مَدِينَةَ قَوْمٍ وَيُغِيرُونَ عَلَيْهِمْ فَفَرْضٌ عَلَيْهِمْ دَفْعُهُمْ وَلَا يُسْتَأْذَنُ الْأَبَوَانِ فِي مِثْلِ هَذَا.
ــ
[الفواكه الدواني]
مُطْلَقِ السَّفَرِ إذَا كَانَ يَحِلُّ فِي غَيْبَتِهِ، وَأَوْلَى الْحَالُ بِشَرْطِ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَائِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ أَوْ يُوَكِّلَ مَنْ يُؤَدِّيهِ إذَا كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَائِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَوْ يَأْذَنُ لَهُ الدَّيِّنُ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الدَّيْنِ شَدِيدٌ، فَقَدْ قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: الشَّهَادَةُ تُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الدَّيْنَ لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ مَاتَ مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ أَيْ مَاتَ عَلَى كَلِمَةِ الْإِيمَانِ أَيُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَوَلَّى الرَّجُلُ، فَدَعَاهُ وَأَمَرَ مَنْ دَعَاهُ فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ مَقَالَتَك، فَأَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ إلَّا مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ» . انْتَهَى.
لَكِنْ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: قَدْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِمَا رُوِيَ: أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقْضِي عَنْ دِينِهِ، وَوَرَدَ أَيْضًا: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ وَفَاءُ دَيْنِ مَنْ مَاتَ مُعْسِرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمَّا كَانَ النَّهْيُ مِنْ الْغَزْوِ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبَوَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْغَزْوِ الْوَاجِبِ كِفَايَةً قَالَ: (إلَّا أَنْ يَفْجَأَ الْعَدُوُّ) أَيْ بِغَيْرِ أَنْ يَنْزِلَ، وَإِنْ لَمْ يَغْزُ (مَدِينَةَ قَوْمٍ وَيُغِيرُونَ عَلَيْهِمْ) تَفْسِيرٌ لِيَفْجَأَ، وَلِذَا كَانَ الْوَاجِبُ حَذْفَ النُّونِ مِنْ يُغِيرُونَ؛ لِأَنَّ مُفَسِّرَ الشَّيْءِ يُعْرَبُ بِإِعْرَابِهِ (فَفَرْضٌ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (دَفْعُهُمْ) أَيْ الْعَدُوِّ (وَلَا) يَجِبُ أَنْ (يُسْتَأْذَنَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ (الْأَبَوَانِ فِي مِثْلِ هَذَا) ، وَلَا الرِّجَالُ، وَلَا السَّادَاتُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَتَعَيَّنَ بِفَجْأِ الْعَدُوِّ، وَإِنْ عَلَى امْرَأَةٍ.
قَالَ شُرَّاحُهُ: أَوْ عَبْدٍ وَعَلَى مَنْ بِقُرْبِهِمْ إنْ عَجَزُوا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ الْجِهَادُ عَلَى كُلِّ مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ، وَلَوْ امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا أَوْ مِدْيَانًا، وَعَلَى هَذَا فَيُسْهَمُ لِلْعَبْدِ لِخِطَابِهِ إذْ ذَاكَ، وَمَحَلُّ التَّعْيِينِ وَحُرْمَةُ الْفِرَارِ إنْ بَلَغَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ النِّصْفَ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَإِلَّا جَازَ الْفِرَارُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالْقُيُودُ الْمُتَقَدِّمَةُ تَأْتِي هُنَا، وَلَا يُقَالُ: إنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ الْكِفَائِيِّ، وَهَذَا عَيْنِيٌّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إذَا حَصَلَ الشُّرُوعُ فِي الْقِتَالِ صَارَ عَيْنًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِدَلِيلِ حُرْمَةِ الْفِرَارِ فَافْهَمْ. (خَاتِمَةٌ) لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ كَخَلِيلٍ لِحُكْمِ مَا إذَا تَرَكَ النَّاسُ الْقِتَالَ مَعَ أَهْلِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ الَّتِي فَجَأَ الْعَدُوُّ عَلَى أَهْلِهَا، هَلْ يَضْمَنُونَ لِتَرْكِهِمْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ وَيَصِيرُونَ مِنْ أَفْرَادِ مَنْ تَرَكَ تَخْلِيصَ الْمُسْتَهْلَكِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَضَمِنَ مَارٌّ، إلَى قَوْلِهِ: كَتَرْكِ تَخْلِيصِ مُسْتَهْلَكٍ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَمْ لَا؟ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَؤُلَاءِ كَذَلِكَ، حَيْثُ تَمَكَّنُوا مِنْ تَخْلِيصِهِمْ وَزَجْرِ الْعَدُوِّ عَنْهُمْ وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ.
[بَاب فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور]
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا أَرَادَ ذِكْرَهُ مِنْ فُرُوعِ الْجِهَادِ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْأَيْمَانِ بِقَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute