للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ قَطَعَك، وَجِمَاعُ آدَابِ الْخَيْرِ وَأَزِمَّتِهِ تَتَفَرَّعُ عَنْ أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ قَوْلُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تُرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيه» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلَّذِي اخْتَصَرَ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ لَا تَغْضَبُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُؤْمِنُ يُحِبُّ لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» ،

وَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَتَعَمَّدَ سَمَاعَ الْبَاطِلِ كُلِّهِ وَلَا أَنْ تَتَلَذَّذَ بِسَمَاعِ كَلَامِ امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَك وَلَا سَمَاعِ شَيْءٍ مِنْ الْمَلَاهِي وَالْغِنَاءِ وَلَا قِرَاءَةُ

ــ

[الفواكه الدواني]

مِمَّا يَطْلُبُهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَإِفَادَتِهِ عِلْمًا مَثَلًا وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْك بَلْ هُوَ أَدَلُّ عَلَى الْإِخْلَاصِ. (وَ) مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أَيْضًا أَنْ (تَصِلَ) مَوَدَّةَ (مَنْ قَطَعَك) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَرْحَامِك لِخَبَرِ: «أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي، وَأُعْطِيَ مَنْ حَرَّمَنِي، وَأَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي» .

وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: وَهَذِهِ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ تَفْسِيرُ قَوْله تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩] وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ كَالْمُصَنِّفِ فِي نَدْبِ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ، وَقَدْ يَعْرِضُ مَا يُوجِبُ الصَّفْحَ كَمَا إذَا كَانَ الْمَظْلُومُ يَتَوَقَّعُ مَفْسَدَةً مِنْ الظَّالِمِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَفْوِ وَهُوَ مُشَاهَدٌ مَعَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ أَعَاذَنَا اللَّهُ وَمَنْ نُحِبُّ مِنْ الشُّرُورِ، وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ الْعَمَلُ بِالْخِصَالِ الثَّلَاثِ السَّابِقَةِ، شَرَعَ فِي ذِكْرِ أَحَادِيثَ دَالَّةٍ عَلَى بَيَانِ مَا يَصِيرُ بِهِ الْعَاقِلُ مُتَّبِعًا لِطَرِيقَةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَمُتَخَلِّقًا بِأَخْلَاقِهِ بِحَيْثُ يَصِيرُ كَامِلَ الْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ: (وَجِمَاعُ) أَيْ جَمِيعُ (آدَابِ الْخَيْرِ) كُلُّهَا الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ. (وَأَزِمَّتِهِ) أَيْ الْخَيْرِ وَالْمُرَادُ بِآدَابِ الْخَيْرِ الْخِصَالُ الْحَمِيدَةُ، سُمِّيَتْ بِالْآدَابِ جَمْعُ أَدَبٍ لِأَنَّ بِهَا يَحْصُلُ التَّأْدِيبُ، إذْ يَحْصُلُ تَأْدِيبُ الظَّاهِرِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورَاتِ، وَتَأْدِيبُ الْبَاطِنِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْمَنْهِيَّاتِ، وَالْمُرَادُ بِأَزِمَّتِهِ جَمْعُ زِمَامٍ الطَّرِيقُ الْمُوَصِّلَةُ إلَيْهِ، وَالزِّمَامُ فِي الْأَصْلِ مَا يُقَادُ بِهِ الْبَعِيرُ، أُطْلِقَتْ هُنَا عَلَى الطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ لِلْخَيْرِ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ، لِأَنَّ كُلًّا يَقُودُ إلَى مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُقَادُ. (تَتَفَرَّعُ) خَبَرُ جِمَاعُ الْوَاقِعُ مُبْتَدَأً وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى: وَجَمْعُ خِصَالِ الْخَيْرِ وَالطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ إلَيْهِ تَنْشَأُ (عَنْ) الْعَمَلِ بِمَضْمُونِ (أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ) جَمْعُ حَدِيثٍ وَهُوَ مَا أُضِيفَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوْ صِفَةً، أَحَدُهَا: (قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُمِعَ فِيهِ الْكَسْرُ، وَالْمُرَادُ فَلْيَقُلْ خَيْرًا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ، وَلِيَصْمُتْ عَنْ شَرٍّ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ، وَمَا فِي الْمُصَنَّفِ بَعْضُ حَدِيثٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَتَمَامُهُ: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» .

(وَ) ثَانِيهَا: (قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) فِي الْمُوَطَّإِ: «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ» الْمُرَادُ الشَّخْصُ وَلَوْ أُنْثَى «تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيه» يَعْنِي مَا لَا تَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَنْفَعَةٌ لِدِينِهِ وَلَا لِدُنْيَاهُ الْمُوَصِّلَةُ لِآخِرَتِهِ وَمَا يَعْنِيه عَكْسُهُ.

(وَ) ثَالِثُهَا: (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ، وَ (السَّلَامُ) فِي الْبُخَارِيِّ (الَّذِي اخْتَصَرَ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ) «حِينَ سَأَلَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَعِشْ بِهِنَّ وَلَا تُكْثِرْ عَلَيَّ فَأَنْسَى، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَغْضَبْ» أَيْ لَا تَعْمَلْ مُوجِبَاتِ الْغَضَبِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ الْغَضَبِ جُمْلَةً لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَجْبُولٌ عَلَى الْغَضَبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ اُسْتُغْضِبَ فَلَمْ يَغْضَبُ فَهُوَ حِمَارٌ، وَمَنْ اُسْتُرْضِيَ فَلَمْ يَرْضَ فَهُوَ شَيْطَانٌ، وَوَرَدَ: «إذَا غَضِبْت وَأَنْتَ قَائِمٌ فَاقْعُدْ، وَإِذَا كُنْت قَاعِدًا فَاضْطَجِعْ أَوْ تَوَضَّأَ لِأَنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَالشَّيْطَانُ خُلِقَ مِنْ النَّارِ وَطَفْؤُهَا يَكُونُ بِالْمَاءِ» وَلَعَلَّ اقْتِصَارَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْغَضَبِ لِأَنَّ السَّائِلَ لَهُ كَانَ يُكْثِرُ الْغَضَبَ، وَمَعْنَى أَعِشْ بِهِنَّ أَسْتَعِنْ عَلَى عِيشَتِي، أَوْ الْمُرَادُ أَتَأَنَّسُ بِهِنَّ فِي حَيَاتِي.

(وَ) رَابِعُهَا: (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ «الْمُؤْمِنُ يُحِبُّ لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ: أَوْ لِجَارِهِ عَلَى الشَّكِّ.

وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا: «اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إلَى جَارِك تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِك تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلَا تُكْثِرْ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ يُمِيتُ الْقَلْبَ» . وَمَعْنَى لَا يُؤْمِنُ الْإِيمَانَ التَّامَّ وَإِلَّا فَأَصْلُ الْإِيمَانِ حَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَالْمُرَادُ يُحِبُّ لِأَخِيهِ مِنْ الطَّاعَاتِ وَالْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَةِ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ الْخَبَرِ، وَالْمُرَادُ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لِأَخِيهِ مِثْلُ مَا لَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ النَّاسِ مِنْهُ فِي الْمَرْتَبَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُحِبُّهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ النَّاسِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَسِيرِ هَذَا إلَّا عَلَى مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا يَنْبَغِي التَّخَلُّقُ بِهِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ وَعَدَمُ التَّلَبُّسِ بِهِ فَقَالَ:

[سَمَاعَ الْأَمْرِ الْبَاطِلِ]

(وَلَا يَحِلُّ لَك) أَيُّهَا الْمُكَلَّفُ (أَنْ تَتَعَمَّدَ سَمَاعَ) الْأَمْرِ (الْبَاطِلِ كُلِّهِ) كَالشَّهَادَةِ الْبَاطِلَةِ أَوْ الْغِيبَةِ أَوْ النَّمِيمَةِ أَوْ الْقَذْفِ، بَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ طَرَقَ سَمْعَهُ شَيْءٌ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْهُ بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَإِنْ قَدَرَ وَإِلَّا فَبِقَلْبِهِ وَمُفَارَقَةُ الْمَجْلِسِ إنْ اسْتَطَاعَ، وَأَمَّا لَوْ نَهَى بِلِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُشْتَهِي الِاسْتِمْرَارِ عَلَى ذَلِكَ فَحَرَامٌ كَمَا هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>