للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الفواكه الدواني]

الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِنَحْوِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لَا يُشْتَرَطُ مَعَهُ طُولُ الزَّمَانِ مَعَ عِلْمِ الْمُدَّعِي وَسُكُوتِهِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ دَارًا أَنَّ غَيْرَ الْعَقَارِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِذَا رَكِبَ أَجْنَبِيٌّ دَابَّةً مُدَّةَ سَنَتَيْنِ وَهُوَ مُدَّعِي الْمِلْكِيَّةِ وَغَيْرُهُ حَاضِرٌ عَالِمٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ وَيَفُوزُ بِهَا الْحَائِزُ، وَمِثْلُ الدَّابَّةِ أَمَةُ الْخِدْمَةِ، وَإِذَا حَازَ أَجْنَبِيٌّ عَلَى أَجْنَبِيٍّ عَبْدًا أَوْ عَرْضًا مُدَّةَ ثَلَاثِ سِنِينَ فَقَدْ تَمَّتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنَّمَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا فِي الْأَجْنَبِيِّ، فَفِي الدَّابَّةِ وَأَمَةِ الْخِدْمَةِ السَّنَتَانِ وَيُزَادُ فِي عَبْدٍ وَعَرْضٍ.

وَقَوْلُهُ: تُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْمَعَ الْمُحَازُ عَنْهُ نِسْبَتَهَا إلَيْهِ، وَرُبَّمَا يُفْهَمُ هَذَا مِنْ اشْتِرَاطِ دَعْوَى الْحَائِزِ الْمِلْكِيَّةَ، وَقَوْلُهُ: حَاضِرٌ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ بَعِيدِ الْغَيْبَةِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا مِمَّا لَا يَتَمَكَّنُ مَعَهَا مِنْ الْمُنَازَعَةِ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِوَكِيلِهِ فَإِنَّ بَيِّنَتَهُ تُسْمَعُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ، وَأَمَّا الْقَرِيبَةُ الَّتِي تُمْكِنُ مَعَهَا الْمُنَازَعَةُ وَلَوْ بِالْوَكِيلِ فَكَالْحَاضِرِ، وَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ فَقَوْلَانِ فِي سُقُوطِ حَقِّ الْمُدَّعِي وَقَبُولِ مُنَازَعَتِهِ وَسَمَاعِ بَيِّنَتِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ حَقِّ اللَّهِ، وَأَمَّا حَقُّ اللَّهِ فَلَا يَفُوتُ بِالْحِيَازَةِ وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، كَحِيَازَةِ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ قِطْعَةٍ مِنْهَا فَلَا يَمْلِكُهَا وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهَا بِأَنَّهَا طَرِيقٌ، وَمِثْلُهَا لَوْ حَازَ مَسْجِدًا أَوْ مَحَلًّا مَوْقُوفًا عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْحَائِزُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْحِيَازَةَ لَا تَقَعُ فِي وَثَائِقِ الْحُقُوقِ، فَلِمُسْتَحِقِّ مَا فِيهَا الْقِيَامُ بِهِ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ، وَقَوْلُنَا مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ سَكَتَ لِمَانِعٍ، كَمَا لَوْ كَانَ الْحَائِزُ سُلْطَانًا أَوْ صَاحِبَ شَرِكَةٍ فَإِنَّ لَهُ الْقِيَامَ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ وَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ الْمُحَازَ عَنْهُ مِلْكُهُ بِأَنْ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ مِلْكِي فِي حَالِ تَصَرُّفِ هَذَا الْحَائِزِ، وَمَا وَجَدْت الْوَثِيقَةَ إلَّا عِنْدَ فُلَانٍ، أَوْ كَانَ وَارِثًا وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ، وَقَوْلُنَا غَيْرُ الشُّرَكَاءِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ حِيَازَةِ الشُّرَكَاءِ فَإِنَّهُمْ إنْ كَانُوا أَجَانِبَ لَا يَفُوزُ الْحَائِزُ بِمَا حَازَهُ إلَّا بِشَرْطَيْنِ:

أَحَدُهُمَا مُضِيُّ الْمُدَّةِ، وَثَانِيهِمَا أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ بِخُصُوصِ الْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ لِغَيْرِ الْإِصْلَاحِ

وَأَمَّا الشُّرَكَاءُ الْأَقَارِبُ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُمْ كَغَيْرِ الشُّرَكَاءِ فِي أَنَّ الْعَشْرَ سِنِينَ لَا يَحْصُلُ بِهَا حِيَازَةٌ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا حِيَازَةَ) مُقْتَضِيَةٌ لِنَقْلِ الْمِلْكِ (بَيْنَ الْأَقَارِبِ) جَمْعُ قَرِيبٍ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ لَا كَالْأَبِ وَابْنِهِ (وَ) لَا بَيْنَ (الْأَصْهَارِ) الَّذِينَ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمْ وَمِثْلُهُمْ الْمَوَالِي (فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ) وَهِيَ الْعَشْرُ سِنِينَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَوْ شُرَكَاءَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالْحَالُ أَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ لَا بِنَحْوِ الزَّرْعِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَقَارِبِ وَالْأَصْهَارِ الَّذِينَ بَيْنَهُمْ الْأُلْفَةُ، وَأَمَّا الَّذِينَ بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةُ فَكَالْأَجَانِبِ، وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُمْ عِنْدَ جَهْلِ الْحَالِ عَلَى عَدَمِ الْعَدَاوَةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا كَالْأَبِ وَابْنِهِ؛ لِأَنَّ الْحِيَازَةَ بَيْنَهُمَا لَا تَكُونُ إلَّا بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ الَّذِي تَهْلَكُ فِيهِ الْبَيِّنَاتُ وَيَنْقَطِعُ فِيهِ الْعِلْمُ، وَالْحَائِزُ يُهْدَمُ وَيُبْنَى لِغَيْرِ الْإِصْلَاحِ، وَالْآخَرُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ طُولَ الْمُدَّةِ وَلَا مَانِعَ فَلَا قِيَامَ لِلْحَاضِرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا تُسْمَعُ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَالظَّاهِرَةُ أَنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي تَهْلَكُ فِيهَا الْبَيِّنَاتُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ سِنِّ الشُّهُودِ، وَأَمَّا لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا أَوْ وَهَبَهُ بِحَضْرَةِ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ كَلَامٍ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ سَمَاعِ دَعْوَاهُ مَعَ حُصُولِ هَذَا الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا يَسْكُتُ عَنْ تَصَرُّفِ الْغَيْرِ فِي مِلْكِهِ بِنَحْوِ هَذَا.

قَالَ خَلِيلٌ: لَا بَيْنَ أَبٍ وَابْنِهِ إلَّا بِكَهِبَةٍ إلَّا أَنْ يَطُولَ مَعَهَا مَا تَهْلَكُ فِيهِ الْبَيِّنَاتُ وَيَنْقَطِعُ الْعِلْمُ، وَقَوْلُ خَلِيلٍ: إلَّا أَنْ يَطُولَ مُسْتَثْنًى مِنْ مُقَدَّرٍ أَيْ لَا بِغَيْرِ هِبَةٍ.

(تَنْبِيهٌ) إذَا عَلِمْت مَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ لَك مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِجْمَالِ، إذْ قَدْ أَبْهَمَ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي تَحْصُلُ بِهَا الْحِيَازَةُ كَمَا أَبْهَمَ فِي الْأَقَارِبِ، وَمَسْأَلَةُ الْحِيَازَةِ هَذِهِ مُخَالِفَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْحَدِيثِ.

[بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ الْإِقْرَارِ]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ الْإِقْرَارِ وَهُوَ لُغَةً الِاعْتِرَافُ، وَاصْطِلَاحًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: خَبَرٌ يُوجِبُ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى قَائِلِهِ فَقَطْ بِلَفْظِهِ أَوْ بِلَفْظِ نَائِبِهِ، فَيَدْخُلُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ وَتَخْرُجُ الْإِنْشَاءَاتُ كَبِعْت وَاشْتَرَيْت وَنَحْوِهِمَا كَنُطْقِ الْكَافِرِ بِالشَّهَادَتَيْنِ لِلْإِخْبَارِ عَنْهُمَا بِأَنَّهُ فَعَلَهُمَا كَقَوْلِهِ: كُنْت اسْتَلَمْت فَهُوَ مِنْ الْإِقْرَارِ، وَمِمَّا يَخْرُجُ أَيْضًا الرِّوَايَةُ وَالشَّهَادَةُ وَإِنَّمَا خَرَجَا وَإِنْ كَانَا خَبَرَيْنِ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ خَبَرٌ يُوجِبُ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَالشَّهَادَةُ خَبَرٌ يُوجِبُ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَقَطْ، وَكَذَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِقْرَارِ قَوْلُ الْقَائِلِ: زَيْدٌ زَانٍ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ خَبَرًا يُوجِبُ حُكْمًا عَلَى قَائِلِهِ فَقَطْ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُقْتَضٍ صِدْقَهُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى صِدْقِهِ عَدَمُ حَدِّهِ، وَهَذَا يُوجِبُ عَلَى الْقَائِلِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَهُ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ:

الْمُقِرُّ وَالْمُقَرُّ لَهُ وَالْمُقَرُّ بِهِ وَالصِّيغَةُ، فَشَرْطُ الْمُقِرِّ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، وَشَرْطُ الْمُقَرِّ لَهُ كَوْنُهُ أَهْلًا لِمِلْكِ الْمُقَرِّ بِهِ وَلَوْ حُكْمًا كَحَمْلٍ أَوْ مَسْجِدٍ، وَأَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْهُ تَكْذِيبٌ لِلْمُقِرِّ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّكْذِيبِ، وَأَنْ لَا يُتَّهَمَ الْمُقِرُّ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَشَرْطُ الْمُقَرِّ بِهِ كَوْنُهُ حَقًّا بِحَيْثُ يَلْزَمُ الْمُقِرَّ وَلَوْ غَيْرَ مَالِيٍّ كَقَتَلْت زَيْدًا عَمْدًا، وَصِيغَتُهُ عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي لِفُلَانٍ كَذَا أَوْ فَعَلْت كَذَا مِمَّا يُوجِبُ فِعْلَهُ حُكْمًا، وَالْمُصَنِّفُ بَالَغَ فِي الِاخْتِصَارِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ (إقْرَارُ الْمَرِيضِ) مَرَضًا مَخُوفًا (لِوَارِثِهِ بِدَيْنٍ) فِي ذِمَّتِهِ حَيْثُ كَانَ يُتَّهَمُ عَلَى الْإِقْرَارِ لَهُ، كَمَا لَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>