للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنُهِيَ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ وَالِاخْتِيَارُ مِمَّا رُوِيَ فِي التَّخَتُّمِ التَّخَتُّمُ فِي الْيَسَارِ لِأَنَّ تَنَاوُلَ الشَّيْءِ بِالْيَمِينِ فَهُوَ يَأْخُذُهُ بِيَمِينِهِ وَيَجْعَلُهُ فِي يَسَارِهِ،

وَاخْتُلِفَ فِي لِبَاسِ الْخَزِّ فَأُجِيزَ وَكُرِهَ وَكَذَلِكَ الْعَلَمُ فِي الثَّوْبِ مِنْ الْحَرِيرِ إلَّا الْخَطَّ الرَّقِيقَ،

ــ

[الفواكه الدواني]

فِي خِنْصَرِ الْيَسَارِ وَيُكْرَهُ فِي الْيَمِينِ كَمَا يَأْتِي، وَيُعْلَمُ مِنْ قَصْرِ الْجَوَازِ عَلَى الْخَاتَمِ حُرْمَةُ الطَّوْقِ وَالدُّمْلُجِ مِنْ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ.

(وَ) لَا بَأْسَ أَيْضًا بِتَحْلِيَةِ (السَّيْفِ) بِالْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ سَوَاءٌ اتَّصَلَتْ الْحِلْيَةُ كَقَبْضَتِهِ أَوْ انْفَصَلَتْ عَنْهُ كَغِمْدِهِ، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ فِي سَيْفِ الرَّجُلِ، وَأَمَّا سَيْفُ الْمَرْأَةِ فَيَحْرُمُ تَحْلِيَتُهُ وَلَوْ كَانَتْ تُجَاهِدُ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ إلَّا الْمَلْبُوسَ، وَمَفْهُومُ السَّيْفِ أَنَّ بَقِيَّةَ آلَاتِ الْحَرْبِ يَحْرُمُ تَحْلِيَتُهَا لِأَنَّ السَّيْفَ أَعْظَمُ آلَاتِ الْحَرْبِ.

(وَ) لَا بَأْسَ أَيْضًا بِتَحْلِيَةِ جِلْدِ (الْمُصْحَفِ) بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّمَا تَحْلِيَتُهُ مِنْ دَاخِلِ جِلْدِهِ أَوْ كِتَابَتُهُ أَوْ تَجْزِئَتُهُ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ فَمَكْرُوهَةٌ، بِخِلَافِ كِتَابَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَرِيرِ أَوْ تَحْلِيَتِهِ بِهِ فَلَا تَحْرُمُ وَلَا تُكْرَهُ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُصْحَفِ مِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ فَيَحْرُمُ تَحْلِيَتُهُ فِقْهًا أَوْ حَدِيثًا وَأَوْلَى تَحْلِيَةُ الْإِجَازَةِ. وَلَمَّا كَانَ يَحْرُمُ عَلَى الذُّكُورِ اسْتِعْمَالُ كُلِّ مُحَلًّى سِوَى مَا مَرَّ قَالَ: (وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفِضَّةِ وَمِثْلُهُ الذَّهَبُ (فِي لِجَامِ وَلَا) فِي (سَرْجٍ) وَلَا فِي رِكَابٍ (وَلَا) فِي (سِكِّينٍ) وَأَوْلَى فِي الْحُرْمَةِ الْخِنْجَرُ (وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ) مِنْ نَحْوِ الْمِنْطَقَةِ وَالْمِهْمَازِ وَسَائِرِ الْآلَاتِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ جَوَازُهُ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ فِي لِجَامٍ إلَخْ أَنَّ ذَاتَ اللِّجَامِ وَالسَّرْجِ وَالسِّكِّينِ مَصْنُوعَةٌ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ ثُمَّ طُلِيَتْ بِالنَّقْدَيْنِ وَيُقَالُ لِمِثْلِ هَذَا مُمَوَّهٌ وَفِيهِ قَوْلَانِ بِالْحُرْمَةِ وَالْإِبَاحَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِمَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَفِي الْمُغَشَّى وَالْمُمَوَّهِ وَالْمُضَبَّبِ وَذِي الْحَلَقَةِ وَإِنَاءِ الْجَوْهَرِ قَوْلَانِ، فَالْمُغَشَّى الْمَصْنُوعُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَيُطْلَى بِنُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ، وَالْمُمَوَّهُ عَكْسُهُ، وَالْمُضَبَّبُ إنَاءٌ مِنْ نَحْوِ خَشَبٍ يُكْسَرُ فَيُلْحَمُ بِسِلْكِ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، وَذُو الْحَلْقَةِ إنَاءٌ يُصْنَعُ لَهُ حَلْقَةٌ بِسُكُونِ اللَّامِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يُعَلَّقُ بِهَا، وَإِنَاءُ الْجَوْهَرِ كَالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُغَشَّى بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ وَالْمُعْتَمَدُ الْمَنْعُ، وَفِي الْمُمَوَّهِ قَوْلَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ، وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُضَبَّبِ وَذِي الْحَلَقَةِ بِالْمَنْعِ وَالْكَرَاهَةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَالْقَوْلَانِ بِمَعْنَى التَّرَدُّدِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي إنَاءِ الْجَوْهَرِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ عَلَى السَّوَاءِ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ السَّرْجُ أَوْ اللِّجَامُ أَوْ رَأْسُ السِّكِّينِ مِنْ مَحْضِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ لَحَرُمَ قَوْلًا وَاحِدًا. الثَّانِي: مَا حَرُمَ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا أَوْ مُقْتَنًى.

قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْمُحَرَّمِ: وَإِنَاءُ نَقْدٍ وَاقْتِنَاؤُهُ وَإِنْ لِامْرَأَةٍ، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى صَنْعَةِ مَا لَا يَحِلُّ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ كَسَرَهُ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ مَلَكَهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِمَنْ يَصْنَعُهُ حُلِيًّا، وَيُبَاعُ بِعَرْضٍ أَوْ بِنَقْدٍ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ وَلَوْ مُتَفَاضِلًا لَكِنْ يَدًا بِيَدٍ، وَأَمَّا بِنَوْعِهِ فَيُبَاعُ بِشَرْطِ التَّمَاثُلِ فِي الْوَزْنِ وَالتَّنَاجُزِ وَيَحْرُمُ بَيْعُهَا لِمَنْ يَقْتَنِيهَا، وَإِنْ وَقَعَ صَحَّ الْبَيْعُ، وَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ اشْتَرَاهُ كَافِرٌ يَصِحُّ الشِّرَاءُ وَيُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ.

[التَّخَتُّم بِالذَّهَبِ]

(وَ) يَجُوزُ أَنْ (يَتَخَتَّمَ النِّسَاءُ بِالذَّهَبِ) وَأَوْلَى الْفِضَّةُ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ جَمِيعُ الْمَلْبُوسَاتِ مِنْ النُّقُودِ وَلَوْ نَعْلًا وَقَبْقَابًا، وَمَا أُلْحِقَ بِاللِّبَاسِ كَالْإِزَارِ وَكَالْحِيَاصَةِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَلْبُوسِ كَمُكْحُلَةٍ أَوْ مِرْوَدٍ أَوْ كُرْسِيٍّ أَوْ مِلْعَقَةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ لِلْمَرْأَةِ الْمَلْبُوسُ مُطْلَقًا وَلَوْ نَعْلًا لَا كَسَرِيرٍ، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ جَوَازِ تَخَتُّمِ النِّسَاءِ بِالذَّهَبِ جَوَازُ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ مِنْ بَابِ أَوْلَى قَالَ:

[التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ]

(وَنَهَى) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - النِّسَاءَ كَالرِّجَالِ (عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ) وَتَقَدَّمَ أَنَّ النَّهْيَ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِنَّمَا شَارَكَتْ النِّسَاءُ الرِّجَالَ فِي النَّهْيِ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ، وَمِثْلُ الْحَدِيدِ النُّحَاسُ وَالرَّصَاصُ، وَأَمَّا الْجِلْدُ وَالْعَقِيقُ وَالْقَصْدِيرُ وَالْخَشَبُ فَجَائِزٌ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْفِضَّةِ وَغَيْرِ الْحَدِيدِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ جَائِزٌ وَلَوْ لِلرِّجَالِ، وَبِالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسُ مَكْرُوهٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. (تَنْبِيهٌ) إذَا عَرَفْت أَنَّ مَا هُنَا مِنْ خُصُوصِ النِّسَاءِ عَلِمْت عَدَمَ تَكْرَارِ هَذَا مَعَ مَا سَبَقَ، وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ تَخَتُّمُ الرِّجَالِ بِالْفِضَّةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَحَلِّهِ بِقَوْلِهِ: (وَالِاخْتِيَارُ) أَنَّ الْمُخْتَارَ عَنْ الْجُمْهُورِ (مِمَّا رُوِيَ) عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي التَّخَتُّمِ) أَيْ فِي لُبْسِ الْخَاتَمِ، وَخَبَرُ الِاخْتِيَارِ الْوَاقِعِ مُبْتَدَأً (التَّخَتُّمُ فِي الْيَسَارِ) عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ، وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ جَعْلُهُ فِي الْخِنْصَرِ، وَمِمَّنْ كَانَ يَلْبَسُهُ فِي يَسَارِهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعَلَّلَ نَدْبَ جَعْلِهِ فِي الْيَسَارِ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّ تَنَاوُلَ الشَّيْءِ) الصَّادِقِ بِالْخَاتَمِ يُنْدَبُ كَوْنُهُ (بِالْيَمِينِ فَهُوَ يَأْخُذُهُ) أَيْ الْخَاتَمَ (بِيَمِينِهِ وَيَجْعَلُهُ فِي يَسَارِهِ) وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يُلْبَسُ فِي خِنْصَرِ الْيَسَارِ، وَكَانَ فَصُّ خَاتَمِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جَزْعٍ أَوْ عَقِيقٍ مِنْ مَعْدِنٍ بِالْحَبَشَةِ أَوْ الْيَمَنِ وَنَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ سَطْرٌ أَعْلَى، وَرَسُولُ سَطْرٌ أَوْسَطُ، وَلَفْظُ اللَّهِ سَطْرٌ أَسْفَلُ، وَكَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ دَاخِلِ كَفِّهِ، وَاسْتَمَرَّ فِي يَدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ مَاتَ، ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ فِي يَدِ عُمَرَ ثُمَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ ثُمَّ وَقَعَ مِنْهُ فِي بِئْرِ أَرِيسَ وَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>