وَنَهَى الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الذُّكُورَ عَنْ لِبَاسِ الْحَرِيرِ وَتَخَتُّمِ الذَّهَبِ وَعَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ وَلَا بَأْسَ بِالْفِضَّةِ فِي حِلْيَةِ الْخَاتَمِ وَالسَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ فِي لِجَامٍ وَلَا سَرْجٍ وَلَا سِكِّينٍ وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ،
وَيَتَخَتَّمُ النِّسَاءُ بِالذَّهَبِ.
ــ
[الفواكه الدواني]
أَظْهَرُهُمَا مَا قَدَّمْنَا، فَفِي الذَّخِيرَةِ: اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ تَغْيِيرِ الشَّيْبِ بِالصُّفْرَةِ وَالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ هَلْ التَّرْكُ أَوْ الْفِعْلُ وَالْقَوْلَانِ لِمَالِكٍ، وَإِنَّمَا كُرِهَ الصِّبَاغُ بِالسَّوَادِ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ فِيهِ صَرْفَ لَوْنٍ إلَى لَوْنٍ مَعَ ذَهَابِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْحِنَّاءِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَذْهَبْ جُمْلَةً وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ فَلَا يَتَلَبَّسُ الشَّيْبُ عَلَى أَحَدٍ بِاحْمِرَارِهِ أَوْ اصْفِرَارِهِ.
الثَّانِي: لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبَغَ وَإِنَّمَا قَالَ: «اخْتَضِبُوا وَفَرِّقُوا وَخَالِفُوا الْيَهُودَ» لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَأَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمُخَالَفَتِهِمْ، وَإِنَّمَا صَبَغَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا يَنْهَى عَنْ لُبْسِهِ بِقَوْلِهِ:
[لِبَاسِ الْحَرِيرِ]
(وَنَهَى الرَّسُولُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ الذُّكُورَ عَنْ لِبَاسِ الْحَرِيرِ) لِمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» . وَلِخَبَرِ: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ» (وَ) نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الذُّكُورَ أَيْضًا عَنْ (تَخَتُّمِ الذَّهَبِ) لِمَا وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَنَّهُ أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ وَأَخَذَ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي» .
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: أَجْمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي النَّهْيِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحُرْمَةُ وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ فِي حَقِّ الْبَالِغِينَ اتِّفَاقًا، وَاخْتُلِفَ فِي الصِّغَارِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ وَالْحُرْمَةُ وَالْكَرَاهَةُ، وَاَلَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَطَّابُ كَرَاهَةُ تَحْلِيَةِ الصَّبِيِّ بِالذَّهَبِ أَوْ الْحَرِيرِ وَالْجَوَازُ بِالْفِضَّةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ لِقَوْلِهِ: وَحَرُمَ اسْتِعْمَالُ ذَكَرٍ مُحَلًّى وَلَوْ مِنْطَقَةً وَآلَةَ حَرْبٍ، وَالْحُرْمَةُ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَلَوْ لِعُذْرٍ وَكَحَكَّةٍ أَوْ جِهَادٍ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ: وَيَنْبَغِي إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْمَرَضِ وَإِلَّا جَازَ، وَمَفْهُومُ الذُّكُورِ الْجَوَازُ لِلْإِنَاثِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ لِلْمَرْأَةِ الْمَلْبُوسُ مُطْلَقًا وَلَوْ نِعَالًا كَسَرِيرٍ وَهَذَا فِي حَالِ حَيَاتِهَا، وَاخْتُلِفَ فِي تَكْفِينِهَا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ.
الثَّانِي: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ اللُّبْسِ لِلْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِ فَرْشِهِ وَالْجُلُوسِ عَلَيْهِ وَفِيهِ قَوْلَانِ: الْجَوَازُ وَالْحُرْمَةُ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ الْحُرْمَةُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ تَبَعًا كَزَوْجٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ تَبَعًا لِزَوْجَتِهِ، خِلَافًا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي إجَازَتِهِ تَبَعًا لَهَا وَكَانَتْ مُصَاحِبَةً لَهُ فِي الْجُلُوسِ عَلَيْهِ كَمَا قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ مِنْ الْحَرِيرِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الْخَطُّ الرَّقِيقُ دُونَ الْأُصْبُعِ اتِّفَاقًا، كَمَا تَجُوزُ الْخِيَاطَةُ بِهِ أَوْ اتِّخَاذُ رَايَةٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْهُ، وَحُرْمَةُ الْجُلُوسِ عَلَى الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ مُسْتَمِرَّةٌ وَلَوْ فَرَشَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ لُبْسُ الْمُبَطَّنِ بِالْحَرِيرِ أَوْ الْمَحْشُوِّ بِالْحَرِيرِ أَوْ الْمَرْقُومِ بِالْحَرِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا كَمَا يَأْتِي، وَمِنْ الْمُحَرَّمِ السِّجَافُ الْعَرِيضُ حَيْثُ زَادَ عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَفِي قَدْرِ عَرْضِ الْأُصْبُعِ أَوْ الْأَرْبَعِ قَوْلَانِ: بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ كَمَا يَأْتِي، وَأَمَّا تَعْلِيقُ الْحَرِيرِ وَجَعْلُهُ سِتَارَةً مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ.
الثَّالِثُ: حُرْمَةُ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ شَامِلَةٌ لِلْخَالِصِ وَلِمَا بَعْضُهُ فِضَّةٌ.
قَالَ خَلِيلٌ: لَا مَا بَعْضُهُ ذَهَبٌ وَلَوْ قَلَّ، وَاخْتُلِفَ فِي إعَادَةِ الْمُصَلِّي بِهِ فِي الْوَقْتِ وَعَدَمِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ، وَحُرْمَةُ التَّخَتُّمُ بِهِ لَا يُنَافِي جَوَازَ اتِّخَاذِ السِّنِّ مِنْهُ وَأَوْلَى رَبْطُهَا وَالْأَنْفِ قَالَ خَلِيلٌ: إلَّا الْمُصْحَفَ وَالسَّيْفَ وَالْأَنْفَ وَرَبْطَ سِنٍّ مُطْلَقًا لِأَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمُحَرَّمَاتِ.
(وَ) نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الرِّجَالَ (عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ) لِأَنَّهُ حَلِيلَةُ أَهْلِ النَّارِ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ عَلَى الْحُرْمَةِ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ كَكَرَاهَةِ التَّخَتُّمِ بِالنُّحَاسِ إلَّا لِمَنْ بِهِ مَرَضُ الصَّفْرَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِخَاتَمِ النُّحَاسِ، وَإِلَّا لُحُوقَ الْجِنِّ بِالنِّسْبَةِ لِخَاتَمِ الْحَدِيدِ فَإِنَّهُ نَافِعٌ كَمَا يَنْفَعُ تَعْلِيقُ الْأُتْرُجِّ فِي الْبَيْتِ مِنْ الْجِنِّ أَيْضًا، وَسَنَذْكُرُ حُكْمَ التَّخَتُّمِ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ اسْتِعْمَالِ الْحَرِيرِ وَالتَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ اسْتِعْمَالِ الْمُحَلَّى بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ بِالْفِضَّةِ) الْمَجْعُولَةِ (فِي حَلِيلَةِ الْخَاتَمِ) الْمَصْنُوعِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَجُوزُ اتِّخَاذُ خَاتَمٍ مِنْهُ وَهُوَ مَا عَدَا الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهُ بِحِلْيَةِ الْخَاتَمِ نَفْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَزْنَ دِرْهَمَيْنِ، فَيَجُوزُ لَنَا اتِّخَاذُهُ بِشَرْطِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهُ يَحْرُمُ لُبْسُهُ عُجْبًا، وَبِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا فَلَا يَجُوزُ تَعَدُّدُهُ وَلَوْ كَانَ وَزْنُ الْجَمِيعِ دِرْهَمَيْنِ، كَمَا لَا يَجُوزُ مَا زَادَ وَزْنُهُ عَلَى الدِّرْهَمَيْنِ، أَوْ الَّذِي بَعْضُهُ ذَهَبٌ وَبَعْضُهُ فِضَّةٌ وَلَوْ قَلَّ الذَّهَبُ.
(تَنْبِيهٌ) لَمْ يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ مَعْنَى لَا بَأْسَ وَالْمَنْصُوصُ الْجَوَازُ، بَلْ صَرَّحَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ بِنَدْبِ اتِّخَاذِهِ اقْتِدَاءً بِالْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمَا يُسْتَحَبُّ وَضْعُهُ