بَعْضَ عَبْدِهِ اسْتَتَمَّ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ مَعَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ يُقَامُ عَلَيْهِ وَعَتَقَ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ
ــ
[الفواكه الدواني]
أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ إرْبٍ مِنْهَا إرْبًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إيمَانٌ بِاَللَّهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ قُلْت: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا» وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ قُرْبَةٌ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرَبِ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ كَفَّارَةً لِلْقَتْلِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ أَفْضَلُ مِنْهُ لِمَا فِي مُسْلِمٍ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِامْرَأَةٍ أَعْتَقَتْ رَقَبَةً: لَوْ كُنْت أَخْدَمْتِيهَا أَقَارِبَك لَكَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِك» اللَّخْمِيُّ، وَظَاهِرُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ نَاقِصَ عُضْوٍ لَا يَحْجُبُ النَّارَ عَنْ الْعُضْوِ الَّذِي يُقَابِلُهُ مِنْهُ وَهُوَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ الْأَلَمَ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَيِّ عُضْوٍ شَاءَ كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ النَّارَ أَنْ تَأْكُلَ مَوْضِعَ السُّجُودِ» وَعِتْقُ الذَّكَرِ أَفْضَلُ ثُمَّ أَعْلَى الرِّقَابِ ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَإِنْ كَانَ الْأَعْلَى ثَمَنًا كَافِرًا فَضَّلَهُ مَالِكٌ وَخَالَفَهُ أَصْبَغُ وَنَسَبَهُ ابْنُ بَزِيزَةَ لِلْجُمْهُورِ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قِيلَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّيِّدَ لَا يُعْتَقُ مِنْ النَّارِ إلَّا بِعِتْقِ عَبْدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَتْ دِيَتُهُ مِثْلَ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ كَانَ كَالْمَرْأَةِ، أَمَّا إنْ تَسَاوَيَا فَالْمُسْلِمُ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ.
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ كَالدَّيْنِ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّهُمَا ثَمَنًا.
وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ: إنَّمَا يَكُونُ الْأَعْلَى ثَمَنًا أَفْضَلُ عِنْدَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: الْمُعْتِقُ وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَالرُّشْدُ وَعَدَمُ إحَاطَةِ الدُّيُونِ بِمَالِهِ فَقَالَ مُشِيرًا إلَى هَذَا الشَّرْطِ. (وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ مَنْ أَحَاطَتْ الدُّيُونُ بِمَالِهِ) كَمَا لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ وَلَوْ بَعْدَ أَجَلِ تِلْكَ الدُّيُونِ إلَّا بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ إلَّا مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، كَنَفَقَةِ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَكِسْوَتِهِمْ، وَكَالْأُضْحِيَّةِ وَنَفَقَةِ الْعِيدَيْنِ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ، وَلَهُ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْفَرْضِ لَكِنْ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: إنَّمَا يَصِحُّ إعْتَاقُ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ بِلَا حَجْرٍ وَبِلَا إحَاطَةِ دَيْنٍ، وَيَدْخُلُ فِي الْمُكَلَّفِ السَّكْرَانُ عَلَى الْمَشْهُورِ فَيَصِحُّ عِتْقُهُ وَيَلْزَمُ كَمَا يَلْزَمُ طَلَاقُهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَةُ وَالْمَرِيضُ فِي الثُّلُثِ، فَلَا يَصِحُّ عِتْقُ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا مَوْلَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا عِتْقُ مَنْ أَحَاطَتْ الدُّيُونُ بِمَالِهِ فَلِلْغُرَمَاءِ رَدُّهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ وَيَسْكُتَ بِحَيْثُ يُعَدُّ رَاضِيًا، أَوْ يَطُولُ زَمَانُ الْعِتْقِ بِحَيْثُ يَشْتَهِرُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَيَرِثُ الْوَارِثَاتِ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ عِلْمُهُ، أَوْ إلَّا أَنْ يَسْتَفِيدَ مَا يُوَفِّي مِنْهُ الدَّيْنَ فَيُنَفَّذُ وَلَا يُرَدُّ، كَمَا يُنَفَّذُ عِتْقُ الزَّوْجَةِ وَالْمَرِيضِ مِنْ الثُّلُثِ، وَأَمَّا عِتْقُهُمَا مَا يَزِيدُ قِيمَتُهُ عَلَى الثُّلُثِ فَلِوَرَثَةِ الْمَرِيضِ وَلِلزَّوْجِ الرَّدُّ وَالْإِجَازَةُ. وَالثَّانِي مِنْ الْأَرْكَانِ: الْمُعْتَقُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَشَرْطُهُ أَوْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ وَلَوْ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُدَبَّرُ وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُبَعَّضُ وَالْمُكَاتَبُ يَصِحُّ تَنْجِيزُ عِتْقِ الْجَمِيعِ، وَأَمَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ كَالْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي فَإِنَّ عِتْقَهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ. وَالثَّالِثُ مِنْ الْأَرْكَانِ: الصِّيغَةُ وَهِيَ صَرِيحَةٌ وَكِنَايَةٌ، فَالصَّرِيحُ كُلُّ مَا فِيهِ لَفْظُ الْعِتْقِ أَوْ التَّحْرِيرِ أَوْ الْفَكِّ أَوْ لَا مِلْكَ أَوْ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك، فَإِذَا قَالَ: أَعْتَقْت أَوْ فَكَكْت أَوْ حَرَّرْت رَقَبَتَك أَوْ أَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا لِلْعِتْقِ وَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ لِغَيْرِهِ وَلَوْ نَوَى صَرْفَهُ إلَّا لِقَرِينَةٍ كَمَدْحٍ أَوْ خَلَفٍ أَوْ دَفْعِ مَكْسٍ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ عَجِبَ مِنْ عَمَلِ عَبْدِهِ أَوْ خَالَفَهُ عِنْدَ أَمْرِهِ بِشَيْءٍ فَقَالَ مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى وَلَا فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، وَفِيهَا أَيْضًا: وَلَوْ مَرَّ عَلَى عُشَارٍ فَقَالَ هُوَ حُرٌّ عِنْدَ طَلَبِ الْمَكْسِ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْحُرِّيَّةَ فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْكِنَايَةُ فَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ ظَاهِرَةٌ وَخَفِيَّةٌ، فَالظَّاهِرَةُ مَا لَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ إلَّا بِنِيَّةِ صَرْفِهِ كَوَهَبْتُ لَك نَفْسَك وَمَلَّكْتُك نَفْسَك، وَالْخَفِيَّةُ مَا لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ كَاذْهَبْ وَاغْرُبْ وَاسْقِنِي الْمَاءَ مِمَّا لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْعِتْقِ، وَإِنَّمَا تَرَكَ الْمُصَنِّفُ التَّعَرُّضَ لِذَلِكَ رَوْمًا لِلِاخْتِصَارِ.
(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لُزُومُ عِتْقِ مَنْ لَمْ يَحُطَّ الدَّيْنُ بِمَالِهِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ وَلَوْ كَافِرًا وَهُوَ كَذَلِكَ، حَيْثُ كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ أَوْ سَيِّدُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَفِي الثَّلَاثِ يَلْزَمُ الْعِتْقُ وَلَوْ لَمْ يَبِنْ الْعَبْدُ عَنْ سَيِّدِهِ، وَأَمَّا لَوْ أَعْتَقَهُ فِي حَالِ كُفْرِهِمَا وَلَمْ يَحْصُلْ إسْلَامٌ مِنْهُمَا فَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقُهُ إلَّا إذَا بَانَ عَنْهُ الْعَبْدُ.
[الْعِتْقِ بِالسِّرَايَةِ]
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْعِتْقِ الْمَقْصُودِ شَرَعَ فِي الْعِتْقِ بِالسِّرَايَةِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ اسْتَتَمَّ عَلَيْهِ) أَيْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَبِالْحُكْمِ مَعَهُ جَمِيعُهُ إنْ أَعْتَقَ جُزْءًا وَالْبَاقِي لَهُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ جُزْءًا وَلَوْ يَدًا أَوْ رِجْلًا مِنْ عَبْدِهِ الَّذِي يَمْلِكُ جَمِيعَهُ فَإِنَّ الْبَاقِيَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا، وَقَوْلُهُ بَعْضَ عَبْدِهِ يَشْمَلُ الْقِنَّ الْمَحْضَ وَالْمُدَبَّرَ وَالْمُعْتَقَ إلَى أَجَلٍ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا رَشِيدًا لَا دَيْنَ عَلَيْهِ يُرَدُّ الْعَبْدُ أَوْ بَعْضُهُ، وَأَمَّا لَوْ أَعْتَقَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْكَافِرَ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ أَحَدُهُمَا أَوْ يَبِينَ الْعَبْدُ عَنْ سَيِّدِهِ.
(تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ مَا يَشْمَلُ نَحْوَ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ وَأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ