للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الفواكه الدواني]

الْمُخَيَّرَةِ حَيْثُ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا ذَكَرَ الْمَدْخُولَ بِهَا بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ الْمُخَيَّرَةُ) تَخْيِيرًا مُطْلَقًا بَعْدَ الدُّخُولِ (لَا نُكْرَةَ لَهُ فِيهَا) عِنْدَ إيقَاعِهَا الثَّلَاثَ لِبُطْلَانِ مَا بِيَدِهَا إنْ قَضَتْ بِأَقَلَّ مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا نُكْرَةَ لَهُ إنْ دَخَلَ فِي تَخْيِيرٍ مُطْلَقٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُمَلَّكَةِ يُنَاكِرُهَا وَلَوْ مَدْخُولًا بِهَا، وَالْمُخَيَّرَةِ لَا يُنَاكِرُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا دَلَالَةُ اخْتَارِي نَفْسَك عَلَى قَطْعِ الْعِصْمَةِ، وَلَا تَنْقَطِعُ بَعْدَ الدُّخُولِ إلَّا بِالثَّلَاثِ بِخِلَافِ مَلَّكْتُك أَمْرَك.

(تَتِمَّاتٌ) الْأُولَى: لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ التَّخْيِيرِ، وَفِيهِ خِلَافٌ بِالْإِبَاحَةِ وَعَدَمِهَا، وَأَمَّا التَّمْلِيكُ فَمُبَاحٌ اتِّفَاقًا، إلَّا إنْ قُيِّدَ بِالثَّلَاثِ فَيَنْبَغِي جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ، وَأَمَّا التَّوْكِيلُ فَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ كَرَاهَتَهُ إنْ قُيِّدَ بِالثَّلَاثِ وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِهِ عِنْدَ عَدَمِ التَّقْيِيدِ، وَلَعَلَّ حُكْمَهُ الْجَوَازُ كَجَوَازِ التَّوْكِيلِ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَرُبَّمَا يُفْهِمُ خِفَّةُ أَمْرِهِ عَنْ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ بِجَوَازِ عَزْلِهَا فِيهِ دُونَ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ.

قَالَ خَلِيلٌ: إنْ فَوَّضَ لَهَا تَوْكِيلًا فَلَهُ الْعَزْلُ إلَّا لِتَعَلُّقِ حَقٍّ لَا تَخْيِيرًا أَوْ تَمْلِيكًا.

الثَّانِيَةُ: لَمْ يَنُصَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى اشْتِرَاطِ بُلُوغِ الزَّوْجِ فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ لِعِلْمِهِ مِمَّا سَبَقَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ طَلَاقِ الصَّبِيِّ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَخْيِيرُهَا وَتَمْلِيكُهَا، وَيَصِحُّ مَا قَضَتْ بِهِ حَيْثُ كَانَتْ مُمَيِّزَةً مُطْلَقًا، وَقِيلَ إنْ أَطَاقَتْ الْوَطْءَ، وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ الْأَجْنَبِيُّ، يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُفَوِّضَ لَهُ أَمْرَ الزَّوْجَةِ تَخْيِيرًا أَوْ تَمْلِيكًا أَوْ تَوْكِيلًا، وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً، وَلَكِنْ لَا يَفْعَلُ إلَّا مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، وَيَصِيرُ بِمَنْزِلَتِهَا فِي سَائِرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مُنَاكَرَةٍ وَعَدَمِهَا، لَكِنْ يُشْتَرَطُ حُضُورُهَا، وَقُرْبُ غَيْبَتِهِ كَالْيَوْمَيْنِ لَا أَكْثَرَ فَيَصِيرُ لَهَا مَا جَعَلَهُ لِلْبَعِيدِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَهُ التَّفْوِيضُ لِغَيْرِهَا وَلَهُ النَّظَرُ وَصَارَ كَهِيَ إنْ حَضَرَ أَوْ كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً كَيَوْمَيْنِ لَا أَكْثَرَ فَيَنْتَقِلُ لَهَا النَّظَرُ، إلَّا أَنْ تُمَكِّنَ مِنْ نَفْسِهَا فَيَسْقُطُ مَا كَانَ بِيَدِهَا، أَوْ مَا كَانَ بِيَدِ الْغَيْرِ إذَا عَلِمَ بِتَمْكِينِهَا وَرَضِيَ بِذَلِكَ، وَكَذَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمَجْعُولِ لَهُ أَمْرُهَا إذَا كَانَ حَاضِرًا أَوْ غَابَ وَلَمْ يَشْهَدْ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حَقِّهِ، فَإِنْ أَشْهَدَ فَفِي بَقَائِهِ بِيَدِهِ أَوْ يَنْتَقِلُ لِلزَّوْجَةِ قَوْلَانِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ مَلَّكَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ لِرَجُلَيْنِ وَأَمَرَهُمَا بِطَلَاقِهَا، فَإِنْ قَالَ لَهُمَا: طَلِّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ الِاسْتِقْلَالُ بِطَلَاقِهَا إلَّا أَنْ يَجْعَلَ لَهُ ذَلِكَ كَالْوَكِيلَيْنِ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهُمَا: طَلِّقَاهَا وَلَمْ يَقُلْ إنْ شِئْتُمَا لَكَانَ لِكُلٍّ الِاسْتِقْلَالُ بِطَلَاقِهَا، وَأَمَّا لَوْ فَوَّضَ لَهُمَا فِي إعْلَامِهَا بِطَلَاقِهَا فَإِنَّهُ يَكْفِي أَحَدُهُمَا فِي إخْبَارِهَا وَتَعْتَمِدُ عَلَى إخْبَارِهِ وَتَعْتَدُّ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لَهُمَا: أَعْلِمَاهَا بِأَنِّي طَلَّقْتهَا أَوْ بِطَلَاقِهَا.

هَذَا تَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَبَحْثُ الْأُجْهُورِيُّ.

[الْإِيلَاء]

وَلَمَّا قِيلَ: إنَّ الْإِيلَاءَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَتَسَبَّبُ عَنْهُ الطَّلَاقُ فِي الْإِسْلَامِ، ذَكَرَ غَالِبَ مَسَائِلِهِ عَقِبَ الطَّلَاقِ وَحَقِيقَتُهُ لُغَةً مُطْلَقُ الِامْتِنَاعِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِيمَا كَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ بِيَمِينٍ وَشَرْعًا حَلِفُ زَوْجٍ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ يُوجِبُ خِيَارَهَا فِي طَلَاقِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: ٢٢٦] الْآيَةَ فَقَالَ: (وَكُلُّ حَالِفٍ) مِنْ زَوْجٍ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْجِمَاعُ وَلَوْ سَكْرَانَ سُكْرًا حَرَامًا أَوْ أَخْرَسَ إذَا فُهِمَ مِنْهُ بِإِشَارَةٍ وَنَحْوِهَا كَكِتَابَةٍ وَالْأَعْجَمِيِّ بِلِسَانِهِ وَلَا يَنْعَقِدُ مِنْ كَافِرٍ لِآيَةِ: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢٢٦] سَوَاءٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ لِأَنَّهَا الَّتِي يَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ، أَوْ بِمَا فِيهِ الْتِزَامٌ مِنْ عِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

(عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ) لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ أَوْ عَلَى مَا يَسْتَلْزِمُ تَرْكُهُ، كَحَلِفِهِ أَنَّهُ لَا يَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ لَا يَلْتَقِي مَعَهَا وَمَفْعُولُ تَرْكِ (أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) لِلْحُرِّ وَأَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ لِلْعَبْدِ.

قَالَ خَلِيلٌ: الْإِيلَاءُ يَمِينُ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ يُتَصَوَّرُ وِقَاعُهُ، وَإِنْ مَرِيضًا يَمْنَعُ وَطْءَ زَوْجَتِهِ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ لِلْعَبْدِ، وَظَاهِرُهُ كَالْمُصَنِّفِ وَلَوْ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ.

(فَهُوَ مُولٍ) الْجُمْلَةُ خَبَرُ " كُلُّ " الْوَاقِعُ مُبْتَدَأً وَقَرَنَهُ بِالْفَاءِ لِمَا فِي الْمُبْتَدَأِ مِنْ الْعُمُومِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالشَّرْطِ، وَقَوْلُنَا مِنْ زَوْجٍ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ إنَّمَا هُوَ حَلِفُ الزَّوْجِ، وَأَمَّا حَلِفُ السَّيِّدِ عَلَى وَطْءِ أَمَتِهِ فَلَا يُعَدُّ إيلَاءً لِآيَةِ: {يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: ٢٢٦] وَقَوْلُنَا مُسْلِمٌ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْكَافِرِ فَلَا يَنْعَقِدُ مِنْهُ إيلَاءٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢٢٦] فَإِنَّ الْغُفْرَانَ إنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِ لِآيَةِ: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: ٤٨] وَقَوْلُنَا مُكَلَّفٌ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْخَصِيِّ الْمَجْبُوبِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي فَلَا يَصِحُّ مِنْهُمْ إيلَاءٌ، وَقَوْلُنَا لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ الْمُرْضِعِ مُدَّةَ رَضَاعِهَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا، إلَّا إذَا قَصَدَ بِتَرْكِ الْوَطْءِ إضْرَارَهَا، لَا إنْ قَصَدَ إصْلَاحَ الْوَلَدِ، أَوْ لَا قَصْدَ لَهُ لِحَمْلِهِ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ، لِمَا أَنَّ وَطْءَ الْمُرْضِعِ يُؤْذِي الْوَلَدَ غَالِبًا، وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ اشْتِرَاطُ إطَاقَةِ الزَّوْجَةِ، لَا إنْ لَمْ تُطِقْهُ لِصِغَرٍ أَوْ رَتَقٍ أَوْ شِدَّةِ مَرَضٍ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ إيلَاءٌ بِحَلِفِهِ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهِ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَكْثَرُ يَقْتَضِي أَنَّ مُطْلَقَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ يَقَعُ بِهِ الْإِيلَاءُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَا، كَمَا أَنَّ مُطْلَقَ الزِّيَادَةِ عَلَى الشَّهْرَيْنِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ يَكْفِي، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَجَلِ الْحُرِّ اعْتِمَادًا

<<  <  ج: ص:  >  >>