للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ مِنْ الرَّغَائِبِ وَقِيلَ مِنْ السُّنَنِ،

وَصَلَاةُ الضُّحَى نَافِلَةٌ،

وَكَذَلِكَ قِيَامُ رَمَضَانَ نَافِلَةٌ وَفِيهِ فَضْلٌ كَبِيرٌ وَمَنْ قَامَهُ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَالْقِيَامُ مِنْ اللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ النَّوَافِلِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا،

وَالصَّلَاةُ

ــ

[الفواكه الدواني]

الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ.

[الْفِطْر فِي السَّفَر]

(وَالْفِطْرُ فِي السَّفَرِ) بِمَعْنَى تَبْيِيتِ الْفِطْرِ فِيهِ لَيْلًا (رُخْصَةٌ) مَرْجُوحَةٌ حَيْثُ جَاوَزَ الْمُسَافِرُ مَحَلَّ بَدْءِ الْقَصْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ.

قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْجَائِزِ: وَفِطْرٌ بِسَفَرِ قَصْرٍ شُرِعَ فِيهِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَنْوِهِ فِيهِ وَإِلَّا قَضَاهُ وَلَوْ تَطَوُّعًا وَلَا كَفَّارَةَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ بِسَفَرٍ كَفِطْرِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ، وَرَاجِعْ مُحْتَرَزَاتِ تِلْكَ الْقُيُودِ فِي شُرَّاحِ خَلِيلٍ فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءَ الْغَلِيلِ. وَقُلْنَا رُخْصَةٌ مَرْجُوحَةٌ لِأَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ.

قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٤] (وَالْإِقْصَارُ فِيهِ) أَيْ فِي السَّفَرِ لِلصَّلَاةِ الرَّبَاعِيَةِ (وَاجِبٌ) وُجُوبَ السُّنَنِ فَلَا يَحْرُمُ الْإِتْمَامُ، وَصَرَّحَ خَلِيلٌ بِالسُّنِّيَّةِ حَيْثُ قَالَ: سُنَّ لِمُسَافِرٍ قَصْرُ رَبَاعِيَةٍ وَقْتِيَّةٍ إلَخْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى السُّنِّيَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ إذَا سَافَرُوا قَصَرُوا الصَّلَاةَ» وَإِنَّمَا كَانَ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ سُنَّةٌ وَالْفِطْرُ فِيهِ مَكْرُوهًا، مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْفِطْرِ وَالْقَصْرِ رُخْصَةٌ، لِأَنَّ فِي الْقَصْرِ عَمَلًا بِالرُّخْصَةِ مَعَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ الْفِطْرِ تَشْتَغِلُ مَعَهُ الذِّمَّةُ.

[رَكْعَتَا الْفَجْر]

(وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ) اُخْتُلِفَ فِيهِمَا عَلَى قَوْلَيْنِ فَقِيلَ: (مِنْ الرَّغَائِبِ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَهِيَ رَغِيبَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ تَخُصُّهَا وَعُزِيَ هَذَا الْقَوْلُ لِلْأَكْثَرَيْنِ. (وَقِيلَ) إنَّهُمَا (مِنْ السُّنَنِ) وَيَنْبَنِي عَلَى السُّنِّيَّةِ نَدْبُ فِعْلِهِمَا فِي الْمَسْجِدِ، وَعَلَى عَدَمِهَا نَدْبُ فِعْلِهِمَا فِي الْبَيْتِ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ كَثْرَةُ الثَّوَابِ عَلَى السُّنِّيَّةِ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ الِاخْتِلَافُ فِي حَقِيقَةِ السُّنَّةِ، فَمَنْ عَرَّفَهَا بِأَنَّهَا مَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَاوَمَ عَلَيْهِ وَأَظْهَرَهُ فِي جَمَاعَةٍ قَالَ: إنَّهُمَا رَغِيبَتَانِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُظْهِرْهُمَا فِي جَمَاعَةٍ، وَمَنْ عَرَّفَهَا بِأَنَّهَا مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا جَعَلَهُمَا سُنَّةً.

[صَلَاة الضُّحَى]

(وَصَلَاةُ الضُّحَى) بِالْقَصْرِ (نَافِلَةٌ) مُتَأَكِّدَةٌ، وَمَعْنَى النَّافِلَةِ مَا دُونَ السُّنَّةِ وَالرَّغِيبَةِ، وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ وَأَوْسَطُهَا سِتٌّ وَأَكْثَرُهَا ثَمَانِ رَكَعَاتٍ عِنْدَ مُعْظَمِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا، وَقَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْأُجْهُورِيُّ: يُكْرَهُ مَا زَادَ عَلَى الثَّمَانِ بِنِيَّةِ الضُّحَى، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَبَقَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ مِنْ عَدَمِ التَّحْدِيدِ فِي النَّوَافِلِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، وَقَوْلُنَا بِالْقَصْرِ إشَارَةٌ إلَى أَوَّلِ وَقْتِهَا وَهُوَ ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ قَيْدَ رُمْحٍ، وَأَمَّا بِالْمَدِّ فَيَنْتَهِي إلَى الزَّوَالِ، وَأَمَّا الضَّحْوَةُ فَهِيَ وَقْتُ الشُّرُوقِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءَ: ضَحْوَةٌ وَضُحًى بِالْقَصْرِ وَضُحَا بِالْمَدِّ وَهِيَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَفَضْلُهَا مَشْهُورٌ فَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ: «مِنْ أَنَّ مَنْ صَلَّى رَكْعَتِي الضُّحَى لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَمَنْ صَلَّى أَرْبَعًا كُتِبَ مِنْ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ صَلَّى ثَمَانِيًا كُتِبَ مِنْ الْعَابِدِينَ» . وَفِي بَعْضِ طُرُقِ مُسْلِمٍ: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَيَجْزِي عَنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ تَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى» أَيْ يَكْفِي عَنْ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ الْمَطْلُوبَةِ عَنْ جَمِيعِ السُّلَامَيَاتِ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الضُّحَى، لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِجَمِيعِ الْأَعْضَاءِ، فَإِذَا صَلَّى الْعَبْدُ فَقَدْ قَامَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ بِوَظِيفَتِهِ وَأَدَّى شُكْرَ نِعْمَتِهِ، وَالسُّلَامَى بِضَمِّ السِّينِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ تُجْمَعُ عَلَى سُلَامَيَاتٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَهِيَ عِظَامُ الْجَسَدِ وَمَفَاصِلِهِ.

(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الضُّحَى اسْمٌ لِلصَّلَاةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ وَقْتِهِ.

[قِيَام رَمَضَان]

(وَكَذَلِكَ قِيَامُ رَمَضَانَ) الْمُسَمَّاةُ بِالتَّرَاوِيحِ (نَافِلَةٌ) مُتَأَكِّدَةٌ.

قَالَ خَلِيلٌ: عَاطِفًا عَلَى الْمَنْدُوبِ الْمُتَأَكِّدِ: وَتَرَاوِيحُ وَانْفِرَادٌ فِيهَا إنْ لَمْ تُعَطَّلْ الْمَسَاجِدُ أَيْ وَتَأَكَّدَ قِيَامُ رَمَضَانَ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُطِيلُونَ الْقِيَامَ فِي فِعْلِهَا، وَيَجْلِسُ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَوَقْتُهَا وَقْتُ الْوِتْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَهُوَ مَغِيبُ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ بَعْدَ عِشَاءٍ صَحِيحَةٍ، وَالْجَمَاعَةُ فِيهَا مُسْتَحَبَّةٌ، وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ كَرَاهَةِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ جَمَاعَةً كَالْعِيدَيْنِ وَكَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالِانْفِرَادِ فِيهَا فِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ وَلَوْ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ آفَاقِيًّا بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ أَوْ لَا يَنْشَطُ لِفِعْلِهَا فِي بَيْتِهِ وَيَخْشَى تَعْطِيلَ الْمَسَاجِدِ، وَإِلَّا كَانَ الْأَفْضَلُ صَلَاتَهَا فِي الْمَسْجِدِ. (وَفِيهِ) أَيْ رَمَضَانَ (فَضْلٌ) أَيْ ثَوَابٌ (كَبِيرٌ) رُوِيَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ زِيَادَةِ فَضْلِهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا أَيْ تَصْدِيقًا بِمَا وَعَدَهُ اللَّهُ فِيهِ مِنْ الثَّوَابِ وَاحْتِسَابًا أَيْ مُحْتَسِبًا أَجْرَهُ عَلَى اللَّهِ لَا يَقْصِدُ بِهِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً بَلْ لِمُجَرَّدِ الثَّوَابِ. غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» يَعْنِي الصَّغَائِرَ، وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ أَوْ مَحْضُ الْعَفْوِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْفَاعِلِ صَغَائِرُ فَقِيلَ يُكَفَّرُ بِهِ أَجْزَاءٌ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَبَائِرُ وَلَا صَغَائِرُ يُرْفَعُ لَهُ بِهَا دَرَجَاتٌ، وَيُقَالُ هَكَذَا مَعَ كُلِّ مَا يُكَفِّرُ، وَقَدْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَاخْتُلِفَ فِي عَدَدِ اللَّيَالِي الَّتِي صَلَّى فِيهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّرَاوِيحَ فَقِيلَ صَلَّاهَا فِي لَيْلَتَيْنِ، وَقِيلَ فِي ثَلَاثٍ ثُمَّ تَرَكَ فِعْلَهَا فِي الْمَسْجِدِ خَشْيَةَ فَرْضِهَا عَلَيْهِمْ. وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْأُجْهُورِيُّ بِقَوْلِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>