للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّلَفَ مِنْ إجَارَةٍ أَوْ كِرَاءٍ.

وَالسَّلَفُ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْجَوَارِي وَكَذَلِكَ تُرَابُ الْفِضَّةِ

وَلَا تَجُوزُ الْوَضِيعَةُ مِنْ

ــ

[الفواكه الدواني]

كَالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَكِبَرِ صَغِيرِ الْحَيَوَانِ، وَهُزَالِهِ، وَبِالْخُرُوجِ عَنْ يَدِ مُشْتَرِيهِ بِأَنْ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ أَوْ، وَهَبَهُ أَوْ وَقَفَهُ، وَبِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ بِأَنْ رَهَنَهُ أَوْ آجَرَهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَقَارِ أَنْ يُرَادَ لِلْقُنْيَةِ لَا لِلتِّجَارَةِ فَلَا يُطْلَبُ فِيهِ كَثْرَةُ ثَمَنٍ، وَالْأَصْلُ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ الْقَضَاءُ بِالْمِثْلِ فَلَا يَفُوتَانِ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ.

وَأَمَّا زَرْعُ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا فَلَا يُفِيتُهَا وَتُرَدُّ، ثُمَّ إنْ كَانَ الرَّدُّ فِي الْإِبَّانِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي الْكِرَاءُ، وَلَا يُقْلَعُ زَرْعُهُ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ شُبْهَةٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ فَوَاتِهِ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا غَرْسُهَا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ مُحَصَّلُهُ: إنْ عَظُمَتْ مُؤْنَتُهُ وَكَانَ مُحِيطًا بِهَا فَاتَتْ كُلُّهَا، وَإِنْ كَانَ الْبَيَاضُ أَكْثَرَهَا، وَإِنْ كَانَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ فَوْقَ نِصْفِهَا فَاتَ جَمِيعُهَا بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِهَا فَلَا يَفُوتُ مِنْهَا شَيْءٌ وَتُرَدُّ كُلُّهَا وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ غَرْسِهِ قَائِمًا، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْجِهَةُ الرُّبُعَ فَأَكْثَرَ إلَى الثُّلُثِ أَوْ حَتَّى النِّصْفِ عَلَى مَا عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ تَفُوتُ تِلْكَ الْجِهَةُ فَقَطْ، وَالْبِنَاءُ حُكْمُ الْغَرْسِ فِي التَّفْصِيلِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَفَاتَتْ بِهِمَا جِهَةٌ هِيَ الرُّبُعُ فَقَطْ لَا أَقَلُّ وَلَهُ الْقِيمَةُ قَائِمًا.

[بَاب السَّلَم]

وَلَمَّا كَانَ السَّلَفُ الَّذِي يَجُرُّ نَفْعًا شَبِيهًا بِالْمَبِيعِ فَاسِدًا فِي وُجُوبِ فَسْخِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَبَعْدَ فَوَاتِهِ يُرَدُّ إلَى فَاسِدِ أَصْلِهِ، وَهُوَ الْبَيْعُ ذَكَرَهُ عَقِبَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ) أَيْ يَحْرُمُ (سَلَفٌ يَجُرُّ نَفْعًا) لِغَيْرِ الْمُقْتَرِضِ بِأَنْ يَجُرَّ لِلْمُقْرِضِ بِكَسْرِ الرَّاءِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُقْتَرِضِ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ، فَلَا يَقَعُ جَائِزًا إلَّا إذَا تَمَحَّضَ النَّفْعُ لِلْمُقْتَرِضِ، فَلَا يَجُوزُ إقْرَاضُ الْمَقْصُوصِ لِيَأْخُذَ جَيِّدًا، وَلَا الْحَبِّ الْقَدِيمِ لِيَأْخُذَ جَيِّدًا، وَأَحْرَى الدُّخُولُ عَلَى أَكْثَرِ كَمِّيَّةٍ فَإِنَّهُ مَحْضُ رِبًا لِقَوْلِ ابْنِ يُونُسَ: مِنْ أَرْبَى الرِّبَا مَا جَرَّ مِنْ السَّلَفِ نَفْعًا، كَشَرْطِ عَفَنٍ بِسَالِمٍ، وَكَدَفْعِ ذَاتٍ يَشُقُّ حَمْلُهَا لِيَأْخُذَ بَدَلَهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ وَقَصْدُهُ بِذَلِكَ إرَاحَتُهُ مِنْ حَمْلِهَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ كَثْرَةَ الْخَوْفِ فِي الطَّرِيقِ فَلَا مَنْعَ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَكَعَيْنٍ عَظُمَ حَمْلُهَا كَسُفْتَجَةٍ إلَّا أَنْ يَعُمَّ الْخَوْفُ فَيَجُوزَ أَنْ يُسَلِّفَهَا فِي مَحَلِّهَا وَيَأْخُذَ سَفْتَجَةً أَيْ وَرَقَةً مَكْتُوبًا فِيهَا لِوَكِيلِ الْمُتَسَلِّفِ بِإِعْطَاءِ مِثْلِ الذَّاتِ الْمَدْفُوعَةِ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ، وَمَحَلِّ الْمَنْعِ، إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ نَفْعُ الْمُقْتَرِضِ فَقَطْ، وَإِلَّا جَازَ كُلُّ مَا مُنِعَ.

١ -

(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ مَا إذَا وَقَعَ الْقَرْضُ الْمَمْنُوعُ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُرَدُّ أَنْ يَفُوتَ بِمَا يَفُوتُ بِهِ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ فَلَا يُرَدُّ وَيَلْزَمُ الْمُقْتَرِضَ الْقِيمَةُ فِي الْمُقَوَّمِ، وَالْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ رَدًّا لَهُ إلَى فَاسِدِ أَصْلِهِ، وَهُوَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ الَّذِي هُوَ السَّلَفُ فَرْعٌ وَالْبَيْعَ أَصْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ مُسْتَثْنًى مِنْ أَصْلٍ إذَا وَقَعَ فَاسِدًا يُرَدُّ إلَى فَاسِدِ أَصْلِهِ لَا إلَى صَحِيحِ نَفْسِهِ، وَوَجْهُ اسْتِثْنَاءِ الْقَرْضِ مِنْ الْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَالْقَرْضُ كَذَلِكَ، لَكِنْ أَخْرَجُوا الْقَرْضَ مِنْ الْبَيْعِ حَيْثُ أَجَازُوا فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ إقْرَاضُ الْمَجْهُولِ كَمِلْءِ غِرَارَةٍ بِمِثْلِهَا عَدَمُ مَعْرِفَةِ مَا فِيهَا وَالدُّخُولُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجُزَافَ الْمَدْخُولَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَيَجُوزُ فِيهِ جَهْلُ الْأَجَلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَيُقْرَضُ مَا لَا يُبَاعُ كَجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الِاسْتِثْنَاءِ الرِّفْقُ بِالْمُتَسَلِّفِ حَيْثُ يَجُوزُ فِي السَّلَفِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ.

(وَلَا يَجُوزُ) أَيْضًا اشْتِرَاطُ (بَيْعٍ وَسَلَفٍ) «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» ، وَحَمَلَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ النَّهْيَ عَلَى شَرْطٍ يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ أَوْ يُخِلُّ بِالثَّمَنِ، فَاَلَّذِي يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ كَأَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَبِيعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ أَصْلًا أَوْ إلَّا مِنْ نَفَرٍ قَلِيلٍ، أَوْ لَا يَطَأَهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً، أَوْ لَا يَفْعَلَ بِهَا شَيْئًا مِمَّا تُرَادُ لَهُ، أَوْ شَرْطٍ يُخِلُّ بِالثَّمَنِ كَشَرْطِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ. وَمَعْنَى إخْلَالِهِ بِالثَّمَنِ أَنَّهُ يَقْتَضِي إمَّا كَثْرَتَهُ إنْ كَانَ الشَّرْطُ مِنْ الْمُشْتَرِي، أَوْ نَقْضَهُ إنْ كَانَ الشَّرْطُ مِنْ الْبَائِعِ. وَأَمَّا اجْتِمَاعُ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَوْ اُتُّهِمَا عَلَيْهِ، خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ.

(تَنْبِيهٌ) . إذَا عَلِمْتَ مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ ظَهَرَ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ فِي اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَأَنَّ مَحَلَّ الْفَسَادِ عِنْدَ الشَّرْطِ حَيْثُ لَمْ يُسْقِطَاهُ، وَالْأَصَحُّ الْبَيْعُ حَيْثُ أَسْقَطَاهُ قَبْلَ فَوَاتِ السِّلْعَةِ، بِخِلَافِ إسْقَاطِهِ بَعْدَ فَوَاتِهَا فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الصِّحَّةَ، وَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ إنْ كَانَ هُوَ الْمُسَلِّفَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَلَّفَ الْبَائِعَ أَخَذَهَا بِالنَّقْصِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُسَلِّفُ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي لَهُ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي قَدْ غَابَ عَلَى السَّلَفِ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْحَطَّابُ، وَهَذَا فِي الْمَبِيعِ الْمُقَوَّمِ، وَأَمَّا الْمِثْلِيُّ فَالْوَاجِبُ مِثْلُهُ مُطْلَقًا، هَذَا حُكْمُ الشَّرْطِ الْمُخِلِّ بِالثَّمَنِ، وَأَمَّا حُكْمُ الشَّرْطِ الْمُنَاقِضِ لِلْمَقْصُودِ كَمَوْتِ الْجَارِيَةِ الَّتِي شَرَطَ بَائِعُهَا عَلَى مُشْتَرِيهَا أَنْ لَا يَطَأَهَا أَوْ أَنْ لَا يَبِيعَهَا فَنَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّ لِلْبَائِعِ الْأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ قَبْضِهَا، وَمِنْ ثَمَنِهَا.

(كَذَلِكَ) أَيْ لَا يَجُوزُ (مَا) أَيْ عَقَدَ (قَارِنُ السَّلَفِ) وَبَيْنَ عُمُومِ مَا يَقُولُهُ (مِنْ إجَارَةٍ أَوْ إكْرَاءٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ بَيْعٌ وَسَلَفٌ» فَكَمَا لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ السَّلَفِ مَعَ الْبَيْعِ، لَا يَجُوزُ شَرْطُ السَّلَفِ مَعَ الْإِجَارَةِ أَوْ الْكِرَاءِ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْبَيْعِ بَلْ النِّكَاحُ وَالشَّرِكَةُ وَالْقِرَاضُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالصَّرْفُ لَا يَجُوزُ شَرْطُ السَّلَفِ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>