أَعْرَى ثَمَرَ نَخَلَاتٍ لِرَجُلٍ مِنْ جِنَانِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا إذَا أَزْهَتْ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يُعْطِيهِ ذَلِكَ عِنْدَ الْجِذَاذِ إنْ كَانَ فِيهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَأَقَلُّ وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ إلَّا بِالْعَيْنِ وَالْعَرْضِ.
ــ
[الفواكه الدواني]
مُشْتَقَّةٌ مِنْ عَرَوْتُهُ أَعْرُوهُ إذَا طَلَبْتُ مَعْرُوفَهُ، فَعَرِيَّةٌ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَحَقِيقَتُهَا كَمَا قَالَ بَعْضٌ: هِبَةُ ثَمَرَةٍ تَيْبَسُ لِشَخْصٍ يَأْكُلُهَا هُوَ أَوْ عِيَالُهُ فِي عَامٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ثَمَرِ النَّخْلِ وَغَيْرِهِ فَقَالَ: (وَمَنْ أَعْرَى) أَيْ وَهَبَ (ثَمَرَ نَخَلَاتٍ) أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا تَيْبَسُ ثَمَرَتُهُ بِالْفِعْلِ إذَا تُرِكَتْ، وَلَا يَكْفِي يُبْسُ نَوْعِهَا وَذَلِكَ كَثَمَرِ نَخْلٍ غَيْرِ مِصْرَ وَجَوْزٍ وَلَوْزٍ، كَذَلِكَ لَا ثَمَرَ مَا ذُكِرَ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَلَا فِي مَوْزٍ وَلَا رُمَّانٍ وَلَا تُفَّاحٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَيْبَسُ (لِرَجُلٍ) الْمُرَادُ لِشَخْصٍ وَلَوْ امْرَأَةً (مِنْ جِنَانِهِ) أَيْ الْمُعْرِي. وَأَمَّا لَوْ أَعْرَى رَجُلًا ثَمَرَ نَخْلٍ آخَرَ لَكَانَتْ عَرِيَّتُهُ بَاطِلَةً؛ لِأَنَّ تَبَرُّعَ الْإِنْسَانِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ بَاطِلٌ، وَإِنْ أَجَازَ الْغَيْرُ كَانَ ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ مِنْهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ بَيْعِ مِلْكِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ يَمْضِي بِإِجَازَتِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ، وَلَا يُحْتَرَزُ بِقَوْلِ مِنْ جِنَانِهِ عَنْ عَرِيَّةِ جَمِيعِ ثَمَرِ الْحَائِطِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَمِنْ شَرْطِيَّةٍ، وَأَعْرَى فِعْلُ الشَّرْطِ وَجَوَابُهُ (فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا) أَيْ يَجُوزُ لِمُعْرِيهَا شِرَاؤُهَا (بِخِرْصِهَا) بِكَسْرِ الْخَاءِ أَيْ بِكَيْلِهَا (تَمْرًا) قَالَ خَلِيلٌ: وَرُخِّصَ لِمُعْرٍ وَقَائِمٍ مَقَامَهُ، وَإِنْ بِاشْتِرَاءِ الثَّمَرَةِ فَقَطْ اشْتِرَاءَ ثَمَرَةٍ تَيْبَسُ كَلَوْزٍ لَا كَمَوْزٍ، وَتِلْكَ الرُّخْصَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ أُصُولٍ مَمْنُوعَةٍ رِبَا الْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِيهَا بِنَوْعِهَا وَخِرْصِهَا مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ، وَالشَّكُّ فِي التَّمَاثُلِ كَتَحَقُّقِ التَّفَاضُلِ وَرِبَا النَّسَاءِ؛ لِأَنَّهَا تُبَاعُ بِخِرْصِهَا إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ الْوَفَاءَ عِنْدَ الْجِذَاذِ.
وَالْمُزَابَنَةُ، وَهِيَ بَيْعُ الْمَجْهُولِ بِالْمَعْلُومِ مِنْ نَوْعِهِ وَالرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ فِي هَذَا الْأَخِيرِ الْكَرَاهَةَ، وَمَعْنَى رُخِّصَ أُبِيحَ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ هُنَا جَائِزَةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهَا مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخِرْصِهَا مِنْ الثَّمَرِ بِمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي، وَحَدِيثِ سَهْلٍ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ» إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخِرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا، وَأَشَارَ إلَى شُرُوطِ الْجَوَازِ بِقَوْلِهِ: (إذَا أَزْهَتْ) أَيْ بَدَا صَلَاحُهَا فَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَصَّ بِالْعَرِيَّةِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ لِكَوْنِ شِرَائِهَا رُخْصَةً حَتَّى قَالَ الْبَاجِيُّ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ، وَفَسَّرْنَا الزُّهُوَّ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِالْبَلَحِ الْمُخْتَصِّ بِالزُّهُوِّ الَّذِي هُوَ الِاحْمِرَارُ أَوْ الِاصْفِرَارُ.
وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ بِخِرْصِهَا أَيْ بِكَيْلِهَا بِأَنْ يَقُولَ الْخَارِصُ أَيْ الْحَازِرُ الْعَارِفُ: إذَا جَفَّتْ تَصِيرُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ أَقَلَّ، فَيُعْطَى الْمُعْرَى بِالْفَتْحِ مَكِيلَةَ ذَلِكَ الْقَدْرِ عِنْدَ الْجِذَاذِ، وَإِذَا جُذَّتْ فَوُجِدَتْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّ الْمُعْرِي بِالْكَسْرِ يَرْجِعُ عَلَى الْمُعْرَى بِالْفَتْحِ فِي الْأَوَّلِ، وَيَرْجِعُ الْمُعْرَى بِالْفَتْحِ عَلَى الْمُعْرِي بِالْكَسْرِ فِي الثَّانِي، وَقِيلَ إنَّهُ حُكْمٌ مَضَى. وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ خِرْصُهَا مِنْ نَوْعِهَا، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الصَّيْحَانِيِّ عَنْ الْبَرْنِيِّ وَلَا الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ، وَأَوْلَى فِي الْمَنْعِ بَيْعُهَا بِعَرَضٍ أَوْ دِرْهَمٍ،، وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنْ (يُعْطِيَهُ) أَيْ الْمُعْرِي بِالْكَسْرِ لِلْمُعْرَى بِالْفَتْحِ (ذَلِكَ) الْخِرْصَ (عِنْدَ الْجِذَاذِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ قَطْعِ الثَّمَرَةِ. وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَرِيَّةُ أَكْثَرَ، وَإِلَى هَذَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (إنْ كَانَ فِيهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَأَقَلُّ) وَلِذَلِكَ قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ) لِلْمُعْرِي بِالْكَسْرِ (شِرَاءُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ إلَّا بِالْعَيْنِ وَالْعَرَضِ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَأَقَلُّ، فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْأَكْثَرِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِخِرْصِهَا وَالزَّائِدُ يَشْتَرِيهِ بِعَيْنٍ أَوْ عَرَضٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ.
قَالَ خَلِيلٌ: لَا يَجُوزُ أَخْذُ زَائِدٍ عَلَيْهِ مَعَهُ بِعَيْنٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ، وَمَعَهُ لِلْقَدْرِ الْمُرَخَّصِ فِي شِرَائِهِ، وَأَمَّا شِرَاءُ جَمِيعِ الثَّمَرَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِعَيْنٍ أَوْ عَرَضٍ فَيَجُوزُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَمَفْهُومُ كَلَامِ خَلِيلٍ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْعَرِيَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَأَمَّا لَوْ أَعْرَاهُ عَرَايَا فِي حَوَائِطَ فِي أَوْقَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ لَجَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ كُلِّ حَائِطٍ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ لَا إنْ كَانَتْ الْعَرَايَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَكَعَرِيَّةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَشْتَرِي مِنْهَا إلَّا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا كُلِّهِ بَيْنَ تَعَدُّدِ الْمُعْرَى بِالْفَتْحِ وَاتِّحَادِهِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ خَلِيلٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمَوَّاقُ (تَنْبِيهٌ) . اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَسْتَوْفِ شُرُوطَ الْعَرِيَّةِ.
وَإِنَّمَا اسْتَوْفَاهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَرُخِّصَ لِمُعْرٍ وَقَائِمٍ مَقَامَهُ، وَإِنْ بِاشْتِرَاءِ الثَّمَرَةِ فَقَطْ اشْتِرَاءَ ثَمَرَةٍ تَيْبَسُ إنْ لَفْظَ بِالْعَرِيَّةِ وَبَدَا صَلَاحُهَا وَكَانَ بِخِرْصِهَا وَنَوْعِهَا، وَأَنْ لَا يَدْخُلَا عَلَى شَرْطِ تَعْجِيلِهَا بَلْ دَخَلَا عَلَى الْوَفَاءِ عِنْدَ الْجِذَاذِ أَوْ سَكَتَا وَلَوْ عَجَّلَ الْخِرْصَ بَعْدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ لَوْ شَرَطَا التَّعْجِيلَ فَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا، وَلَوْ جَذَّهَا رُطَبًا رَدَّ الْمِثْلَ إنْ وُجِدَ، وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ، وَأَنْ يَكُونَ الِاشْتِرَاءُ إمَّا لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِدُخُولِ الْمُعْرَى بِالْفَتْحِ حَائِطَ الْمُعْرِي بِالْكَسْرِ، أَوْ لِلْمَعْرُوفِ رِفْقًا بِالْمُعْرَى بِالْفَتْحِ بِكِفَايَتِهِ الْحِرَاسَةَ وَالْمُؤْنَةَ. وَأَمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُرَخَّصُ فِي شِرَائِهَا، كَمَا لَا يُرَخَّصُ لِغَيْرِ الْمُعْرِي بِالْكَسْرِ لِمَا عَلِمْت مِنْ اسْتِثْنَائِهَا مِنْ أُصُولٍ مَمْنُوعَةٍ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى عُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَعْضِ أَنْوَاعِ الْقُرَبِ فَقَالَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute