. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الفواكه الدواني]
أَوْ عَلَى بِنَاءِ حَائِطٍ أَوْ عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ أَوْ نَسْجِهِ فَغَرِقَتْ الدَّارُ ذَاتُ الْحَائِطِ وَحُرِقَ الثَّوْبُ وَلَا شَيْءَ لِلْمُسْتَأْجِرِ سِوَى مَا ذُكِرَ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ فِي هَذِهِ الْمُلْحَقَاتِ، وَقَيَّدْنَا انْهِدَامَ الدَّارِ بِكُلِّهَا أَوْ جُلِّهَا لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ كَانَ الْمُنْهَدِمُ مِنْهَا شَيْئًا خَفِيفًا بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالسَّاكِنِ كَهَدْمِ شُرَّافَةٍ فَإِنَّهُ كَالْعَدَمِ، وَأَمَّا لَوْ انْهَدَمَ مِنْهَا مَا يَحْصُلُ بِهَدْمِهِ الضَّرَرُ عَلَى السَّاكِنِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ فَسْخِ الْكِرَاءِ عَنْ نَفْسِهِ وَيَدْفَعُ مِنْ الْكِرَاءِ بِحَسَبِ مَا سَكَنَ، وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَمِرَّ سَاكِنًا وَيَدْفَعَ جَمِيعَ الْكِرَاءِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَمَّا النَّقْصُ مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ وَلَا يَضُرُّ بِالسَّاكِنِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ لِلْمُكْتَرِي وَيَلْزَمُهُ السُّكْنَى وَيُحَطُّ عَنْهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِحَسَبِ النَّقْصِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَادِثَ فِي الدَّارِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَقَدْ بَيَّنَّا أَحْكَامَهَا.
(تَنْبِيهٌ) . لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ مَا لَوْ طَلَبَ الْمُكْتَرِي مِنْ صَاحِبِ الدَّارِ أَنْ يُصْلِحَهَا لَهُ بَعْدَ حُصُولِ انْهِدَامِهَا، وَالْحُكْمُ عَدَمُ الْجَبْرِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلَمْ يُجْبَرْ مُؤَجِّرٌ عَلَى إصْلَاحٍ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ الِانْهِدَامُ يَضُرُّ بِالسَّاكِنِ وَخِيَرَتُهُ تَنْفِي ضَرَرَهُ، فَإِنْ أَصْلَحَهَا الْمُكْتَرِي مِنْ عِنْدِهِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى التَّبَرُّعِ وَلَهُ قِيمَةُ بِنَائِهِ مَنْقُوضًا أَوْ يَأْمُرُهُ بِأَخْذِ أَنْقَاضِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ وَقْفًا فَيَلْزَمُ الْمُكْرِيَ الْإِصْلَاحُ لِحَقِّ الْوَقْفِ، وَإِنْ أَصْلَحَهَا الْمُكْتَرِي مِنْ مَالِهِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ بِنَائِهِ قَائِمًا، وَلَوْ أَصْلَحَ غَيْرَ مُسْتَنِدٍ لِإِذْنٍ مِنْ النَّاظِرِ حَيْثُ أَصْلَحَ مَا يَحْتَاجُ لِلْإِصْلَاحِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَنْهُ بِوَاجِبٍ، وَيَنْبَغِي أَخْذُ النَّفَقَةِ مِنْ فَائِضِ الْوَقْفِ، وَإِلَّا فَمِنْ غَلَّتِهِ الْمُسْتَقْبَلَةِ.
[الْإِجَارَةُ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ]
وَلَمَّا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ مُخْتَارَ إمَامِهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ بِتَعْلِيمِ الْمُعَلِّمِ الْقُرْآنَ) بِأُجْرَةٍ (عَلَى الْحُذَّاقِ) أَيْ عَلَى الْحِفْظِ لِلْقُرْآنِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحُذَّاقِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحِفْظِ غَيْبًا أَوْ مَعْرِفَةِ قِرَاءَتِهِ بِالْحَاضِرِ، كَمَا يَقَعُ لِلْأَعَاجِمِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ فِي الْمُصْحَفِ.
قَالَ خَلِيلٌ: عَلَى تَعْلِيمِ قُرْآنٍ مُشَاهِرَةً أَوْ عَلَى الْحُذَّاقِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» ، وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا كَرِهَ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ وَالْكِتَابَةَ بِأُجْرَةٍ، وَاحْتَرَزَ بِالْقُرْآنِ عَنْ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ كَالنَّحْوِ وَالْأُصُولِ وَالْفَرَائِضِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى تَعْلِيمِ مَا ذُكِرَ مَكْرُوهَةٌ. وَفَرَّقَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ بَيْنَ جَوَازِهَا عَلَى الْقُرْآنِ وَكَرَاهَتِهَا عَلَى تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، بِأَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا عَدَاهُ مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ بِالِاجْتِهَادِ فَإِنَّ فِيهِ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ، وَأَيْضًا تَعْلِيمُ الْفِقْهِ بِأُجْرَةٍ لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِخِلَافِ الْقُرْآنِ، وَأَيْضًا أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِهِ يُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ طَالِبِهِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: كَمَا يَسْتَحِقُّ الْمُعَلِّمُ الْأُجْرَةَ الْمُسَمَّاةَ لَهُ يَسْتَحِقُّ الْحَذَاقَةَ، وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِالْإِصْرَافَةِ إنْ اُشْتُرِطَتْ أَوْ جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ، وَيُقْضَى لِلْمُعَلِّمِ بِهَا عَلَى الْأَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اُشْتُرِطَ عَدَمُهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَأَخَذَهَا، وَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ، كَمَا قَالَ شُرَّاحُهُ: الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْحَذَاقَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْإِصْرَافَةِ وَلَا حَدَّ فِيهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالرُّجُوعُ فِيهَا إلَى حَالِ الْأَبِ مِنْ يُسْرٍ وَعُسْرٍ، وَيُنْظَرُ فِيهَا أَيْضًا إلَى حَالِ الصَّبِيِّ، فَإِنْ كَانَ حَافِظًا كَثُرَتْ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَمَحَلُّهَا مِنْ السُّوَرِ مَا تَقَرَّرَ بِهِ الْعُرْفُ نَحْوُ: " وَالضُّحَى " وَ " سَبِّحْ " وَ " عَمَّ " وَ " تَبَارَكَ " فَإِنْ أَخْرَجَ الْأَبُ وَلَدَهُ مِنْ عِنْدِ الْمُعَلِّمِ قَبْلَ وُصُولِهَا، فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي إلَيْهَا يَسِيرًا لَزِمَتْ الْأَبَ، وَإِلَّا لَمْ تَلْزَمْ إلَّا بِشَرْطٍ فَيَلْزَمُ مِنْهَا بِحَسَبِ مَا مَضَى، وَلَا يُقْضَى بِهَا فِي مِثْلِ الْأَعْيَادِ، وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ، وَإِذَا مَاتَ الْأَبُ أَوْ الْوَلَدُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا سَقَطَتْ، كَمَا تَسْقُطُ إذَا مَاتَ الْمُعَلِّمُ وَلَا طَلَبَ لِوَرَثَتِهِ بِشَيْءٍ.
الثَّانِي: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنْ لَا بَأْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْمُرَادُ بِهِ الْجَوَازُ بِمَعْنَى إلَّا إذَا، فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الْإِجَارَةِ عَلَى التَّعْلِيمِ الْمَذْكُورِ، إمَّا لِنَفْسِهِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ، أَوْ لِتَعْلِيمِ الصَّبِيِّ الَّذِي فِي كَنَفِهِ مِنْ وَلَدِهِ أَوْ خَادِمِهِ، وَمِثْلُهُمَا لِزَوْجِهِ، لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُعَلِّمَ نَحْوَ الصَّبِيِّ مَا يَعْتَقِدُهُ فِي اللَّهِ وَفِي الرَّسُولِ، وَكَذَا سَائِرُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَكَذَا مَعْرِفَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِصَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ وَطَهَارَتِهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا يُصَلِّي بِهِ مِنْ فَاتِحَةٍ، وَيُسَنُّ تَعْلِيمُهُ مَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَمَنْدُوبٌ، وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ مَا يَشْمَلُ الْقَاضِيَ، فَإِنَّهُ كَالْأَبِ عِنْدَ فَقْدِهِ وَفَقْدِ الْوَصِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ.
الثَّالِثُ: كَمَا يُقْضَى لِلْمُعَلِّمِ بِالْإِصْرَافَةِ زِيَادَةً عَلَى الْأُجْرَةِ، يُطْلَبُ مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى التَّعْلِيمِ لِلْقُرْآنِ تَعْلِيمُهُ الْأَدَبَ وَلَوْ بِالضَّرْبِ عَلَى مَا يَحْصُلُ مِنْهُ مِنْ نَحْوِ سَبٍّ وَكَذِبٍ وَسَرِقَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْرُمُ فِعْلُهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ، كَمَا يَضْرِبُهُ عَلَى الْهُرُوبِ مِنْ الْمَكْتَبِ، وَيَرْجِعُ فِي الضَّرْبِ وَالتَّأْدِيبِ إلَى اجْتِهَادِ الْمُعَلِّمِ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُتَعَلِّمِينَ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ، وَيُطْلَبُ مِنْهُ أَيْضًا أَنْ يَلِيَ تَعْلِيمَهُمْ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفَوِّضَ تَعْلِيمَ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَجُرُّ إلَى الْفَسَادِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمْ فِي مَحَلِّ التَّعْلِيمِ وَفِي التَّعْلِيمِ وَفِي صِفَةِ جُلُوسِهِمْ عِنْدَهُ، وَلَا يَجُوزُ