للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّرْعِ وَلَا فِيمَا اُشْتُرِيَ بَعْدَ أَنْ يَبِسَ مِنْ الثِّمَارِ.

وَتُوضَعُ جَائِحَةُ الْبُقُولِ، وَإِنْ قَلَّتْ وَقِيلَ لَا يُوضَعُ إلَّا قَدْرُ الثُّلُثِ.

وَمَنْ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَقَيَّدْنَا بِتِلْكَ الْمَكِيلَةِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمَكِيلَةُ لَا الْقِيمَةُ، فَإِذَا كَانَ الْمُجَاحُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الْمَكِيلَةِ فَإِنَّهُ لَا يُوضَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ سَاوَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ الْأَقَلِّ نِصْفَ الثَّمَنِ أَوْ جَمِيعَهُ. وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ التَّمَسُّكُ بِالْبَاقِي، وَإِنْ قَلَّ، بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُ قَدْ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي مَعَهُ وَقَدْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّمَسُّكُ بِالْبَاقِي. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَوَائِحَ لِتَكَرُّرِهَا يُعَدُّ الْمُشْتَرِي كَالدَّاخِلِ عَلَى ذَلِكَ وَلِنُدُورِ الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ.

(وَ) مَفْهُومُ قَدْرِ الثُّلُثِ أَنَّ (مَا نَقَصَ عَنْ الثُّلُثِ فَمِنْ الْمُبْتَاعِ) أَيْ مُصِيبَتُهُ مِنْهُ وَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مُجَوِّزٌ لِذَهَابِ مَا نَقَصَ عَنْ الثُّلُثِ بِأَكْلِ طَيْرٍ أَوْ سُقُوطِ بَعْضِ الثَّمَرَةِ بِرِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتُوضَعُ جَائِحَةُ الثِّمَارِ كَالْمَوْزِ وَالْمَقَاثِي، وَإِنْ بِيعَتْ عَلَى الْجَذِّ، وَمِنْ عَرِيَّةٍ لَا مَهْرٍ إنْ بَلَغَتْ ثُلُثَ الْمَكِيلَةِ، وَلَوْ مِنْ كَصَيْحَانِيٍّ وَبَرْنِيِّ وَبَقِيَتْ؛ لِيَنْتَهِيَ طِيبُهَا، وَأُفْرِدَتْ أَوْ أُلْحِقَ أَصْلُهَا لَا عَكْسُهُ أَوْ مَعَهُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى وَضْعِ الْجَوَائِحِ مَا فِي الصَّحِيحِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ» وَفِيهِ أَيْضًا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ بِعْت مِنْ أَخِيك تَمْرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ تَأْخُذَ مَالَ أَخِيك بِغَيْرِ حَقٍّ» وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا أُصِيبَ ثُلُثُ الثَّمَرَةِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ الْوَضْعِيَّةُ» فَمَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُقَيِّدٌ لِإِطْلَاقِ الَّتِي قَبْلَهَا.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّحْدِيدِ بِالثُّلُثِ فِي غَيْرِ مَا ذَهَبَ بِسَبَبِ الْعَطَشِ، وَإِلَّا وُضِعَتْ مُطْلَقًا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتُوضَعُ بِسَبَبِ الْعَطَشِ، وَإِنْ قَلَّتْ؛ لِأَنَّ السَّقْيَ لَمَّا كَانَ عَلَى الْبَائِعِ أَشْبَهَ مَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ.

الثَّانِي: مِثْلُ ذَهَابِ ثُلُثِ الْمَكِيلَةِ ذَهَابُ ثُلُثِ الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا تَعَيَّنَتْ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتَعْيِينُهَا كَذَلِكَ فَإِنَّ التَّشْبِيهَ فِي مُطْلَقِ الذَّهَابِ لَا بِقَيْدِ الْمَكِيلَةِ، فَإِنْ أَذْهَبَ التَّعْيِيبُ ثُلُثَ الْقِيمَةِ وُضِعَ عَنْ الْمُشْتَرِي ثُلُثُ الثَّمَنِ.

وَلَمَّا كَانَ شَرْطُ الْوَضْعِ كَمَا قَدَّمْنَا أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ بَقِيَتْ لِيَنْتَهِيَ طِيبُهَا قَالَ: (وَلَا جَائِحَةَ فِي الزَّرْعِ) كَالْقَمْحِ وَالْفُولِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْحُبُوبِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ إلَّا بَعْدَ يُبْسِهِ وَاسْتِحْصَادِهِ، فَتَأْخِيرُهُ مَحْضُ تَفْرِيطٍ مَعَ الْمُشْتَرِي فَلَا يُوضَعُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ. (وَلَا فِيمَا اُشْتُرِيَ بَعْدَ أَنْ يَبِسَ مِنْ الثِّمَارِ) وَتَنَاهَى طِيبُهُ وَفَاتَ أَوَانُ قَطْعِهِ عَلَى الْمُعْتَادِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ تَنَاهَتْ الثَّمَرَةُ فَلَا جَائِحَةَ كَالْقَصَبِ الْحُلْوِ وَيَابِسِ الْحَبِّ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ مَا ذَكَرَ بَعْدَ زَمَانِ قَطْعِهِ عَلَى الْعَادَةِ مَحْضُ تَفْرِيطٍ، فَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي جَمِيعُ الثَّمَنِ، وَلَوْ أَذْهَبَتْ الْجَائِحَةُ جَمِيعَهُ، وَأَمَّا لَوْ أَصَابَتْهُ الْجَائِحَةُ فِي الزَّمَانِ الَّذِي تُقْطَعُ فِيهِ عَلَى الْعَادَةِ لَحُطَّتْ عَنْهُ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِمَنْزِلَةِ تَأْخِيرِهَا لِتَنَاهِي طِيبِهَا.

(تَنْبِيهٌ) . فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ بَيْعِ الْحُبُوبِ فِي الْأَنْدَرِ لَكِنْ عَلَى تَفْصِيلٍ مُحَصَّلُهُ: إنْ وَقَعَ بَعْدَ صَيْرُورَتِهَا صُبْرَةً فَلَا خِلَافَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي الْجَوَازِ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الْكَيْلِ أَوْ الْجُزَافِ بِشُرُوطِهِ، وَأَمَّا إنْ وَقَعَ الْبَيْعُ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ نَقْشِهِ وَقَبْلَ دَرْسِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ، وَأَمَّا بَعْدَ دَرْسِهِ وَقَبْلَ تَذْرِيَتِهِ فَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ بَيْعُ حِنْطَةٍ فِي سُنْبُلٍ وَتِبْنٍ، وَإِنْ بِكَيْلِ وَقْتٍ جُزَافًا لَا مَنْفُوشًا، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ بَهْرَامُ: وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي جَوَازِ بَيْعِ الزَّرْعِ قَائِمًا لَكِنْ بِشُرُوطِ الْجُزَافِ، وَيَجُوزُ الْمُبْتَغَى مِنْهُ مِنْ حَبٍّ وَغَيْرِهِ كَالْبِرْسِيمِ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت.

وَلَمَّا كَانَ شَرْطُ التَّحْدِيدِ بِالثُّلُثِ مُخْتَصًّا بِالثِّمَارِ قَالَ: (وَتُوضَعُ) عَنْ الْمُشْتَرِي (جَائِحَةُ الْبُقُولِ، وَإِنْ قَلَّتْ) وَنَقَصَتْ عَنْ الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُجَاحُ شَيْئًا قَلِيلًا جِدًّا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتُوضَعُ مِنْ الْعَطَشِ، وَإِنْ قَلَّتْ كَالْبُقُولِ تَشْبِيهٌ فِي الْوَضْعِ، وَإِنْ قَلَّتْ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْعَطَشِ، وَالْمُرَادُ بِالْبُقُولِ مَا لَا تَطُولُ مُدَّتُهُ فِي الْأَرْضِ كَالْخَسِّ وَالْجَزَرِ وَالسَّلْقِ وَالْكُزْبَرَةِ وَالْهُنْدُبَا وَالزَّعْفَرَانِ وَالرِّيحَانِ وَالْقَرَظِ وَوَرَقِ التُّوتِ وَالْبَصَلِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تُوضَعُ مِنْهَا، وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ الثُّلُثِ لِعُسْرِ مَعْرِفَةِ ثُلُثِهَا؛ لِأَنَّهَا تُقْطَعُ شَيْئًا فَشَيْئًا. (وَقِيلَ لَا يُوضَعُ إلَّا قَدْرُ الثُّلُثِ) قِيَاسًا عَلَى الثَّمَرَةِ وَهَذَا خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ. وَالْمُعْتَمَدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ وَضْعِهَا مُطْلَقًا وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَكَى هَذَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ.

(تَنْبِيهٌ) . فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ بَيْعِ مَغِيبِ الْأَصْلِ كَالْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَالْفُجْلِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْبُقُولِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي حَالِ بَيْعِهَا أَنْ يُقْلَعَ مِنْهَا شَيْءٌ وَيَرَاهُ الْمُشْتَرِي كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِهَا، وَلَكِنْ ذَكَرَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ أَنَّهُ يَكْفِي فِي جَوَازِ بَيْعِ مَغِيبِ الْأَصْلِ رُؤْيَةُ ظَاهِرِهِ، أَيْ؛ لِأَنَّهُ بِرُؤْيَةِ وَرَقِهِ يُسْتَدَلُّ عَلَى مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ كِبَرٍ وَصِغَرٍ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ لِأَرْبَابِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ.

(خَاتِمَةٌ عَزِيزَةُ الْوُجُودِ) . مِمَّا هُوَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْجَائِحَةِ عَدَمُ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، مِنْ ذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ وَرَقَ تُوتٍ لِيُطْعِمَهُ لِدُودِ الْحَرِيرِ فَيَمُوتَ الدُّودُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا لَوْ اكْتَرَى حَمَّامًا أَوْ فُنْدُقًا فِي بَلَدٍ فَخُلِّيَ الْبَلَدُ وَلَوْ يُوجَدْ مَنْ يَتَحَمَّمُ أَوْ يَسْكُنُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَنْ اشْتَرَى ثَمَرَةً لِيَبِيعَهَا فِي بَلَدٍ فَخَرِبَ الْبَلَدُ، أَوْ اشْتَرَى عَلَفًا لِيَبِيعَهُ لِقَافِلَةٍ تَأْتِي مِنْ طَرِيقٍ مَعْرُوفَةٍ فَعَدَلَتْ عَنْهُ، وَوَجْهُ تَنَزُّلِ مَا ذُكِرَ مَنْزِلَةَ الْجَائِحَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَهُ الْفَسْخُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الثَّمَنُ أَوْ الْكِرَاءُ.

[حُكْمِ شِرَاءِ الْعَرَايَا]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى إطْعَامِ الْجَائِحَةِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ شِرَاءِ الْعَرَايَا جَمْعُ عَرِيَّةٍ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>