الشَّهَادَةُ فِي حِيَازَتِهِ إلَّا بِمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ.
وَضَمَانُ الرَّهْنِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَا يَضْمَنْ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ.
وَثَمَرَةُ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَالْوَقْفِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ جِهَةِ تَوَقُّفِ التَّمَامِ عَلَى الْحِيَازَةِ ذَكَرَهُ عَقِبَهُ فَقَالَ: (وَالرَّهْنُ) لُغَةً اللُّزُومُ وَالْحُبُسُ وَشَرْعًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَالٌ قُبِضَ تَوَثُّقًا بِهِ فِي دَيْنٍ، فَلَا يَصِحُّ فِي مُعَيَّنٍ وَلَا فِي مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ، وَعَرَّفَهُ خَلِيلٌ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ بِقَوْلِهِ: الرَّهْنُ بَذْلُ مَنْ لَهُ الْبَيْعُ مَا يُبَاعُ أَوْ غَرَرًا وَلَوْ اشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ وَثِيقَةً بِحَقٍّ، وَمَعْنَى التَّوَثُّقِ بِالرَّهْنِ بَيْعُهُ فِي الدَّيْنِ إذَا عَجَزَ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ عَنْ وَفَائِهِ، وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَهُ بِقَوْلِهِ: (جَائِزٌ) حَضَرًا وَسَفَرًا عِنْدَ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] . وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ» .
وَفِي الْبُخَارِيِّ أَيْضًا: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تُوُفِّيَ وَلَهُ دِرْعٌ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» . وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ خَصَّ الْجَوَازَ بِالسَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ مُسْتَدِلًّا بِظَاهِرِ آيَةِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: ٢٨٣] لِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ السَّفَرَ لِعَدَمِ وُجُودِ الْكَاتِبِ الَّذِي هُوَ الْبَيِّنَةُ فِيهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ لِلرَّهْنِ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: الرَّاهِنُ وَهُوَ دَافِعُ الرَّهْنِ، وَالْمُرْتَهِنُ وَهُوَ الْقَابِضُ لَهُ وَشَرْطُهُمَا التَّأَهُّلُ لِلْبَيْعِ صِحَّةً وَلُزُومًا، فَيَصِحُّ مِنْ الْمُمَيِّزِ وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا وَيَلْزَمُ مِنْ الْمُكَلَّفِ الرَّشِيدِ.
وَالثَّالِثُ: الشَّيْءُ الْمَرْهُونُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَوْفَى الدَّيْنُ مِنْهُ أَوْ مِنْ ثَمَنِ مَنَافِعِهِ، فَيَدْخُلَ رَهْنُ الشَّيْءِ الْمُعَارِ لِلرَّهْنِ وَالدَّيْنُ وَوَثِيقَتُهُ، لِجَوَازِ بَيْعِهَا وَبَيْعِ مَا فِيهَا مِنْ الدَّيْنِ، لَكِنَّ صِحَّةَ رَهْنِ الدَّيْنِ مَشْرُوطَةٌ بِكَوْنِ أَجَلِهِ مِثْلَ أَجَلِ الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ فِيهِ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ، لَا إنْ كَانَ يَحِلُّ قَبْلَ الْمَرْهُونِ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَدَائِهِ إلَى الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ وَهُوَ انْتِفَاعُهُ بِهِ فِي بَقِيَّةِ الْأَجَلِ، وَيَدْخُلُ رَهْنُ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَاصِبِهِ، وَيَكْفِي فِي الصِّحَّةِ الْعَزْمُ عَلَى الرَّدِّ، وَيَنْتَقِلُ مِنْ ضَمَانِ الْعَزَاءِ إلَى ضَمَانِ الرَّهْنِ، وَيَدْخُلُ رَهْنُ الشَّيْءِ الْآبِقِ وَالشَّارِدِ لِخِفَّةِ غَرَرِهِمَا، بِخِلَافِ مَا اشْتَدَّ غَرَرُهُ أَوْ حُرِّمَ تَمَلُّكُهُ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ فَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا.
الرَّابِعُ: الْمَرْهُونُ فِيهِ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ، فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ فِي مُعَيَّنٍ وَلَا فِي مَنْفَعَتِهِ لِاسْتِحَالَةِ اسْتِيفَاءِ الدَّافِعِ الْعَيِّنَةَ أَوْ مَنْفَعَتَهَا مِنْ ذَاتِ ثَمَرِ الرَّهْنِ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الدَّيْنُ لَازِمًا أَوْ صَائِرًا إلَى اللُّزُومِ، كَالْجَعْلِ بَعْدَ الْعَمَلِ لَا كَكِتَابَةٍ وَجَعْلٍ قَبْلَ الْعَمَلِ.
(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ صِيغَةَ الرَّهْنِ، وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ الْخِلَافَ فِيهَا بِقَوْلِهِ: فَفِي افْتِقَارِ الرَّهْنِ لِلَفْظٍ مُصَرَّحٍ بِهِ تَأْوِيلَانِ مُفَرَّعَانِ عَلَى تَأْوِيلَيْنِ فِيمَا لَوْ قَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ: أَنْفِقْ عَلَيَّ الرَّهْنَ وَنَفَقَتَهُ فِي الرَّهْنِ هَلْ يَكُونُ رَهْنًا فِيهَا بِنَاءً عَلَى افْتِقَارِهِ لِلَفْظٍ مُصَرِّحٍ بِهِ أَوْ لَا يَكُونُ رَهْنًا بِنَاءً عَلَى افْتِقَارِهِ لِلَفْظٍ مُصَرِّحٍ بِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ ابْنُ يُونُسَ وَالثَّانِي ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ شَبْلُونٍ. (وَلَا يَتِمُّ) الرَّهْنُ بِحَيْثُ يَخْتَصُّ بِهِ مُرْتَهِنُهُ دُونَ بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ (إلَّا بِالْحِيَازَةِ) قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ مِنْ مَوْتٍ أَوْ فَلَسٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَبَطَلَ بِمَوْتِ رَاهِنِهِ أَوْ فَلَسِهِ قَبْلَ حَوْزِهِ وَلَوْ جَدَّ فِيهِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَإِنَّ الْجَدَّ فِيهِمَا بِمَنْزِلَةِ حَوْزِهِمَا، لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ رَاهِنِهِ بِخِلَافِهِمَا.
(تَنْبِيهٌ) لَوْ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ وَضْعِ الرَّهْنِ تَحْتَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَطَلَبَ وَضْعَهُ عِنْدَ أَمِينٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَعَكْسِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَمِينِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ الْحَاكِمُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَكْفِي وَمَا لَا يَكْفِي مِنْ الْحِيَازَةِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا تَنْفَعُ الشَّهَادَةُ فِي) أَيْ عَلَى مُجَرَّدِ (حِيَازَتِهِ) بَلْ لَا تُعْتَبَرُ الْحِيَازَةُ (إلَّا بِمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ) لِحَوْزِ الْمُرْتَهِنِ لَهُ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ لِلرَّاهِنِ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى التَّحْوِيزِ وَهُوَ شَهَادَتُهَا عَلَى مُعَايَنَةِ تَسْلِيمِ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ لِلْمُرْتَهِنِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ لِلْقَوْلَيْنِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَهَلْ يَكْفِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْحَوْزِ قَبْلَهُ وَبِهِ عَمِلَ أَوْ التَّحْوِيزُ وَفِيهَا دَلِيلُهُمَا.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ اشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْحِيَازَةِ قَبْلَ الْمَانِعِ أَوْ عَلَى التَّحْوِيزِ، أَنَّهُ لَوْ وُجِدَتْ سِلْعَةٌ لِلْمِدْيَانِ بِيَدِ صَاحِبِ الدَّيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمِدْيَانِ أَوْ فَلَسِهِ وَادَّعَى أَنَّهَا رَهْنٌ عِنْدَهُ وَحَازَهَا قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ لَمْ يُصَدَّقْ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَالْحَوْزُ بَعْدَ مَانِعِهِ لَا يُفِيدُ وَلَوْ شَهِدَ الْأَمِينُ، لِأَنَّ الْمُرَادَ وَدَعْوَى الْحَوْزِ بَعْدَ مَانِعِهِ لَا تُفِيدُ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى الْحَوْزِ قَبْلَ الْمَانِعِ، أَوْ تَشْهَدُ عَلَى التَّحْوِيزِ الَّذِي هُوَ أَخَصُّ مِنْ الْحَوْزِ.
الثَّانِي: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْبَيِّنَةَ الشَّاهِدَةَ عَلَى الْحَوْزِ، وَفِي بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيِّنَةِ هُنَا وَلَوْ الْوَاحِدُ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى مَالٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَخَلِيلٍ حُكْمَ مَا لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ عَلَى الْحَوْزِ قَبْلَ الْمَانِعِ وَشَهِدَ عَدْلَانِ عَلَى عَدَمِ الْحَوْزِ، وَنَصَّ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ عَلَى الْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ بِالْحَوْزِ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ وَتِلْكَ نَافِيَةٌ، وَالْمُثْبِتَةُ تُقَدَّمُ عَلَى النَّافِيَةِ.
الثَّالِثُ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا لَوْ طَلَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ قَبْضَ الرَّهْنِ وَامْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ دَفْعِهِ، وَذَكَرَ خَلِيلٌ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ إنْ كَانَ مُعَيِّنًا وَمُشْتَرِطًا فِي صُلْبِ عَقْدِ الْمُعَامَلَةِ وَإِلَّا لَزِمَهُ رَهْنُ ثِقَةٍ، وَنَصُّهُ: وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ إنْ شَرَطَ بِبَيْعٍ وَعَيَّنَ وَإِلَّا فَرَهْنُ ثِقَةٍ، وَالْمُرَادُ بِالرَّهْنِ الثِّقَةِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِلدَّيْنِ.
[ضَمَانُ الرَّهْنِ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى