للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَالِ مِنْ جِنْسِ مَا أَسْلَمَ فِيهِ.

وَلَا يُسْلَمُ شَيْءٌ فِي جِنْسِهِ أَوْ فِيمَا يَقْرُبُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُقْرِضَهُ شَيْئًا فِي مِثْلِهِ صِفَةً، وَمِقْدَارًا وَالنَّفْعُ لِلْمُتَسَلِّفِ.

وَلَا يَجُوزُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ.

وَتَأْخِيرُ رَأْسِ الْمَالِ بِشَرْطٍ إلَى مَحَلِّ السَّلَمِ أَوْ مَا بَعُدَ مِنْ الْعُقْدَةِ مِنْ ذَلِكَ.

وَلَا

ــ

[الفواكه الدواني]

الْأَجَلِ فَسَدَ السَّلَمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَبْضِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ أَجَلٌ مَعْلُومٌ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ سَكَتَ عَنْ بَيَانِ صِفَةِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَشَرْنَا لِذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ.

١ -

الثَّالِثُ: كَمَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ بِالزَّمَانِ يَجُوزُ بِغَيْرِهِ كَقُدُومِ الْحَاجِّ أَوْ الْحَصَادِ أَوْ الدِّرَاسِ، وَيُعْتَبَرُ مِيقَاتُ مُعْظَمِ مَا ذُكِرَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ ذِكْرِ الْعَقْدِ، وَمَا ذَكَرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ.

وَلَمَّا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يُسَلَّمَ الشَّيْءُ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَجْوَدَ كَالْعَكْسِ إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ اخْتِلَافًا قَوِيًّا قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ جِنْسِ مَا سَلَّمَ فِيهِ) كَأَنْ يَدْفَعَ عَرَضًا فِي عَرَضٍ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ حَدِيدًا فِي حَدِيدٍ، أَوْ حَيَوَانًا فِي حَيَوَانٍ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ فِي مِثْلِهِ قَرْضٌ لَا سَلَمٌ، فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ شُرُوطِ الْقَرْضِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا تَمَحُّضُ النَّفْعِ لِلْمُقْتَرِضِ، وَلَا يُنْظَرُ لِلصِّيغَةِ بِلَا قَرْضٍ، وَلَوْ وَقَعَ عَلَى لَفْظِ السَّلَمِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَأَنْ لَا يَكُونَا طَعَامَيْنِ وَلَا نِدَّيْنِ وَلَا شَيْءَ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَجْوَدَ كَالْعَكْسِ إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ. فَيَجُوزُ سَلَمُ الشَّيْءِ فِي جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَنْفَعَةِ اخْتِلَافًا قَوِيًّا يُصَيِّرُ الشَّيْءَ كَالْجِنْسِ الْآخَرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ دَفْعَ الشَّيْءِ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَجْوَدَ كَعَكْسِهِ مُمْتَنِعٌ وَلَوْ فِي غَيْرِ الطَّعَامَيْنِ وَالنَّقْدَيْنِ، وَالْعِلَّةُ إمَّا سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَقَلَّ أَوْ أَدْنَى، أَوْ تُهْمَةُ ضَمَانٍ يُجْعَلُ إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ أَكْثَرَ أَوْ أَجْوَدَ، وَأَمَّا عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الطَّعَامَيْنِ وَالنَّقْدَيْنِ، وَأَمَّا فِيهِمَا فَيَمْتَنِعُ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِلَفْظِ السَّلَمِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ الْإِطْلَاقِ، وَأَمَّا إنْ وَقَعَ بِلَفْظِ الْقَرْضِ فَيَجُوزُ حَيْثُ تَمَحَّضَ النَّفْعُ لِلْمُقْتَرِضِ، وَسَيَأْتِي الْإِشَارَةُ لِبَعْضِ هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ

(وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يُسْلَمَ شَيْءٌ فِي جِنْسِهِ أَوْ فِيمَا يَقْرُبُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا يُسْلَمُ رَقِيقُ ثِيَابِ الْقُطْنِ فِي رَقِيقِ ثِيَابِ الْكَتَّانِ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الْمُقَارَبَةَ تُصَيِّرُ الْجِنْسَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يُسْلَمُ شَيْءٌ فِي جِنْسِهِ مَحْضُ تَكْرَارٍ مَعَ مَا قَبْلَهُ، وَلَعَلَّهُ كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي خَلِيلٍ أَنَّ الْجِنْسَيْنِ يَجُوزُ سَلَمُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ وَلَوْ تَقَارَبَتْ الْمَنْفَعَةُ فَإِنَّهُ قَالَ مُشَبِّهًا فِي الْجَوَازِ: وَكَالْجِنْسَيْنِ، وَلَوْ تَقَارَبَتْ الْمَنْفَعَةُ كَرَقِيقِ ثِيَابِ الْقُطْنِ فِي رَقِيقِ ثِيَابِ الْكَتَّانِ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى فِي غَلِيظِهِ، فَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَلَامُ أَشْهَبَ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَلِذَا جَرَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ شَيْءٌ فِي جِنْسِهِ أَنْ يَمْتَنِعَ، وَلَوْ حَصَلَ الِاخْتِلَافُ بِالْمَنْفَعَةِ أَوْ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ.

وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مَحَلُّ الْمَنْعِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ الِاخْتِلَافُ، وَإِلَّا جَازَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ خَلِيلٍ فَإِنَّهُ قَالَ: إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ اخْتِلَافًا قَوِيًّا، وَهُوَ فِي الْحَمِيرِ بِالْفَرَاهَةِ وَهِيَ سُرْعَةُ الْمَشْيِ، فَيَجُوزُ سَلَمُ الْحِمَارِ الْفَارِهِ فِي اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا فَرَاهَةَ فِيهَا، وَالْبِغَالُ مِنْ جِنْسِ الْحَمِيرِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَالِاخْتِلَافُ الْقَوِيُّ فِي الْخَيْلِ بِالسَّبْقِ لَا بِالْهَمْلَجَةِ الَّتِي هِيَ حُسْنُ السَّيْرِ، إلَّا أَنْ يَنْضَمَّ لَهَا الْبَرْزَنَةُ بِأَنْ يَصِيرَ جَافِي الْأَعْضَاءِ فَيَجُوزُ سَلَمُ الْهِمْلَاجِ الْغَلِيظِ الْأَعْضَاءِ فِي مُتَعَدِّدٍ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَفِي الْجِمَالِ بِكَثْرَةِ الْحَمْلِ، وَفِي الْبَقَرِ بِالْقُوَّةِ عَلَى الْعَمَلِ، وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ وَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى كَلَامِهِ أَنَّ الْبَقَرَ وَالْجَوَامِيسَ تَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ فِي الْأَمْصَارِ كَمَا تَخْتَلِفُ بِهِ الْمَعْزُ وَالضَّأْنُ، وَصَحَّحَ بَعْضُ الشُّيُوخِ اخْتِلَافَ الضَّأْنِ بِكَثْرَةِ الصُّوفِ، وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَيَخْتَلِفُ بِبُلُوغِ الْغَايَةِ فِي الْغَزْلِ أَوْ الطَّبْخِ أَوْ الْحِسَابِ أَوْ الْكِتَابَةِ، وَالطَّيْرُ بِالتَّعْلِيمِ لِمَنْفَعَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَا بِالْبَيْضِ وَلَا بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ.

الثَّانِي: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا، وَمِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ أَنَّهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَنْفَعَةِ يَجُوزُ سَلَمُ الشَّيْءِ فِي جِنْسِهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُلَ التَّعَدُّدُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، أَوْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ بِمَنْزِلَةِ التَّعَدُّدِ، وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَلَمُ الشَّيْءِ فِي جِنْسِهِ وَكَانَ ظَاهِرُهُ يُوهِمُ عُمُومَ الْمَنْعِ، وَلَوْ عِنْدَ تَسَاوِي الْغَرَضَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ: (إلَّا أَنْ يُقْرِضَهُ قَرْضًا) وَفِي نُسْخَةٍ شَيْئًا بَدَلَ قَرْضًا (فِي مِثْلِهِ صِفَةً، وَمِقْدَارًا) أَيْ فِي الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ.

(وَ) الْحَالُ أَنَّ (النَّفْعَ لِلْمُتَسَلِّفِ) فَقَطْ فَيَجُوزُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَالشَّيْءُ فِي مِثْلِهِ قَرْضٌ وَلَوْ وَقَعَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ الطَّعَامَيْنِ وَالنَّقْدَيْنِ، وَأَمَّا فِيهِمَا فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الْقَرْضِ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا فِيهِ الْكَافِيَةُ.

[بَيْع الدِّين بالدين]

ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسْأَلَةٍ مُشَارِكَةٍ لِمَا قَبْلَهَا فِي عَدَمِ الْجَوَازِ وَهِيَ الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ الْمُشَارُ إلَيْهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْكَالِئِ» بِالْهَمْزِ.

قَالَ اللُّغَوِيُّونَ: وَهُوَ النَّسِيئَةُ أَيْ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ، وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَفَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، وَأَشَارَ إلَيْهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ) أَيْ نَسِيئَةٌ بِنَسِيئَةٍ. فَأَوَّلُ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ لَك عَلَى شَخْصٍ مِائَةُ شَقَّةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>