للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلْيَرُدَّ مِثْلَهُ وَلَا تُفِيتُ الرِّبَاعُ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ.

وَلَا يَجُوزُ سَلَفٌ يَجُرُّ مَنْفَعَةً.

وَلَا يَجُوزُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَكَذَلِكَ مَا قَارَنَ

ــ

[الفواكه الدواني]

الصَّحِيحَ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ؛ لِأَنَّ مِنْهُ مَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُهُ لِلْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ عَقْدِهِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ تُوفِيهِ وَوَقَعَ بَتًّا، وَمِنْهُ لَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُهُ إلَّا بِقَبْضِهِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ، وَقَبَضَهُ بِكَيْلِ مَا يُكَالُ أَوْ وَزْنِ مَا يُوزَنُ أَوْ عَدِّ مَا يُعَدُّ، وَمِثْلُ مَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةِ الْمَحْبُوسَةِ لِلثَّمَنِ أَوْ لِإِشْهَادٍ لَا يَضْمَنُهَا الْمُشْتَرِي لَا بِقَبْضِهَا؛ لِأَنَّهَا عِنْدَ بَائِعِهَا كَالرَّهْنِ، وَكَذَلِكَ الْغَائِبُ الْمُشْتَرِي عَلَى صِفَةٍ أَوْ عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ الَّتِي تَجِبُ مُوَاضَعَتُهَا لَا يَضْمَنُهَا مُشْتَرِيهَا إلَّا بِرُؤْيَتِهَا الدَّمَ، وَكَذَا الثِّمَارُ يَسْتَمِرُّ ضَمَانُهَا مِنْ بَائِعِهَا حَتَّى تَأْمَنَ الْجَائِحَةَ بِأَنْ يَتَنَاهَى طِيبُهَا وَيَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ أَخْذِهَا فَحِينَئِذٍ يَنْتَقِلُ ضَمَانُهَا لِمُشْتَرِيهَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُوجِبُ الضَّمَانِ فِيهَا غَيْرَ الْجَائِحَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ.

ثُمَّ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الثِّمَارِ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ لِلْأَمْنِ مِنْ الْجَائِحَةِ حَيْثُ إنَّ مُوجِبَ الضَّمَانِ الْجَائِحَةُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْجَائِحَةِ فَضَمَانُهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ بِالْعَقْدِ. وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنْ اشْتَرَيْت بَعْضَ الطِّيبِ فَضَمَانُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ أَخْذِهَا بِمَنْزِلَةِ قَبْضِهَا، وَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ قَبْلَ طِيبِهَا فَضَمَانُهَا مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَجِدَهَا الْمُشْتَرِي. انْتَهَى. وَأَقُولُ فِي هَذَا وَقْفَةٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُهُ إلَى الْمُشْتَرِي إلَّا بِقَبْضِهِ بِالْفِعْلِ، وَلَا عِبْرَةَ بِتَمَكُّنِ الْمُشْتَرِي مِنْ أَخْذِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُعْتَمَدِ، فَلَعَلَّ مَا فِي الْأُجْهُورِيِّ زَلَّةُ قَلَمٍ؛ لِأَنَّ الْأُجْهُورِيَّ إمَامٌ عَظِيمٌ وَحَرِّرْ الْمَسْأَلَةَ.

الثَّالِثُ: قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْبَيْعَ بَيْعًا فَاسِدًا بَاقٍ عَلَى مِلْكِ بَائِعِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ عَلَى الصَّحِيحِ لِوُجُوبِ فَسْخِهِ شَرْعًا قَبْلَ الْفَوَاتِ، وَقَدْ اسْتَشْكَلَهُ الْفَاكِهَانِيُّ قَائِلًا: جَعْلُ الضَّمَانِ مِنْ الْبَائِعِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْفَاسِدَ لَمْ يَنْقُلْ الْمِلْكَ، وَجَعْلُ الضَّمَانِ بَعْدَ الْقَبْضِ مِنْ الْمُشْتَرِي يَقْتَضِي أَنَّ الْفَاسِدَ يَنْقُلُ وَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابًا، وَأَقُولُ: لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ نَقْلِ الْمِلْكِ وَالضَّمَانِ إذْ قَدْ يُوجَدُ الضَّمَانُ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ مِلْكٍ، كَمَنْ أَتْلَفَ شَيْءَ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ سَبَبِ مِلْكٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِتَعَدِّيهِ، وَالْمُشْتَرِي هُنَا مُتَعَدٍّ بِقَبْضِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا، فَمُحَصَّلُ الْجَوَابِ أَنَّ ضَمَانَ الْمُشْتَرِي إنَّمَا هُوَ لِتَعَدِّيهِ بِالْقَبْضِ لِمَا يَجِبُ فَسْخُ عَقْدِهِ قَبْلَ فَوَاتِهِ، وَيَدُلُّك عَلَى مَا قُلْنَا أَنَّهُ يَضْمَنُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلَوْ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ، وَلَا حَاجَةَ إلَى بِنَاءِ الضَّمَانِ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَاسِدَ يَنْقُلُ الْمِلْكَ لِمَا ذَكَرْنَا.

١ -

الرَّابِعُ: إذَا رُدَّتْ السِّلْعَةُ بِسَبَبِ الْفَسَادِ يَفُوزُ مُشْتَرِيهَا بِغَلَّتِهَا.

قَالَ خَلِيلٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُ الْفَاسِدِ بِالْقَبْضِ وَرُدَّ وَلَا غَلَّةَ أَيْ وَلَا تَصْحَبُهُ الْغَلَّةُ فِي الرَّدِّ بَلْ يَفُوزُ بِهَا الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ كَانَ مِنْهُ، وَالْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ كَمَا قَدَّمْنَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْفَسَادِ وَبِوُجُوبِ الْفَسْخِ وَلَوْ فِي الثُّنْيَا الْمَمْنُوعَةِ عَلَى الرَّاجِحِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ، وَهِيَ: مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مَوْقُوفًا شِرَاءً فَاسِدًا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ وَقْفٌ فَإِنَّهُ لَا يَفُوزُ بِالْغَلَّةِ، بَلْ يَجِبُ رَدُّهَا حَيْثُ كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ غَيْرِ رَشِيدٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى مُعَيَّنٍ وَبَاعَهُ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ فَإِنَّهُ يَفُوزُ الْمُشْتَرِي بِغَلَّتِهِ وَلَوْ عَلِمَ بِأَنَّهُ وَقْفٌ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ الْبَائِعُ رَشِيدًا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَمَا يَفُوزُ بِالْغَلَّةِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِكُلْفَةِ الْحَيَوَانِ إذَا كَانَتْ الْغَلَّةُ قَدْرَ الْكُلْفَةِ أَوْ أَكْثَرَ، وَأَمَّا لَوْ زَادَتْ الْكُلْفَةُ عَلَى الْغَلَّةِ أَوْ كَانَ لَا غَلَّةَ فَإِنَّهُ يُرْجَعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالْكُلْفَةِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَنْ الْبَائِعِ بِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، وَأَشَارَ إلَى هَذَا بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِقَوْلِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَنْفَقَ عَلَى مَا اشْتَرَاهُ وَلَهُ غَلَّةٌ تُبْتَغَى كَالْغَنَمِ وَالدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ ثُمَّ رُدَّ بِعَيْبٍ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ أَوْ فَسَادٍ لَا يَرْجِعُ بِنَفَقَتِهِ، بِخِلَافِ مَا لَيْسَ لَهُ غَلَّةٌ تُبْتَغَى كَالنَّخْلِ إذَا رُدَّتْ مَعَ ثِمَارِهَا فَإِنَّهُ يُرْجَعُ بِقِيمَةِ سَقْيِهَا وَعِلَاجِهَا.

وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ مَالِهِ عَيْنٌ قَائِمَةٌ، وَأَمَّا النَّفَقَةُ فِيمَا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ كَالْبِنَاءِ وَالصِّبَاغِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهَا وَلَهُ الْغَلَّةُ كَسُكْنَى الدَّارِ، نَقَلَ جَمِيعَهُ الْأُجْهُورِيُّ، وَلَمَّا كَانَ مَحَلُّ بَقَاءِ الْمَبِيعِ فَاسِدًا عَلَى مِلْكِ بَائِعِهِ إذَا لَمْ يَفُتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَالَ: (فَإِنْ حَالَ سَوْقُهُ) بِأَنْ تَغَيَّرَ ثَمَنُهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ (أَوْ تَغَيَّرَ بَدَنُهُ) تَشَغَّرَ أَوْ كَبِرَ (فَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي غُرْمُ (قِيمَتِهِ) إنْ كَانَ الْفَسَادُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ (يَوْمَ قَبْضِهِ) لَا يَوْمَ الْعَقْدِ وَلَا يَوْمَ الْفَوَاتِ (وَلَا يَرُدُّهُ) عَلَى بَائِعِهِ لِانْتِقَالِ مِلْكِهِ إلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَوَاتِ، وَقَيَّدْنَا بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُخْتَلَفُ فِي فَسَادِهِ إذَا فَاتَ يَمْضِي بِالثَّمَنِ.

قَالَ خَلِيلٌ: فَإِنْ فَاتَ مَضَى الْمُخْتَلَفُ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَلَوْ كَانَ الْخِلَافُ خَارِجَ الْمَذْهَبِ بِالثَّمَنِ، وَإِلَّا ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبْضِهِ، وَحَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ إنَّمَا تَكُونُ مُفِيتَةً فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ وَالْعَقَارِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (وَإِنْ كَانَ) الْمُشْتَرَى فَاسِدًا وَحَالَتْ أَسْوَاقُهُ (مِمَّا يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ) أَوْ يُعَدُّ (فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِتَغَيُّرِ سَوْقِهِ لِقِيَامِ مِثْلِهِ مَقَامَهُ.

وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَيْ بِالْفِعْلِ عَنْ الْمِثْلِيِّ الْمُشْتَرَى جُزَافًا إذَا فَاتَ فَإِنَّهُ يُحْرَزُ وَيُقَوَّمُ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ وَلَا يَرُدُّ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْمُقَوَّمَ فِي الْفَوَاتِ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ. (وَلَا تُفِيتُ الرِّبَاعُ) أَيْضًا وَسَائِرُ الْعَقَارَاتِ (حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ) وَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّهَا لِفَسَادِ بَيْعِهَا، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمِثْلِيَّاتِ وَالْعَقَارَاتِ لَا تَفُوتُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ.

قَالَ خَلِيلٌ فِي تَصْوِيرِهِ، وَالْفَوَاتُ بِتَغَيُّرِ سَوْقٍ غَيْرِ مِثْلِيٍّ وَعَقَارٍ وَبِطُولِ زَمَانِ حَيَوَانٍ وَفِيهَا شَهْرٌ وَشَهْرَانِ، وَاخْتَارَ أَنَّهُ خِلَافٌ وَقَالَ: بَلْ فِي شَهَادَةٍ وَبِنَقْلِ عُرُوضٍ، وَمِثْلِيٍّ لِبَلَدٍ بِكُلْفَةٍ وَبِتَغَيُّرِ ذَاتِ غَيْرِ مِثْلِيٍّ

<<  <  ج: ص:  >  >>