للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِدَيْنٍ فَرَضِيَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ أَفْلَسَ هَذَا إلَّا أَنْ يَغُرَّهُ مِنْهُ

وَإِنَّمَا الْحَوَالَةُ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ وَإِلَّا فَهِيَ حَمَالَةٌ

وَلَا يَغْرَمُ الْحَمِيلُ إلَّا فِي عُدْمِ الْغَرِيمِ أَوْ غَيْبَتِهِ

وَيَحِلُّ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ تَفْلِيسِهِ كُلُّ دَيْنٍ عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ مَا كَانَ لَهُ

ــ

[الفواكه الدواني]

لَمْ يَجِدْهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فَذَلِكَ لَهُ» قَالَ خَلِيلٌ: وَلَهُ رَدُّ بَعْضِ ثَمَنٍ قُبِضَ وَأَخَذَهَا وَأَخْذُ بَعْضِهِ وَحَاصَّ بِالْفَائِتِ

[بَعْضَ مَسَائِلَ مِنْ بَابِ الضَّمَانِ]

وَكَانَ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُؤَخِّرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَوْ يُقَدِّمَ مَا أَخَّرَهُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مَسَائِلَ مِنْ بَابِ الْفَلَسِ وَوَسَّطَ بَيْنَهَا بَعْضَ مَسَائِلَ مِنْ بَابِ الضَّمَانِ بِقَوْلِهِ: (وَالضَّامِنُ غَارِمٌ) حَيْثُ ضَمِنَ ضَمَانَ مَالٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ الضَّامِنَ مُشْتَقٌّ مِنْ الضَّمَانِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الِالْتِزَامُ، وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَيَتَنَوَّعُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: ضَمَانُ مَالٍ، وَضَمَانُ وَجْهٍ، وَضَمَانُ طَلَبٍ، فَضَمَانُ الْمَالِ الْتِزَامُ دَيْنٍ لَا يُسْقِطُهُ عَمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَضَمَانُ الْوَجْهِ عِبَارَةٌ عَنْ إحْضَارِ الْغَرِيمِ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا يَبْرَأُ فِيهِ الضَّامِنُ بِتَسْلِيمِ الْمَضْمُونِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَبَرِيءَ بِتَسْلِيمِهِ لَهُ وَإِنْ بِسَجْنٍ أَوْ بِتَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ إنْ أَمَرَهُ بِهِ إنْ حَلَّ الْحَقُّ وَضَمَانُ الطَّلَبِ عِبَارَةٌ عَنْ التَّفْتِيشِ عَلَى الْغَرِيمِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ، ثُمَّ يُخْبِرُ صَاحِبَ الدَّيْنِ بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ إلَّا إنْ قَصَّرَ أَوْ فَرَّطَ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَغَرِمَ إنْ فَرَّطَ أَوْ هَرَبَ بِهِ وَعُوقِبَ، وَشَرْطُ الضَّامِنِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِمَا يَضْمَنُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَةُ وَالْمَرِيضُ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْمِنْحَةُ الشَّاةُ الْمُسْتَعَارَةُ لِيَنْتَفِعَ بِلَبَنِهَا، وَقَوْلُهُ: الدَّيْنُ مَقْضِيٌّ أَيْ يَجِبُ قَضَاؤُهُ، وَالزَّعِيمُ الْكَفِيلُ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ حَكَاهُ شُيُوخٌ عِدَّةٌ.

(تَنْبِيهٌ) لَا يَغْرَمُ ضَامِنُ الْمَالِ إلَّا إذَا غَابَ الْغَرِيمُ أَوْ أَفْلَسَ لَا إنْ حَضَرَ مُوسِرًا كَمَا يَأْتِي، إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمِنَ فِي الْحَالَاتِ السِّتِّ أَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْغُرْمَ وَلَوْ مَعَ حُضُورِ الْغَرِيمِ مَلِيًّا.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى ضَامِنِ الْمَالِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى ضَامِنِ الْوَجْهِ بِقَوْلِهِ: (وَحَمِيلُ الْوَجْهِ) وَمِثْلُهُ الْعَيْنُ أَوْ الْأُذُنُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إحْضَارِ ذَاتِ الْمَدِينِ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَالْوَجْهُ عِبَارَةٌ عَنْ الذَّاتِ (إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ) أَيْ بِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ (غَرِمَ) جَمِيعَ الْحَقِّ (حَتَّى يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَغْرَمَ) قَالَ خَلِيلٌ: وَبَرِيءَ بِتَسْلِيمِهِ لَهُ وَإِنْ بِسَجْنٍ أَوْ بِتَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ إنْ أَمَرَهُ بِهِ إنْ حَلَّ الْحَقُّ وَلَوْ عَدِيمًا، وَإِلَّا أُغْرِمَ بَعْدَ خَفِيفِ تَلَوُّمٍ إنْ قَرُبَتْ غَيْبَةُ غَرِيمِهِ كَالْيَوْمِ، وَلَا يَسْقُطُ بِإِحْضَارِهِ لِمَنْ حَكَمَ بِهِ لَا إنْ ثَبَتَ عَدَمُهُ أَوْ مَوْتُهُ فِي غَيْبَتِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ بَلَدِهِ وَرَجَعَ بِهِ.

وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ مَسَائِلِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ وَسَطُ الْحَوَالَةِ بَيْنَ مَسَائِلِهِ، وَحَقِيقَةُ الْحَوَالَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ تَبْرَأُ بِهَا الْأُولَى، وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: هِيَ طَرْحُ الدَّيْنِ عَنْ ذِمَّةٍ بِمِثْلِهِ فِي أُخْرَى، وَالْأَصْلُ فِيهَا الْإِبَاحَةُ وَقِيلَ النَّدْبُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: ٧٧] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عِيَاضٌ فَلْيَتْبَعْ بِسُكُونِ التَّاءِ وَرُوِيَ بِتَشْدِيدِهَا، وَمَعْنَى أُتْبِعَ أُحِيلَ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ أُحِيلَ بِدَيْنٍ) ثَابِتٍ لَهُ عَلَى شَخْصٍ (فَرَضِيَ) ذَلِكَ الْمُحَالُ بِالْحَوَالَةِ (فَلَا رُجُوعَ لَهُ) أَيْ لِلْمُحَالِ (عَلَى الْأَوَّلِ) الَّذِي هُوَ الْمُحِيلُ (وَإِنْ أَفْلَسَ هَذَا) الْمُحَالُ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَغُرَّهُ مِنْهُ) أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُحِيلُ عَالِمًا بِإِفْلَاسِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَيَتَحَوَّلُ حَقُّ الْمُحَالِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَإِنْ أَفْلَسَ أَوْ جَحَدَ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُحِيلُ بِإِفْلَاسِهِ فَقَطْ وَحَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ إنْ ظَنَّ بِهِ الْعِلْمَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْغُرُورِ وَعَدَمُ الْعِلْمِ

[شُرُوط الْحَوَالَةِ]

وَلَا بُدَّ لِلْحَوَالَةِ مِنْ شُرُوطٍ أَشَارَ إلَى بَعْضِهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا الْحَوَالَةُ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ وَإِلَّا فَهِيَ حَمَالَةٌ) وَالْمَعْنَى: أَنَّ شَرْطَ الْحَوَالَةِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحِيلِ دَيْنٌ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَيْنٌ فَإِنَّهَا تَكُونُ حَمَالَةٌ أَيْ كَفَالَةٌ وَضَمَانًا وَلَوْ وَقَعَتْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تَبْرَأُ بِهَا ذِمَّةُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، بِخِلَافِ الْحَمَالَةِ؛ لِأَنَّ الضَّامِنَ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى بَعْدَ إثْبَاتِهِ الدَّفْعَ، وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى شُرُوطِهَا بِقَوْلِهِ: شَرْطُ الْحَوَالَةِ رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ فَقَطْ، وَثُبُوتُ دَيْنٍ لَازِمٍ لَا رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُحَالِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ عَدَاوَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَازِمًا، فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَى مَا تَدَايَنَهُ نَحْوِ الْعَبْدِ وَالسَّفِيهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَصَرْفِهِ فِيمَا لَهُ عَنْهُ غِنًى، وَمِنْ شُرُوطِهَا حُلُولُ الْمُحَالِ بِهِ فَقَطْ، وَإِقْرَارُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ مَعَ حُضُورِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ رِضَاهُ لِاحْتِمَالِ إبْدَائِهِ مَطْعَنًا فِي الْبَيِّنَةِ أَوْ إثْبَاتِهِ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَقِيَّةِ الْكَلَامِ عَلَى الضَّمَانِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَغْرَمُ الْحَمِيلُ) مَا ضَمِنَهُ مِنْ الْمَالِ (إلَّا فِي عُدْمِ الْغَرِيمِ أَوْ غَيْبَتِهِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا يُطَالَبُ إنْ حَضَرَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا أَوْ لَمْ يَبْعُدْ إثْبَاتُهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ صَاحِبُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ الْغُرْمَ مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>