للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

وَلَا بَأْسَ بِالِاكْتِوَاءِ

وَالرُّقَى بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِالْكَلَامِ الطَّيِّبِ

وَلَا بَأْسَ بِالْمَعَاذَةِ تُعَلَّقُ وَفِيهَا الْقُرْآنُ

وَإِذَا وَقَعَ الْوَبَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ فَلَا يُقْدَمُ عَلَيْهِ وَمَنْ كَانَ بِهَا فَلَا يَخْرُجُ فِرَارًا مِنْهُ

«وَقَالَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي

ــ

[الفواكه الدواني]

الِاكْتِحَالُ بِغَيْرِ الْإِثْمِدِ فَيَجُوزُ وَلَوْ لِلرِّجَالِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَوْ نَهَارًا.

وَلَمَّا كَانَ التَّدَاوِي لَا يَجُوزُ بِالْأَشْيَاءِ النَّجِسَةِ فَقَالَ: (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يُتَعَالَجَ بِالْخَمْرِ) أَيْ يَحْرُمُ التَّدَاوِي بِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: لَا دَوَاءَ وَلَا طِلَاءَ لِخَبَرِ: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا» إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يَدْفَعَ بِالْخَمْرِ غُصَّةً أَوْ عَطَشًا عَلَى قَوْلٍ وَيَنْبَغِي إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلدَّوَاءِ فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْغُصَّةِ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كُلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ مَنَافِعِ الْخَمْرِ فَقَدْ ارْتَفَعَ بِتَحْرِيمِهَا.

(وَ) كَمَا لَا يَجُوزُ التَّعَالُجُ بِالْخَمْرِ (وَلَا) يَجُوزُ (بِالنَّجَاسَةِ) غَيْرِ الْخَمْرِ (وَلَا بِمَا فِيهِ مَيْتَةٌ وَلَا بِشَيْءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -) وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ عُمُومُ حُرْمَةِ التَّدَاوِي بِالنَّجَسِ وَلَوْ فِي ظَاهِرِ الْجَسَدِ وَلَوْ غَيْرُ خَمْرٍ، وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ، وَمَفْهُومُ التَّعَالُجِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ مَا ذُكِرَ لِغَيْرِ التَّدَاوِي لَيْسَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، وَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَلِلضَّرُورَةِ مَا يَسُدُّ غَيْرَ آدَمِيٍّ وَخَمْرٌ إلَّا لِغُصَّةٍ، وَأَمَّا لِغَيْرِ الضَّرُورَةِ فَأَشَارَ إلَيْهِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: وَيَنْتَفِعُ بِمُتَنَجِّسٍ لَا نَجِسٍ.

[التَّدَاوِي بِالْكَيِّ]

وَلَمَّا وَقَعَ خِلَافٌ فِي جَوَازِ التَّدَاوِي بِالْكَيِّ كَرَّرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ بِالِاكْتِوَاءِ) أَيْ يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلَ اسْتِعْمَالُ الْأَخْذِ فِي الْأَسْبَابِ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ كَمَا قَدَّمْنَا بَسْطَهُ، وَمِنْ الْمُتَّفَقِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّدَاوِي بِهِ الِاكْتِحَالُ بِالْعَذِرَةِ لِلرَّمَدِ، وَظَوَاهِرُ نُصُوصِ الْأَئِمَّةِ جَوَازُ كَفِّ الْعَوْرَةِ لِلتَّدَاوِي، وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْحُقْنَةِ وَسُئِلَ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْهَا فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا لِأَنَّهَا ضَرْبٌ مِنْ الدَّوَاءِ وَفِيهَا مَنْفَعَةٌ لِلنَّاسِ، وَقَدْ أَبَاحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّدَاوِيَ وَأَذِنَ فِيهِ فَقَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إلَّا وَلَهُ دَوَاءٌ عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ فَتَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ» وَتُحْمَلُ النُّقُولُ الْمُخَالِفَةُ لِهَذَا عَلَى حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَالْجَوَازُ عَلَى حَالَةِ الِاضْطِرَارِ فَيَتَّفِقُ النَّقْلَانِ.

[الرُّقَى بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِالْكَلَامِ الطَّيِّبِ]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُرْقَى بِهِ فَقَالَ: (وَ) لَا بَأْسَ بِ (الرُّقَى) جَمْعُ رُقْيَةٍ (بِكِتَابِ اللَّهِ) وَلَوْ آيَةٌ مِنْهُ قَالَ تَعَالَى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: ٨٢] وَيُرْقَى بِالْفَاتِحَةِ وَآخِرُ مَا يُرْقَى بِهِ مِنْهَا وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وَمِمَّا يُرْقَى بِهِ كَثِيرًا آيَاتُ الشِّفَاءِ السِّتِّ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مِمَّنْ عُرِفَ بِالْبَرَكَةِ: مِنْ كَتَبَ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ سِتَّ عَشْرَةَ مَرَّةً فِي إنَاءٍ نَظِيفٍ وَقَرَأَ عَلَيْهَا آيَاتِ الشِّفَاءِ وَمَحَاهُ بِمَاءِ النِّيلِ وَسَقَاهُ لِمَنْ بِهِ مَرَضٌ مُثْقِلٌ فَإِنْ قُدِّرَ لَهُ الْحَيَاةُ شَفَاهُ اللَّهُ بِأَسْرَعِ وَقْتٍ وَإِنْ قُدِّرَ لَهُ الْمَوْتُ سَكَنَ أَلَمُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ، وَقَدْ جُرِّبَ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً فَصَحَّ.

وَآيَاتُ الشِّفَاءِ سِتٌّ الْأُولَى: {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: ١٤] الثَّانِيَةُ: {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس: ٥٧] الثَّالِثَةُ: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: ٦٩] الرَّابِعَةُ: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: ٨٢] .

الْخَامِسَةُ: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: ٨٠] .

السَّادِسَةُ: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: ٤٤] (وَ) لَا بَأْسَ أَيْضًا بِالرُّقْيَةِ (الْكَلَامِ الطَّيِّبِ) مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ حَيْثُ كَانَ عَرَبِيًّا، وَمَفْهُومَ الْمَعْنَى كَالْمُشْتَمِلِ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَوْ بَعْضِ الصَّالِحِينَ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالطِّبِّ لَا الْحَلَالُ لِعَدَمِ مُنَاسَبَةِ الْمَقَامِ، وَأَمَّا مَا لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ فَلَا تَجُوزُ الرُّقْيَةُ بِهِ، لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْأَسْمَاءِ الْعَجَمِيَّةِ قَالَ: وَمَا يُدْرِيك أَنَّهَا كُفْرٌ؟ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مَا جُهِلَ مَعْنَاهُ لَا يَجُوزُ الرُّقْيَةُ بِهِ وَلَوْ جُرِّبَ وَصَحَّ، وَكَانَ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ يَقُولُ: إنْ تَكَرَّرَ النَّفْعُ بِهِ تَجُوزُ الرُّقْيَةُ بِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَحَقُّقَ النَّفْعِ بِهِ لَا يَكُونُ كُفْرًا.

وَمِنْ ذَلِكَ مَا يُعْمَلُ لِحَلِّ الْمَرْبُوطِ وَلِتَسْكِينِ عَقْلِ الْمَصْرُوعِ وَإِخْرَاجِ الْجَانِّ أَوْ إزَالَةِ النَّزِيفِ وَلَوْ حَدِيدًا كَخَاتَمِ سُلَيْمَانَ يُكْتَبُ عَلَيْهِ بَعْضُ أَسْمَاءٍ، وَتُحْمَلُ كَرَاهَةُ مَالِكٍ عَلَى مَا لَمْ يُتَحَقَّقْ النَّفْعُ بِهِ، وَيَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَى الرُّقْيَةِ كَمَا فِي قَضِيَّةِ الرَّهْطِ الْمَشْهُورَةِ فِي بَابِ الْجُعْلِ حِينَ لُدِغَ كَبِيرُهُمْ وَرَقَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

(وَلَا بَأْسَ بِالْمَعَاذَةِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ التَّمِيمَةُ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ الْعَامَّةِ بِالْحَرَزَةِ (تُعَلَّقُ) فِي عُنُقِ الشَّخْصِ أَوْ ذِرَاعِهِ. (وَفِيهَا) بَعْضُ أَسْمَاءٍ وَشَيْءٌ مِنْ (الْقُرْآنِ) وَرُبَّمَا تُعَلَّقُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>