للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّبِيبِ عَلَى الْبُرْءِ.

وَلَا يُنْتَقَضُ الْكِرَاءُ بِمَوْتِ الرَّاكِبِ أَوْ السَّاكِنِ.

وَلَا بِمَوْتِ غَنَمِ الرِّعَايَةِ وَلْيَأْتِ بِمِثْلِهَا

، وَمَنْ اكْتَرَى

ــ

[الفواكه الدواني]

لَهُ تَفْضِيلُ بَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُ هَدِيَّتِهِمْ أَوْ يَسْتَخْدِمُهُمْ أَوْ يُرْسِلُهُمْ إلَى نَحْوِ جِنَازَةٍ أَوْ مَوْلُودٍ لِيَقُولُوا شَيْئًا وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ مَا يُدْفَعُ لَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ جُرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ وَإِمَامَتِهِ. إلَّا مَا فَضَلَ مِنْ غِذَائِهِمْ مِمَّا تَسْمَحُ بِهِ النُّفُوسُ غَالِبًا، وَإِلَّا مَا كَانَ مِنْ الْخِدْمَةِ مُعْتَادًا، وَخَفَّ بِحَيْثُ لَا يَشْغَلُ الْوَلَدَ فَيَجُوزُ، كَمَا يَجُوزُ تَرْكُ تَعْلِيمِهِمْ فِي نَحْوِ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ لِئَلَّا تَسْأَمَ أَنْفُسُهُمْ بِدَوَامِ التَّعْلِيمِ.

وَلَمَّا كَانَتْ مُشَارَطَةُ الطَّبِيبِ عَلَى الْبُرْءِ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ عَلَى التَّعْلِيمِ لِلْقُرْآنِ عَلَى الْحُذَّاقِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ إلَّا بِالتَّمَامِ ذَكَرَهَا عَقِبَهَا بِقَوْلِهِ: (وَمُشَارَطَةُ الطَّبِيبِ عَلَى الْبُرْءِ جَائِزَةٌ) وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَجُوزُ مُعَاقَدَةُ الطَّبِيبِ عَلَى الْبُرْءِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَإِذَا بَرِئَ الْمَرِيضُ أَخَذَهَا الطَّبِيبُ، وَإِلَّا لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا، وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الدَّوَاءِ مِنْ عِنْدِ الْعَلِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُهُ مِنْ عِنْدِ الطَّبِيبِ، عَلَى أَنَّهُ إنْ بَرِئَ الْعَلِيلُ يَدْفَعُ الْأُجْرَةَ وَثَمَنَ الدَّوَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ يَدْفَعُ لَهُ قِيمَةَ الدَّوَاءِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ تِلْكَ الصُّورَةُ لِأَدَائِهَا إلَى اجْتِمَاعِ جُعْلٍ وَبَيْعٍ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعَاقَدَةَ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ وَعَلَى الْبُرْءِ وَعَلَى اسْتِخْرَاجِ الْمَاءِ وَكِرَاءِ السَّفِينَةِ وَالْمُغَارَسَةِ وَهِيَ إعْطَاءُ الرَّجُلِ أَرْضَهُ لِمَنْ يَغْرِسُ فِيهَا شَيْئًا مِنْ الْأَشْجَارِ، وَإِذَا بَلَغَتْ حَدًّا مَعْرُوفًا تَصِيرُ الْأَرْضُ وَالْأَشْجَارُ بَيْنَهُمَا مُشَابِهَةً لِلْإِجَارَةِ وَالْجَعَالَةِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعَامِلُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ شَابَهَتْ الْجَعَالَةَ، وَلَمَّا كَانَ إذَا تَرَكَ الْأَوَّلَ وَكَمَّلَ غَيْرُهُ الْعَمَلَ يَكُونُ لِلْأَوَّلِ بِحِسَابِهِ لَا بِنِسْبَةِ الثَّانِي شَابَهَتْ الْإِجَارَةَ، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِتَرَدُّدِ الْمَنْقُودِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ. (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ مَوْضُوعَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا تَعَاقَدَ عَلَى شَرْطِ حُصُولِ الْبُرْءِ.

١ -

وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْمُدَاوَاةِ فِي زَمَنِ الْمَرَضِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ، وَهُوَ اسْتِئْجَارُهُ عَلَى مُدَاوَاتِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ، فَإِنْ تَمَّتْ الْمُدَّةُ وَبَرِئَ أَوْ لَمْ يَبْرَأْ فَلَهُ الْأُجْرَةُ كُلُّهَا، وَإِنْ بَرِئَ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ فَلَهُ نِصْفُ الْأُجْرَةِ وَالدَّوَاءِ مِنْ عِنْدِ الْعَلِيلِ، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِاحْتِمَالِ الْبُرْءِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَتَكُونُ سَلَفًا. وَقِسْمَانِ فِيهِمَا خِلَافٌ. أَحَدُهُمَا أَنْ يُعَاقِدَهُ عَلَى أَنْ يُدَاوِيَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا إلَّا أَنَّ الدَّوَاءَ مِنْ عِنْدِ الطَّبِيبِ فَقِيلَ يَجُوزُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ اجْتِمَاعِ الْجُعْلِ وَالْبَيْعِ. وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَعَاقِدُك بِكَذَا عَلَى عِلَاجِ هَذَا الْمَرِيضِ حَتَّى يَبْرَأَ، فَإِنْ بَرِئَ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ، وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَيَكُونُ الدَّوَاءُ مِنْ عِنْدِ الطَّبِيبِ، فَقِيلَ يَجُوزُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ.

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الذَّاتِ الْمُعَيَّنَةِ الَّتِي تُسْتَوْفَى مِنْهَا الْمَنْفَعَةُ دَابَّةً أَوْ دَارًا أَوْ شَخْصًا، شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ التَّعَذُّرُ مِنْ جَانِبِ الْمُسْتَوْفَى بِهِ الْمَنْفَعَةُ مِنْ رَاكِبٍ أَوْ سَاكِنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُنْتَقَضُ) أَيْ لَا يَنْفَسِخُ عَقْدُ (الْكِرَاءِ بِمَوْتٍ) أَوْ تَعَذُّرِ (الرَّاكِبِ) لِدَابَّةٍ أَوْ سَفِينَةٍ (أَوْ السَّاكِنِ) الْمُكْتَرِي لِلدَّارِ وَنَحْوِهَا، وَلَوْ كَانَ الرَّاكِبُ عَرُوسًا يُزَفُّ عَلَى الْمَرْكُوبِ فِي زَمَنٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَيَلْزَمُ وَارِثَ الْمَيِّتِ الْخَلَفُ أَوْ يَدْفَعُ جَمِيعَ الْكِرَاءِ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ، وَمَنْ مَعَهُ مِمَّا يُسْتَوْفَى بِهِ الْمَنْفَعَةُ وَالْإِجَارَةُ لَا تَنْفَسِخُ بِتَلَفِهِ، وَأَمَّا لَوْ اكْتَرَى الدَّابَّةَ لِيُزَفَّ عَلَيْهَا الْعَرُوسُ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: إنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لِمَرَضٍ أَوْ عُذْرٍ لَمْ يَلْزَمْ كِرَاؤُهَا، وَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ اخْتِيَارًا لَزِمَ الْكِرَاءُ، وَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يُكْرِيَهَا فِي مِثْلِهِ.

(وَلَا) يُنْتَقَضُ الْكِرَاءُ أَيْضًا (بِمَوْتِ غَنَمِ) أَيْ مَاشِيَةِ (الرِّعَايَةِ وَلْيَأْتِ) رَبُّهَا لِلرَّاعِي (بِمِثْلِهَا) ؛ لِأَنَّ الْغَنَمَ مِمَّا تُسْتَوْفَى بِهَا الْمَنْفَعَةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُجُوبُ الْخَلَفِ سَوَاءٌ شَرَطَا ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ أَمْ لَا، كَانَتْ الْغَنَمُ مُعَيَّنَةً أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ حَيْثُ وَقَعَتْ صَحِيحَةً، وَإِلَّا فَلَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى رِعَايَةِ نَحْوِ الْغَنَمِ فِيهِ تَفْصِيلٌ مُحَصَّلُهُ: إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى رِعَايَتِهَا إلَّا بِشَرْطِ أَنَّ كُلَّ مَا مَاتَ أَوْ سُرِقَ مِنْهَا يَخْلُفُهُ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا الْخَلَفَ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ وَتُفْسَخُ، وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى رَعْيِهَا وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْخَلَفُ، وَيَلْزَمُ رَبَّهَا الْخَلَفُ أَوْ دَفْعُ جَمِيعِ الْكِرَاءِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْخَلَفَ وَاجِبٌ عَلَى رَبِّ الْغَنَمِ كَانَتْ مُعَيَّنَةً أَمْ لَا حَيْثُ كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً، فَإِنْ عُقِدَتْ عَلَى شَرْطِ الْخَلَفِ عِنْدَ تَعَيُّنِهَا أَوْ بِغَيْرِ الْخَلَفِ عِنْدَ عَدَمِ تَعَيُّنِهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ رَبُّهَا مِنْ الْخَلَفِ لَزِمَهُ دَفْعُ جَمِيعِ الْكِرَاءِ، وَأَمَّا الْفَاسِدَةُ فَلَا يَلْزَمُ فِيهَا خَلَفٌ لِوُجُوبِ فَسْخِهَا، وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ بِمِثْلِهَا أَنَّهُ لَوْ أَخْلَفَ الْغَنَمَ بِغَيْرِهَا كَبَقَرٍ أَوْ مَعْزٍ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ ابْتِدَاءً عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ، وَأَتَى لَهُ بِمَعْزٍ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِمَا فِي رَعْيِهَا مِنْ الْمَشَقَّةِ، كَمَا لَا يَلْزَمُهُ رَعْيُ أَوْلَادِ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى رَعْيِهِ إلَّا لِعُرْفٍ كَمَا هُوَ الْآنَ، وَحَيْثُ لَا عُرْفَ يَلْزَمُ رَبَّهَا الْإِتْيَانُ بِرَاعٍ لَهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْعَاهَا مَعَ الْأُمَّهَاتِ؛ لِأَنَّ رَعْيَ الْوَلَدِ مَعَ الْأُمِّ يُتْعِبُ رَاعِيَ الْأُمِّ لَا لِحُرْمَةِ التَّفْرِقَةِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالْعَاقِلِ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى رِعَايَةِ عَدَدٍ مِنْ الْغَنَمِ، وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِهَا وَلَا بَيَانِ عَدَدِهَا بِأَنْ قَالَ: أَسْتَأْجِرُك عَلَى أَنْ تَرْعَى لِي غَنَمًا، فَإِنَّ هَذَا الْعَقْدَ جَائِزٌ وَيَأْتِي لَهُ بِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>