَالْعَرْضُ بِعَرْضٍ وَهَلُمَّ جَرًّا فَلَا رِبْحَ لَهُ وَلَهُ الْأَجْرُ، وَإِنْ بَاعَهَا بِدَرَاهِمَ فَالرِّبْحُ الْكَائِنُ فِي ثَمَنِهَا لِرَبِّهَا، مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يُودِعَهُ سِلْعَةً اشْتَرَاهَا بِعَشَرَةٍ فَبَاعَهَا بِعِشْرِينَ فَرَبُّهَا لَهُ إجَازَةُ الْبَيْعِ وَأَخْذُ الْعِشْرِينَ أَوْ رَدُّ الْبَيْعِ وَأَخْذُ سِلْعَتِهِ، وَبَعْدَ الْفَوَاتِ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَأَخْذِ مَا بِيعَتْ بِهِ أَوْ تَضْمِينِهِ الْقِيمَةَ يَوْمَ بَيْعِهَا، وَالْمُرَادُ أَنَّ لَهُ الْأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِهِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمُتَّجِرِ فِي الْعَرْضِ بِعَرْضٍ لَهُ الْأَجْرُ أَنَّ الْمُتَّجِرَ إنَّمَا فَعَلَ مَكْرُوهًا بِخِلَافِ هَذَا.

(تَنْبِيهٌ) مِثْلُ الْمُودَعِ فِي اسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ عِنْدَ الِاتِّجَارِ بِالْعَيْنِ الْوَصِيُّ يَتَّجِرُ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى لَهُ الرِّبْحُ وَعَلَيْهِ الْخُسْرُ، وَمِثْلُهُمَا أَيْضًا نَاظِرُ الْوَقْفِ يَتَّجِرُ فِي مَالِ الْوَقْفِ، إلَّا أَنَّ الْوَصِيَّ وَالنَّاظِرَ يُحَرَّمُ عَلَيْهِمَا التَّصَرُّفُ فِيمَا تَحْتَ أَيْدِيهِمَا، وَمِثْلُ مَنْ ذَكَرَ الْغَاصِبَ لِدَرَاهِمَ وَاتَّجَرَ فِيهَا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ رَأْسُ الْمَالِ وَالرِّبْحُ لَهُ، لِأَنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ تَاجِرًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرَ لَمْ يَقْبِضْ الْمَالَ تَنْمِيَةً لِرَبِّهِ، بِخِلَافِ الْمُبَعِّضِ مَعَهُ وَالْمُقَارِضِ إذَا اتَّجَرَا بِمَا فِي أَيْدِيهِمَا فَلَا رِبْحَ لَهُمَا بَلْ لِرَبِّ الْمَالِ، وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ خُسْرٌ فَهُوَ عَلَيْهِمَا بِتَعَدِّيهِمَا.

(تَنْبِيهٌ آخَرُ) مَحَلُّ تَخَيُّرِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ فِي الْإِجَازَةِ وَالرَّدِّ إلَخْ مَا لَمْ يَحْضُرْ عَقْدَ الْبَيْعِ أَوْ يَبْلُغْهُ الْبَيْعُ وَيَسْكُتُ مُدَّةً بِحَيْثُ يُعَدُّ رَاضِيًا وَإِلْزَامُهُ لِلْبَيْعِ وَأَخْذِ مَا بِيعَتْ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ كَمَا قَالُوهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ.

[بَاب اللُّقَطَة]

ثُمَّ شَرَعَ فِي التَّالِي لِلْوَدِيعَةِ فِي التَّرْجَمَةِ وَهُوَ بَابُ اللُّقَطَةِ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ مَا يُلْتَقَطُ، وَالِالْتِقَاطُ وُجُودُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ، وَعَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: مَالٌ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ مُحْتَرَمًا لَيْسَ حَيَوَانًا نَاطِقًا وَلَا نَعَمًا بَلْ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا أَوْ رَقِيقًا صَغِيرًا، وَسَوَاءٌ وُجِدَتْ فِي الْعَمَارِ أَوْ الْخَرَابِ أَوْ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ وَعَلَيْهَا عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ، لَا نَحْوُ عَنْبَرٍ وَعَقِيقٍ فَلِوَاجِدِهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَالُ اللَّقِيطِ وَخَرَجَ بِمُحْتَرَمًا مَالُ الْحَرْبِيِّ فَلَيْسَ يَلْقُطُهُ بَلْ إمَّا فَيْءٌ أَوْ غَنِيمَةٌ، وَخَرَجَ الْآبِقُ الْكَبِيرُ فَلَا يُسَمَّى لُقَطَةً، كَمَا خَرَجَ آخِذُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى ضَالَّةَ الشَّيْءِ، فَالشَّيْءُ الْمُعَرَّضُ لِلضَّيَاعِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: لُقَطَةٌ أَوْ لَقِيطٌ أَوْ آبِقٌ أَوْ ضَالَّةٌ، فَاللُّقَطَةُ تَقَدَّمَ حَدُّهَا، وَأَمَّا اللَّقِيطُ فَهُوَ صَغِيرُ آدَمِيٍّ لَمْ يُعْلَمْ أَبُوهُ وَلَا رِقُّهُ، أَمَّا لَوْ عُلِمَ رِقُّهُ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَهُوَ اللُّقَطَةُ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَهُوَ الْآبِقُ وَجَدُّهُ رَقِيقٌ كَبِيرٌ مُحْتَرَمٌ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ، وَأَمَّا الضَّالَّةُ فَحَدُّهَا نَعَمٌ مُحْتَرَمٌ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ فَيَخْرُجُ مَا كَانَ يُحَرِّزُهُ أَوْ مَعَ مَنْ يَحْفَظُهُ فَلَيْسَ بِضَالَّةٍ فَقَالَ: (وَمَنْ وَجَدَ) مِنْ الْمُكَلَّفِينَ (لُقَطَةً) وَقَدْ مَرَّ تَعْرِيفُهَا لِابْنِ عَرَفَةَ، وَعَرَّفَهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: اللُّقَطَةُ مَالٌ مَعْصُومٌ عُرِّضَ لِلضَّيَاعِ وَإِنْ كَلْبًا وَفَرَسًا الْتَقَطَهَا. (فَلْيُعَرِّفْهَا) وُجُوبًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ يَثِقُ بِهِ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ مِنْهَا إنْ لَمْ يَعْرِفْ مِثْلَهُ. (سَنَةً) حَيْثُ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْبَالِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مِنْ سَفَاسِفِ الْأُمُورِ كَدَلْوٍ وَمِخْلَاةٍ وَدُرَيْهِمَاتٍ فَإِنَّهَا تُعَرَّفُ أَيَّامًا لَا سَنَةً عَلَى الرَّاجِحِ، وَأَمَّا الشَّيْءُ الْحَقِيرُ جِدًّا بِحَيْثُ لَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ النُّفُوسُ كَالْعَصَا وَالسَّوْطِ فَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ أَصْلًا وَيَجُوزُ لِوَاجِدِهِ أَكْلُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ رَبُّهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَكْلُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ لِرَبِّهِ فَإِنْ أَكَلَهُ ضَمِنَهُ، وَمِثْلُهُ مَا يَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ كَلَحْمٍ وَرُطَبٍ، وَبَيَّنَ مَحَلَّ التَّعْرِيفِ بِقَوْلِهِ: (بِمَوْضِعٍ يَرْجُو التَّعْرِيفَ بِهَا) أَيْ بِمَوْضِعٍ يَرْجُو وُجُودَ صَاحِبِهَا وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُظَنُّ أَنَّ صَاحِبَهَا يَطْلُبُهَا فِيهِ وَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ: وَتَعْرِيفُهَا سَنَةً بِمَظَانِّ طَلَبِهَا كَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ، وَيَكُونُ التَّعْرِيفُ إثْرَ الِالْتِقَاطِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَإِذَا تَقَادَمَ الزَّمَانُ فَفِي كُلِّ يَوْمَيْنِ مَرَّةً، وَتَعْرِيفُهَا فِي الْبَلَدَيْنِ إنْ وُجِدَتْ بَيْنَهُمَا، وَيُطْلَبُ مِنْهُ الْإِبْهَامُ عِنْدَ التَّعْرِيفِ، فَلَا يَكُونُ نَوْعُهَا وَيُظَنُّ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَتِهَا، وَإِنْ وُجِدَتْ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى أَهْلِ الشِّرْكِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ دَفْعُهَا الْعَالِمَ أَهْلَ الذِّمَّةِ، وَإِنْ عَرَّفَهَا بِنَفْسِهِ لَمْ يَأْثَمْ، فَإِنْ أَخَّرَ تَعْرِيفَهَا حَتَّى تَلِفَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا بِدَفْعِهَا لِغَيْرِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّ اللُّقَطَةَ لَمْ يَأْتَمِنْهُ رَبُّهَا عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى التَّعْرِيفِ وَتَرَكَ الْكَلَامَ عَلَى حُكْمِ الِالْتِقَاطِ لَعَلَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمُنَافِي لِغَرَضِهِ مِنْ الِاخْتِصَارِ، وَمُحَصَّلُهُ أَنَّهُ يَجِبُ بِشَرْطَيْنِ: عِلْمُ أَمَانَةِ نَفْسِهِ وَخَوْفُ الْخَائِنِ، فَإِنْ عَلِمَ خِيَانَةَ نَفْسِهِ حُرِّمَ عَلَيْهِ الِالْتِقَاطُ، وَأَمَّا إنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>