الْعُدُولُ
وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ
وَلَا شَهَادَةُ عَبْدٍ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا كَافِرٍ
وَإِذَا تَابَ الْمَحْدُودُ فِي الزِّنَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ إلَّا فِي الزِّنَا
وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الِابْنِ لِلْأَبَوَيْنِ وَلَا هُمَا لَهُ
وَلَا الزَّوْجُ لِلزَّوْجَةِ وَلَا هِيَ لَهُ
وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَخِ الْعَدْلِ لِأَخِيهِ
ــ
[الفواكه الدواني]
نَظَرَهَا النِّسَاءُ، وَأَمَّا مَا كَانَ بِغَيْرِ الْفَرْجِ فَإِنْ كَانَ فِي الْوَجْهِ أَوْ الْيَدَيْنِ فَيَنْظُرُهُ الرِّجَالُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ دَاخِلَ الثِّيَابِ وَخَارِجَ الْفَرْجِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِرُؤْيَةِ النِّسَاءِ الْعِدْلَاتِ، فَعُيُوبُ النِّسَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ.
(تَنْبِيهٌ) لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الشَّهَادَةِ وَنَذْكُرُهُ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ فَنَقُولُ: الْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَالَ: هِيَ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالدَّيْنِ، وَعِنْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَالْوُجُوبُ عِنْدَ الدُّخُولِ، وَحُكْمُ تَحْمِلْهَا الْوُجُوبُ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ الْكِفَائِيِّ إنْ وُجِدَ غَيْرُهُ وَإِلَّا تَعَيَّنَ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَالتَّحَمُّلُ إنْ اُفْتُقِرَ إلَيْهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: ٢] وَأَمَّا الْأَدَاءُ فَفَرْضُ عَيْنٍ قَالَ خَلِيلٌ: وَتَعَيَّنَ الْأَدَاءُ مَنْ كَبِرَ بِدَيْنٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: ٢٨٢]
وَأَشَارَ إلَى شُرُوطِهَا بِذِكْرِ أَضْدَادِهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ) عَلَى خَصْمِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ خُصُومَةٌ؛ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ الْعَدَاوَةِ، وَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ الشَّهَادَةِ لِاتِّهَامِ الشَّاهِدِ عَلَى قَصْدِ إضْرَارِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ وَلَوْ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمُخَاصَمَةُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْمُخَاصَمَةُ فِي الدِّينِ فَلَا تَمْنَعُ كَشَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ، أَوْ السُّنِّيِّ عَلَى الْبِدْعِيِّ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ عَدَاوَةَ الدِّينِ عَامَّةٌ وَعَدَاوَةَ الدُّنْيَا خَاصَّةٌ، وَالْعَامُّ أَخَفُّ مِنْ الْخَاصِّ، وَيَسْتَمِرُّ الْمَنْعُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُ الْعَدَاوَةِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَزَوَالُ الْعَدَاوَةِ وَالْفِسْقِ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ، وَحَمَلْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَصْمِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الشَّهَادَةِ لَهُ فَتَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُك عَلَيْهِ تَجُوزُ شَهَادَتُك لَهُ، وَكُلُّ مَنْ امْتَنَعَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْك تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَك.
(وَلَا) تَجُوزُ أَيْضًا شَهَادَةُ (ظَنِينٍ) أَيْ مُتَّهَمٌ فِي شَهَادَتِهِ بِالْمَيْلِ إلَى مَنْ يَشْهَدُ لَهُ، أَوْ مُتَّهَمٌ بِعَدَمِ الصِّدْقِ، كَأَنْ يَشْهَدَ بَدْوِيٌّ لِحَضَرِيٍّ عَلَى حَضَرِيٍّ أَوْ عَكْسُهُ، وَالْحَالُ أَنَّا نَعْرِفُ أَنَّ الشَّاهِدَ لَمْ يَدْخُلْ بَلَدَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَلَا عَكْسُهُ زَمَنَ وُقُوعِ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَكَشَهَادَةِ الشَّحَّاذِ الْفَقِيرِ فِي الْمَالِ الْكَثِيرِ، وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَنْ اُتُّهِمَ فِي شَهَادَتِهِ إمَّا بِقِلَّةِ دِينِهِ، أَوْ بِجَلْبِ نَفْعٍ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، أَوْ بِإِدْخَالِ ضَرَرٍ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.
(وَلَا يُقْبَلُ فِي) أَدَاءِ (الشَّهَادَةِ إلَّا الْعُدُولُ) جَمْعُ عَدْلٍ وَهُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ السَّالِمُ مِنْ فِسْقٍ وَحَجْرِ سَفَهٍ وَبِدْعَةٍ وَإِنْ مَعَ تَأْوِيلٍ، وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا أَدَاءً؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ التَّحَمُّلُ مِنْ كُلِّ مُمَيِّزٍ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ كَافِرًا إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ وَهُمَا: الشَّهَادَةُ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْمَشْهُودُ عَلَى خَطِّهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوطِ الْأَدَاءِ عِنْدَ كِتَابَةِ خَطِّهِ، وَالْعَدْلُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَدَالَةِ وَهِيَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تَمْنَعُ مَوْصُوفَهَا الْبِدْعَةَ وَمَا يَشِينُهُ عُرْفًا، وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْعَدَالَةُ مَلَكَةٌ تَمْنَعُ صَاحِبَهَا مِنْ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ.
قَالَ الْقَرَافِيُّ: الْعَدَالَةُ عِنْدَنَا حَقٌّ لِلَّهِ عَلَى الْحَاكِمِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِغَيْرِ الْعَدْلِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَصْمُ الْعَدَالَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَعَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ لَوْ رَضِيَ الْخَصْمَانِ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ أَوْ مَسْخُوطٍ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
[شَهَادَةُ الْمَحْدُود]
(وَ) كَذَا (لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ) فِي قَذْفٍ أَوْ غَيْرِهِ فِيمَا حُدَّ فِيهِ بِالْفِعْلِ، وَلَوْ صَارَ بَعْدَ تَوْبَتِهِ أَحْسَنَ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى التَّأَسِّي بِإِثْبَاتِ مُشَارِكٍ لَهُ فِي صِفَتِهِ، وَأَمَّا شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ فِي غَيْرِ مَا حُدَّ فِيهِ فَصَحِيحَةٌ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ، وَقَيَّدْنَا بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُحَدَّ فِيهِ قَوْلَانِ، وَاشْتِرَاطُ الْحَدِّ بِالْفِعْلِ فِي غَيْرِ الْقَتْلِ، وَأَمَّا مَنْ قَتَلَ غَيْرَهُ عَمْدًا وَعُفِيَ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الْقَتْلِ وَلَوْ حُسِّنَتْ حَالَتُهُ بَعْدَ تَوْبَتِهِ، وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي غَيْرِهِ قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ، وَمِثْلُ الْحُدُودِ التَّعَازِيرُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ عُزِّرَ فِيمَا عُذِّرَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ فَلْتَةً، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَاضِي فَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ وَلَوْ فِيمَا حُدَّ فِيهِ.
(وَلَا) تَجُوزُ أَيْضًا (شَهَادَةُ عَبْدٍ) الْمُرَادُ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ وَلَوْ مُكَاتَبًا لِمُنَافَاتِهِ الْعَدَالَةَ (وَلَا صَبِيٍّ) إلَّا عَلَى مِثْلِهِ فِي جُرْحٍ أَوْ قَتْلٍ كَمَا يَأْتِي. (وَلَا كَافِرٍ) لِمُنَافَاةِ الصِّبَا وَالْكُفْرِ الْعَدَالَةَ، وَمَحَلُّ عَدَمِ جَوَازِ شَهَادَةِ مَنْ ذُكِرَ إذَا أَدَّوْهَا فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ، وَأَمَّا لَوْ تَحَمَّلُوهَا عَلَى تِلْكَ الْأَوْصَافِ وَتَأَخُّرِ الْأَدَاءِ حَتَّى اتَّصَفُوا بِالْعَدَالَةِ لَصَحَّتْ شَهَادَتُهُمْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ صَدَرَ مِنْهُمْ أَدَاءٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ثُمَّ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ، وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ فِيمَا رُدَّتْ فِيهِ لِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَلَا إنْ حُرِّضَ عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ فِيمَا رُدَّ فِيهِ لِفِسْقٍ أَوْ صِبًا أَوْ رِقٍّ؛ لِأَنَّهُمْ يُتَّهَمُونَ عَلَى إزَالَةِ النَّقْصِ الَّذِي رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَجْلِهِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّقْصِ الْمَعَرَّةُ اللَّاحِقَةُ بِسَبَبِ رَدِّ شَهَادَتِهِمْ.
(وَإِذَا تَابَ الْمَحْدُودُ فِي الزِّنَا) وَحُسِّنَتْ حَالَتُهُ (قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ) بَعْدَ التَّوْبَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ (إلَّا فِي الزِّنَا) فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ وَهَذَا مَحْضُ تَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِلْمَحْدُودِ فِي الزِّنَا إلَّا