الْحَمَّامِ إلَّا الْآيَاتِ الْيَسِيرَةَ وَلَا يُكْثِرُ وَيَقْرَأُ الرَّاكِبُ وَالْمُضْطَجِعُ وَالْمَاشِي مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْمَاشِي إلَى السُّوقِ وَقَدْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ لِلْمُتَعَلِّمِ وَاسِعٌ
وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي سَبْعٍ فَذَلِكَ حَسَنٌ وَالتَّفَهُّمُ مَعَ قِلَّةِ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَقْرَأْهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ
وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ رُكُوبِهِ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ
ــ
[الفواكه الدواني]
لَا يَجِدُوا مَحِلًّا يَبِيتُونَ بِهِ وَإِلَّا جَازَ، لِأَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبَاحُ لِأَجْلِهَا الْمَحْظُورَاتُ فَكَيْفَ بِالْمَكْرُوهِ كَمَا هُنَا وَذَلِكَ كَمَا فِي مِصْرَ الْيَوْمَ فَإِنَّ بَعْضَ الْغُرَبَاءِ لَا يُمْكِنُهُ الْبَيَاتُ فِي الْفُنْدُقِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ دَابَّةٌ أَوْ مِنْ ذَوِي الْمَالِ بِحَيْثُ يَسْتَطِيعُ كِرَاءَ مَحَلٍّ، وَأَمَّا غَيْرُ مَالِكٍ كَالشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ أَجَازَ الْبَيَاتَ فِي الْمَسَاجِدِ لِلْغُرَبَاءِ وَلَوْ فِي الْحَاضِرَةِ، بِدَلِيلِ أَهْلِ الصُّفَّةِ الَّذِينَ كَانُوا فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُقِيمِينَ بِهِ لَيْلًا نَهَارًا. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ أَهْلَ الصُّفَّةِ كَانُوا مُشْتَغِلِينَ بِالْعِبَادَةِ، وَيَجُوزُ لِمَنْ تَجَرَّدَ لِلْعِبَادَةِ السُّكْنَى فِي الْمَسْجِدِ فَضْلًا عَنْ الْبَيَاتِ.
(تَنْبِيهٌ) نَصَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى بَيَاتِ الْغَرِيبِ فِي الْمَسْجِدِ وَسَكَتَ عَنْ دَابَّتِهِ وَالْحُكْمُ فِيهَا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ مَحَلًّا يَحْفَظُهَا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ وَخَافَ عَلَيْهَا مِنْ اللُّصُوصِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُدْخِلَهَا الْمَسْجِدَ، كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ اتِّخَاذُ إنَاءٍ يَبُولُ فِيهِ إنْ كَانَ يَخَافُ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ مِنْ نَحْوِ سَبُعٍ أَوْ سَبْقِ بَوْلِهِ، لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ مَوْضُوعَةٌ لِلْعِبَادَةِ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ لِفَاعِلِهَا، وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ مُحَصِّلٌ الثَّوَابَ.
[آدَابِ قَارِئِ الْقُرْآنِ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي آدَابِ قَارِئِ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَنْبَغِي) أَيْ يُكْرَهُ (أَنْ يَقْرَأَ) الشَّخْصُ (فِي الْحَمَّامِ) أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مَوَاضِعِ الْأَقْذَارِ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ لِأَنَّ مَوَاضِعَ الْأَقْذَارِ مَحَلُّ الشَّيَاطِينِ يُنَزَّهُ الْقُرْآنُ عَنْهَا، وَلَمَّا ضَمَّنَ يَقْرَأُ مَعْنَى يَتَقَرَّبُ قَالَ: (إلَّا الْآيَاتِ الْيَسِيرَةَ) وَقَوْلُهُ: (وَلَا يُكْثِرُ) زِيَادَةُ إيضَاحٍ لِمَا قَبْلَهُ. وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ اشْتِغَالِ الرَّاكِبِ وَمَا مَعَهُ عَدَمُ جَوَازِ قِرَاءَتِهِ قَالَ: (وَ) يَجُوزُ أَنْ (يَقْرَأَ الرَّاكِبُ وَالْمُضْطَجِعُ وَالْمَاشِي مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ) أَوْ إلَى حَائِطِهِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ أَعْظَمُ الْأَذْكَارِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: ١٠٣] وَيَحْصُلُ لِلْمَاشِي مِنْ قَرْيَةٍ إلَى أُخْرَى تَوْنِيسِ الْقَلْبِ بِالْقِرَاءَةِ وَالْأَمْنُ مِنْ كُلِّ مَخُوفٍ.
(وَيُكْرَهُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْ فِعْلِ الْقِرَاءَةِ (لِلْمَاشِي إلَى السُّوقِ) حَيْثُ كَانَ فِي الطَّرِيقِ إنية الْأَقْذَارِ كَأَسْوَاقِ الْحَاضِرَةِ وَلِكَثْرَةِ الْمَارِّينَ بِهَا فَيَفُوتُهُ التَّدَبُّرُ بِالِاشْتِغَالِ بِالْمَارِّ بِهَا، وَرُبَّمَا يُنْسَبُ إلَى الرِّيَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِلَلِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْكَرَاهَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ سِرًّا أَوْ جَهْرًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَارِئُ مُتَعَلِّمًا أَوْ غَيْرَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِقَرِينَةٍ قَوْلِهِ: (وَقَدْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورَ مِنْ كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ الْكَثِيرَةِ فِي الْحَمَّامِ أَوْ فِي حَالِ الْمَشْيِ إلَى السُّوقِ (لِلْمُتَعَلِّمِ وَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلِذَا حَكَاهُ بِقِيلِ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَوَاضِعِ كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ صِفَتِهَا الْمَطْلُوبَةِ وَغَيْرِهَا بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي سَبْعِ) لَيَالٍ (فَذَلِكَ حَسَنٌ) أَيْ مَنْدُوبٌ (وَ) لَكِنَّ (التَّفَهُّمَ مَعَ قِلَّةِ الْقِرَاءَةِ) وَلَوْ زَادَتْ مُدَّتُهَا عَلَى سَبْعِ لَيَالٍ (أَفْضَلُ) مِنْ قِرَاءَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُتَرَسِّلَةً بِحَيْثُ لَوْ شَاءَ السَّامِعُ عَدَّ حُرُوفِ مَا يَقْرَؤُهُ لَأَمْكَنَهُ، لِأَنَّ الْمُتَأَمِّلَ فِي قِرَاءَتِهِ يَقِفُ عَلَى أَحْكَامِهِ وَمَوَاعِظِهِ وَعَلَى وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، وَهَذَا يَحْمِلُهُ عَلَى تِلَاوَتِهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي حُصُولَ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ الْقَارِئُ الْمَعْنَى خِلَافًا لِفَتْوَى بَعْضِ الشُّيُوخِ. ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الْقِرَاءَةِ الْقَلِيلَةِ عَلَى الْكَثِيرَةِ مَعَ التَّدَيُّنِ بِقَوْلِهِ: (وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْرَأْهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ» مَعَ مَعْرِفَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَعَانِيهِ وَفَهْمِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَقْرَأْهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا قِيلَ إنَّ بَعْضَ الْأَكَابِرِ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ لِأَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يُفْسَحُ لَهُمْ فِي الزَّمَنِ كَمَا تُطْوَى لَهُمْ الْأَرْضُ، وَكَرَامَاتُهُمْ لَا يُنَازِعُ فِيهَا إلَّا مَحْرُومٌ سَوَاءٌ كَانُوا أَحْيَاءً أَوْ أَمْوَاتًا.
(تَتِمَّةٌ) تَشْتَمِلُ عَلَى ثَوَابِ الْقَارِئِ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ لِلْقَارِئِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَبِطَهَارَةٍ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا إنْ صَلَّى قَاعِدًا بِكُلِّ حَرْفٍ خَمْسُونَ حَسَنَةً، وَإِنْ كَانَ مُصَلِّيًا قَائِمًا يَكُونُ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَالْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْأَدْعِيَةِ الَّتِي تُطْلَبُ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ بِقَوْلِهِ: (يُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ) أَيْ مَرِيدُ السَّفَرِ (أَنْ يَقُولَ عِنْدَ رُكُوبِهِ) أَيْ عِنْدَ وَضْعِ رِجْلِهِ فِي الرِّكَابِ (بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ) أَيْ الْحَافِظُ (فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ) أَيْ الْمُتَكَفِّلُ بِأُمُورِهِمْ عَنِّي (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ وَعْثَاءِ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ وَأَلِفٍ مَمْدُودَةٍ أَيْ مِنْ مَشَقَّةِ (السَّفَرِ وَ) مِنْ (كَآبَةِ) بِالْكَافِ الْمَفْتُوحَةِ بَعْدَهَا مَدَّةٌ أَيْ سُوءُ (الْمُنْقَلَبُ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ الرُّجُوعُ أَيْ أَعُوذُ بِك مِنْ الرُّجُوعِ خَائِبًا مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ حَاجَتِي.
(وَ) مِنْ (سُوءِ الْمَنْظَرِ) بِفَتْحِ الظَّاءِ أَيْ مَا يُسِيءُ النَّظَرُ إلَيْهِ (فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَالْوَلَدِ) اسْتَعَاذَ بِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - مِنْ رُجُوعِهِ إلَى أَهْلِهِ فِي حَالَةٍ يَحْصُلُ لَهُ فِيهَا الْحُزْنُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حَدِيثٌ رَوَاهُ أَهْلُ الصَّحِيحِ وَغَيْرُهُمْ وَإِنْ وَقَعَ فِي لَفْظِهِ اخْتِلَافٌ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَلَبَّسَ بِالسَّفَرِ أَنْ (يَقُولَ) عِنْدَ