مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَا عَشْرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
وَدِيَةُ الْعَمْدِ إذَا قُبِلَتْ خَمْسٌ
ــ
[الفواكه الدواني]
تُقْسِمُ النِّسَاءُ وَإِنَّمَا تُقْسِمُ الْعَصَبَةُ فَالْقَوْلُ لَهُمْ فِي الْقَتْلِ، وَإِنْ أَرَادُوا الْعَفْوَ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْفَرِيقَيْنِ أَوْ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ لِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَفِي رِجَالٍ وَنِسَاءٍ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا بِهِمَا أَوْ بِبَعْضِهِمَا.
الثَّالِثُ: فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ نَصِيبُهُمْ بِالْجَمْعِ الْعَائِدِ عَلَى " مَنْ " الْمُفْرَدَةِ لَفْظًا مُرَاعَاةَ الْمَعْنَى كَمَا لَا يَخْفَى وَهُوَ جَائِزٌ نَحْوَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ} [يونس: ٤٢] بِخِلَافِ الْآيَةِ الْأُخْرَى نَحْوَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ} [الأنعام: ٢٥] بِإِفْرَادِهِ بِالنَّظَرِ لِلَفْظِهَا.
وَلَمَّا قَدَّمَ حُكْمَ عَفْوِ بَعْضِ الذُّكُورِ الْمُتَسَاوِيِينَ فِي الدَّرَجَةِ، شَرَعَ فِي حُكْمِ اجْتِمَاعِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَفِيهِ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ الْإِنَاثُ فِي دَرَجَةِ الذُّكُورِ وَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا عَفْوٌ) مُعْتَبَرٌ (لِلْبَنَاتِ مَعَ الْبَنِينَ) وَلَا لِلْأَخَوَاتِ مَعَ الْإِخْوَةِ، وَإِنَّمَا الْعَفْوُ وَالِاسْتِيفَاءُ لِلْعَاصِبِ دُونَ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْإِنَاثِ الْمُتَسَاوِيَاتِ.
وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ تَكُونَ النِّسَاءُ عَلَى دَرَجَةِ الذُّكُورِ، فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ ثَابِتًا بِبَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافِ الْجَانِي فَالِاسْتِيفَاءُ لِلنِّسَاءِ لِقَوْلِ خَلِيلٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَالِاسْتِيفَاءُ لِلْعَاصِبِ وَلِلنِّسَاءِ إنْ وَرِثْنَ وَلَمْ يُسَاوِهِنَّ عَاصِبٌ، وَأَمَّا لَوْ احْتَاجَ الثُّبُوتُ إلَى قَسَامَةٍ فَلَا يُقْسِمُ فِي الْعَمْدِ إلَّا الرِّجَالُ الْعَصَبَةُ وَبَعْدَ ذَلِكَ لِكُلٍّ الْقَتْلُ، وَلَا عَفْوَ إلَّا بِإِجْمَاعِ الْفَرِيقَيْنِ أَوْ الْبَعْضِ مِنْ كُلٍّ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ أَوْلِيَاءَ الدَّمِ إمَّا رِجَالٌ فَقَطْ أَوْ نِسَاءٌ فَقَطْ، وَإِمَّا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ وَقَدْ عَلِمْت حُكْمَ الْجَمِيعِ.
(تَنْبِيهٌ) الْإِنَاثُ اللَّاتِي لَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي الدَّمِ عَلَى الْمَشْهُورِ الْبَنَاتُ دُونَ بَنَاتِهِنَّ، وَبَنَاتُ الْأَبْنَاءِ الذُّكُورِ وَإِنْ سَفَلُوا دُونَ بَنَاتِهِنَّ، وَالْأَخَوَاتُ الْأَشِقَّاءُ أَوْ لِأَبٍ وَالْأُمُّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ عَفَتْ إحْدَى الْمُتَسَاوِيَاتِ بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّمِ بِالْبَيِّنَةِ وَالِاعْتِرَافِ فَالنَّظَرُ لِلْإِمَامِ الْعَادِلِ فِي الْعَفْوِ أَوْ الْقَتْلِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إمَامٌ عَادِلٌ فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ تَنَازَعَتْ بِنْتٌ وَأُخْتٌ فَالْبِنْتُ أَحَقُّ فِي عَفْوٍ وَضِدِّهِ حَيْثُ لَا حَاجَةَ إلَى الْقَسَامَةِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى قَاتِلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانُ إذَا لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ فَقَالَ: (وَمَنْ عُفِيَ عَنْهُ فِي) قَتْلِ (الْعَمْدِ) الْعُدْوَانُ أَوْ سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ بِأَنْ كَانَ الْقَاتِلُ أَعْلَى، بِأَنْ كَانَ زَائِدًا فِي الْحُرِّيَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ، أَوْ وَرِثَ دَمَ نَفْسِهِ وَلَوْ قِسْطًا مِنْهُ مِثْلُ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدُ ابْنَيْنِ أَبَاهُ عَمْدًا ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ الْآخَرُ فَإِنَّ الْقَاتِلَ قَدْ وَرِثَ جَمِيعَ دَمِ نَفْسِهِ، وَمِثَالُ إرْثِ الْقِسْطِ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ أَبَاهُ عَمْدًا وَثَبَتَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ لِجَمِيعِ إخْوَتِهِ ثُمَّ يَمُوتُ أَحَدُهُمْ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَسْقُطُ عَنْ الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ وَرِثَ بَعْضَ دَمِ نَفْسِهِ، وَلِبَقِيَّةِ إخْوَتِهِ حَظُّهُمْ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ لِأَنَّ الْإِرْثَ كَالْعَفْوِ.
(ضُرِبَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ الضَّمِيرُ عَلَى مَنْ الشَّرْطِيَّةِ وَهَذَا جَوَابُهَا.
(مِائَةَ) سَوْطٍ رَدْعًا وَزَجْرًا لَهُ وَمِائَةَ بِالنَّصْبِ نِيَابَةً عَنْ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ.
(وَحُبِسَ عَامًا) قَالَ خَلِيلٌ: وَعَلَيْهِ أَيْ الْقَاتِلِ مُطْلَقًا جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ حَبْسُ سَنَةٍ وَإِنْ بِقَتْلِ مَجُوسِيٍّ أَوْ عَبْدٍ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ أَنَّ الضَّرْبَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَبْسِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقَاتِلِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، أَوْ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي تَأْدِيبِهِ تَكْلِيفُهُ، فَإِنَّ عَمَلَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَضَى عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ خَرَّجَ الدَّارَقُطْنِيُّ: «أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ عَبْدَهُ فَجَلَدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةَ جَلْدَةٍ وَنَفَاهُ سَنَةً وَمَحَا سَهْمَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» وَصَحَّحَ هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ الْقَطَّانِ، فَيَنْبَغِي لِلْمَالِكِيِّ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ لِلْمَذْهَبِ فِي قَاتِلِ الْعَبْدِ الْعُدْوَانِ إذَا سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ بِعَفْوٍ أَوْ عَدَمِ مُكَافَأَةٍ، وَلَعَلَّ قَوْلَ بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ وَبَعْضِ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ تَغْرِيبٍ، وَإِنَّمَا يُحْبَسُ فِي بَلَدِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ التَّعْوِيلِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَعَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ.
[أَحْكَام الدِّيَة]
وَلَمَّا كَانَ قَتْلُ الْعَمْدِ الْعُدْوَانُ إنَّمَا فِيهِ الْقِصَاصُ أَوْ الْعَفْوُ مَجَّانًا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى الدِّيَةِ، وَأَمَّا الْخَطَأُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الدِّيَةُ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَالدِّيَةُ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَالْيَاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَاحِدَةُ الدِّيَاتِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْوَدْيِ الَّذِي هُوَ الْهَلَاكُ، وَحَقِيقَتُهَا الِاصْطِلَاحِيَّةُ الشَّامِلَةُ لِلْعَمْدِ وَالْخَطَإِ مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ مِنْ الْمَالِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ فِي الْخَطَإِ وَعَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ بِسَبَبِ قَتْلِ آدَمِيٍّ حُرٍّ مَعْصُومٍ وَلَوْ بِالنِّسْبَةِ لِقَاتِلِهِ عِوَضًا عَنْ دَمِهِ دَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا الْكِتَابُ وَالسَّنَةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] وَأَمَّا السَّنَةُ فَفِي الْمُوَطَّإِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: إنَّ فِي النَّفْسِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ» وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ حَكَاهُ الْقَرَافِيُّ، وَلَمَّا كَانَتْ دِيَةُ الْخَطَإِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْقَاتِلِ قَالَ: (عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ) كَانَ الْمَحَلُّ لِلضَّمِيرِ بِأَنْ يَقُولَ مِنْهَا وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ يَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ عَاقِلَتِهِ دَفْعُهَا مِنْ الْإِبِلِ وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ مِنْ أَصْحَابِ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ، وَسَيَأْتِي صِفَةُ دَفْعِهَا وَبَيَانُ سِنِّ الْإِبِلِ.
(وَ) يَجِبُ (عَلَى) الْقَاتِلِ إذَا كَانَ مِنْ (أَهْلِ الذَّهَبِ) كَأَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ (أَلْفُ دِينَارٍ) مِنْ الذَّهَبِ وَزْنُهُ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ شَعِيرَةً مُتَوَسِّطَاتٍ.
(وَعَلَى) الْقَاتِلِ إذَا كَانَ مِنْ (أَهْلِ الْوَرِقِ) كَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَفَارِسَ وَالرُّومِ.
(اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ) وَزْنُ الدِّرْهَمِ خَمْسُونَ وَخَمْسٌ شَعِيرَةً فَصَرْفُ دِينَارِ الدِّيَةِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا كَدِينَارِ السَّرِقَةِ وَالنِّكَاحِ، بِخِلَافِ دِينَارِ الْجِزْيَةِ وَالزَّكَاةِ فَصَرْفُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَأَمَّا دِينَارُ الصَّرْفِ فَلَا يَنْضَبِطُ وَإِلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الْإِشَارَةُ