للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَحْمِلُ مِنْ جِرَاحِ الْخَطَإِ مَا كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَكْثَرَ وَمَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فَفِي مَالِ الْجَانِي.

وَأَمَّا الْمَأْمُومَةُ وَالْجَائِفَةُ عَمْدًا فَقَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَالَ أَيْضًا إنَّ ذَلِكَ فِي مَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدِيمًا فَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُمَا لَا يُقَادُ مِنْ عَمْدِهِمَا وَكَذَلِكَ مَا بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ مِمَّا لَا يُقَادُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ.

وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً.

وَتُعَاقِلُ

ــ

[الفواكه الدواني]

الْهَاشِمَةُ كَمَا قَدَّمْنَا.

(وَ) مِثْلُ كَسْرِ (الْفَخِذِ وَ) رَضِّ (الْأُنْثَيَيْنِ) بِخِلَافِ قَطْعِهِمَا فَإِنَّ فِي عَمْدِهِ الْقِصَاصُ، لِأَنَّ الْإِمَامَ قَالَ: أَخَافُ فِي رَضِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَنْ يَتْلَفَ.

(وَ) مِثْلُ كَسْرِ (الصُّلْبِ) أَيْ الظَّهْرِ.

(وَنَحْوِهِ) مِنْ كُلِّ مَا يَعْظُمُ فِيهِ الْخَطَرُ أَيْ الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ كَكَسْرِ عَظْمِ الصَّدْرِ أَوْ الْعُنُقِ.

(فَفِي) عَمْدِ (كُلِّ ذَلِكَ الدِّيَةُ) وَهِيَ كُلُّ مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ مَعَ الْأَدَبِ، وَالْمُرَادُ الدِّيَةُ فِي كُلِّ جِنَايَةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ كَامِلَةً كَدِيَةِ رَضِّ الْأُنْثَيَيْنِ، أَوْ نَاقِصَةً كَدِيَةِ الْآمَّةِ وَالْجَائِفَةِ، فَالْمُرَادُ بِالدِّيَةِ الْمَالُ الْمُؤَدَّى حَيْثُ كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ مَا نَقَصَ عَنْ الثُّلُثِ.

[تَحْمِل الْعَاقِلَة شَيْئًا مِنْ الدِّيَة مَعَ الْجَانِي]

وَلَمَّا كَانَتْ عَاقِلَةُ الْجَانِي أَيْ عَصَبَتُهُ لَا تُشَارِكُهُ فِي حَمْلِ الدِّيَةِ إلَّا بِشُرُوطٍ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ) شَيْئًا مِنْ الدِّيَةِ مَعَ الْجَانِي فِي (قَتْلِ عَمْدٍ) سَقَطَ فِيهِ الْقِصَاصُ بِعَفْوٍ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْقِطَاتِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ حَالَةً فِي مَالِ الْجَانِي.

(وَلَا) تَحْمِلُ (اعْتِرَافًا بِهِ) أَيْ لَا تَحْمِلُ مَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ إنَّمَا يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ يُطْلَبُ مِنْ الْمُقِرِّ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ، أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الِاعْتِرَافَ، وَلَوْ كَانَ الِاعْتِرَافُ مِنْ عَدْلٍ ثِقَةٍ لَا يُتَّهَمُ فِي إغْنَاءِ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَغْرَمُهَا الْجَانِي مِنْ مَالِهِ وَلَوْ أَقْسَمَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، كَمَا أَصْلَحَ سَحْنُونٌ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ فَصَّلَ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهَا تُنَجَّمُ عَلَى الْجَانِي كَمَا تُنَجَّمُ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَ الثُّبُوتِ بِغَيْرِ الِاعْتِرَافِ وَحَرَّرَ الْحُكْمَ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَقَلِّ مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ بِقَوْلِهِ: (وَتَحْمِلُ) الْعَاقِلَةُ (مِنْ جِرَاحِ الْخَطَإِ مَا كَانَ) وَاجِبُهُ (قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَكْثَرَ) مِنْ دِيَةِ الْجَانِي أَوْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: إنْ بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ أَوْ الْجَانِيَ، وَفَاعِلُ بَلَغَ الْوَاجِبُ لِمَنْ اعْتَبَرَ دِيَةَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْجَانِي امْرَأَةً عَلَى رَجُلٍ فَقَطَعَتْ لَهُ أُصْبُعَيْنِ فَعَقْلُهُمَا عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَأَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ، فَعَلَى الْمَشْهُورِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَعَلَى مُقَابِلِهِ لَا تَحْمِلُهُ.

(وَمَا كَانَ) مِنْ الْجِرَاحِ (دُونَ الثُّلُثِ) أَيْ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ كُلٍّ مِنْ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ.

(فَفِي مَالِ الْجَانِي) قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَنُجِّمَتْ دِيَةُ الْحُرِّ الْخَطَإِ بِلَا اعْتِرَافٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْجَانِي إنْ بَلَغَ أَيْ الْوَاجِبُ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ الْجَانِي وَمَا لَمْ يَبْلُغْ فَحَالٌّ عَلَيْهِ كَعَمْدٍ وَدِيَةٍ غَلُظَتْ وَسَاقِطٍ لِعَدَمِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ حَمْلِهَا مَا نَقَصَ عَنْ الثُّلُثِ قَالَ بِهِ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَحْمِلُ الْقَلِيلَ كَالْكَثِيرِ، وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَلَمَّا جَرَى خِلَافٌ فِي حَمْلِهَا دِيَةَ مَا لَا قِصَاصَ فِيهِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْمَتَالِفِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَأَمَّا الْمَأْمُومَةُ وَالْجَائِفَةُ) وَمِثْلُهُمَا الدَّامِغَةُ وَكَسْرُ عَظْمِ الصَّدْرِ وَالْعُنُقِ وَالْفَخْذِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى جَمِيعِ مَا ذُكِرَ (عَمْدًا فَقَالَ مَالِكٌ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (ذَلِكَ) أَيْ الْوَاجِبُ فِيهَا مُوَزَّعٌ (عَلَى عَاقِلَتِهِ) مَعَهُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْعَمْدِ الَّذِي لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ إلَّا مَا لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ مِنْ الْجِرَاحِ لِإِتْلَافِهِ فَعَلَيْهَا، وَدَخَلَ فِيهِ كُلُّ مَا لَا قِصَاصَ فِيهِ لِعِظَمِ خَطَرِهِ حَيْثُ كَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ قَدْرُ ثُلُثِ الدِّيَةِ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مَعْلُومٌ عَنْ الشَّارِعِ أَمْ لَا، لِتَدْخُلَ الْحُكُومَةُ إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهَا.

(وَقَالَ) أَيْ الْإِمَامُ مَالِكٌ (أَيْضًا) قَوْلًا مُقَابِلًا الْمُعْتَمَدَ الْمُتَقَدِّمَ (إنَّ) وَاجِبَ (ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الْمَأْمُومَةِ وَمَا مَعَهَا (فِي مَالِهِ) أَيْ الْجَانِي وَحْدَهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدِيمًا) لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَهَا (فَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ) ثُمَّ عَلَّلَ حَمْلَ الْعَاقِلَةِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّهُمَا لَا يُقَادُ مِنْ عَمْدِهِمَا) وَلِلْإِمَامِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ كَوْنُهَا عَلَى الْجَانِي مُطْلَقًا لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ فِي عَمْدِ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ أَرْجَحُهَا أَوَّلُهَا، لِأَنَّهُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ وَهِيَ كَوْنُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ مُطْلَقًا.

ثَانِيهِمَا: فِي مَالِ الْجَانِي الْمَلِيءِ.

ثَالِثُهَا: عَلَى الْجَانِي مُطْلَقًا.

وَلَمَّا خَصَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ بِالْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَكَانَ غَيْرُهُمَا مِمَّا هُوَ مِنْ الْمَتَالِفِ كَذَلِكَ قَالَ: (وَكَذَلِكَ مَا بَلَغَ) وَاجِبُهُ (ثُلُثَ الدِّيَةِ) كَالدَّامِغَةِ أَوْ غَيْرِهَا (مِمَّا لَا يُقَادُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ) .

وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَرْطِ حَمْلِ الْعَاقِلَةِ أَنْ لَا يَكُونَ الْجَانِي جَنَى عَلَى نَفْسِهِ قَالَ: (وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ) دِيَةَ (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً) بَلْ يَكُونُ دَمُهُ هَدَرًا فِي الْعَمْدِ اتِّفَاقًا، وَفِي الْخَطَإِ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ عَنْ الْجَانِي إلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: حُرِّيَّةُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَكَوْنُ الْجِنَايَةِ خَطَأً أَوْ فِي حُكْمِ الْخَطَإِ، وَثُبُوتُ الْجِنَايَةِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَسَامَةٍ لَا بِاعْتِرَافٍ، وَبُلُوغُ الْوَاجِبِ ثُلُثَ دِيَةِ الْجَانِي أَوْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ الْجِنَايَةُ مِنْ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا صُلْحًا وَلَا مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ» .

وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ: «وَلَا مَا دُونَ الثُّلُثِ» وَهِيَ الصَّوَابُ لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ.

وَلِمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>