للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الفواكه الدواني]

(بِيَدِ أَمِينٍ فَهُوَ مِنْ الرَّاهِنِ) كَضَمَانِهِ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَوْ تَلِفَ تَحْتَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِتَلَفِهِ أَوْ ضَيَاعِهِ.

(خَاتِمَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَسَائِلَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَابِ) مِنْهَا: إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ رَدَّ الرَّاهِنِ إلَى الرَّهْنِ وَقَبَضَ دِيَتَهُ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ الرَّدَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ، إنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبْضُهُ بِبَيِّنَةٍ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَظَاهِرُهُ قَبَضَ الدَّيْنَ أَمْ لَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ رَدَّ الرَّهْنِ كَدَعْوَى الْمُسْتَعِيرِ رَدَّ الْعَارِيَّةِ، وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ رَدَّ مَا لَمْ يَضْمَنْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَدَعْوَاهُ رَدَّ مَا يَضْمَنُهُ لِكَوْنِهِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: لَوْ ادَّعَى حَائِزٌ عَبْدَيْنِ مَمْلُوكَيْنِ لِغَيْرِهِ أَنَّهُمَا رَهْنٌ وَقَالَ رَبُّهُمَا بَلْ أَحَدُهُمَا صَدَقَ، بِخِلَافِ لَوْ ادَّعَى حَائِزٌ عَبْدًا رُهِنَ جَمِيعُهُ وَقَالَ رَبُّهُ بَلْ نِصْفُهُ صَدَقَ حَائِزُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَالْأَوَّلِ وَمِنْهَا: لَوْ أَتَى الْمُرْتَهِنُ بِشَيْءٍ وَادَّعَى أَنَّهُ لِلرَّاهِنِ وَقَالَ الرَّاهِنُ: بَلْ هُوَ غَيْرُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ عَلَى عَيْنِهِ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى ذَلِكَ، قَالَهُ فِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ.

[بَاب الْعَارِيَّةِ]

وَلَمَّا انْقَضَى الْكَلَامُ عَلَى مَا تَيَسَّرَ مِنْ أَحْكَامِ الرَّهْنِ، شَرَعَ فِي تَالِيهِ فِي التَّرْجَمَةِ وَهُوَ سَادِسُ الْأَبْوَابِ وَهُوَ بَابُ الْعَارِيَّةِ بِقَوْلِهِ: (وَالْعَارِيَّةُ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ تَخْفِيفُهَا اسْمُ مَصْدَرٍ وَالْمَصْدَرُ إعَارَةٌ، لِأَنَّ الْفِعْلَ أَعَارَ، وَالْمُرَادُ هُنَا الشَّيْءُ الْمُعَارُ، وَحَقِيقَةُ الْعَارِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ لَا بِعِوَضٍ، فَيَخْرُجُ تَمْلِيكُ الذَّاتِ وَتَمْلِيكُ الِانْتِفَاعِ، لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ فِيهَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَقَوْلُهُ: مُؤَقَّتَةٍ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِتَدَخُّلِ الْمُعْتَادَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِإِخْرَاجِ تَمْلِيكِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ مَنْفَعَةَ سَيِّدِهِ فَلَيْسَتْ بِعَارِيَّةٍ وَلِإِخْرَاجِ الْحُبُسِ فَإِنَّ الْغَالِبَ فِيهِ التَّأْبِيدُ، وَأَمَّا بِالْمَعْنَى الِاسْمِيِّ وَهُوَ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ: وَالْعَارِيَّةُ إلَخْ فَهِيَ مَالٌ ذُو مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ مُلِكَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (مُؤَدَّاةٌ) أَيْ مَضْمُونَةٌ، وَقِيلَ مَرْدُودَةٌ لِخَبَرِ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» .

وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى الْعَارِيَّةِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ فِي حُكْمِهَا وَهُوَ النَّدْبُ هَذَا حُكْمُهَا الْأَصْلِيُّ لِأَنَّهَا إحْسَانٌ، وَتَتَأَكَّدُ فِي الْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ وَالْأَصْحَابِ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا الْوُجُوبُ لِمَنْ مَعَهُ شَيْءٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ وَطَلَبَهُ مَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ الْهِلَالَ بِتَرْكِهِ، كَكِسَاءٍ فِي زَمَنِ شِدَّةِ بَرْدٍ، وَالْحُرْمَةُ إذَا كَانَتْ تُعِينُ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَالْكَرَاهَةُ إذَا كَانَتْ تُعِينُ عَلَى فِعْلِ مَكْرُوهٍ، وَالْإِبَاحَةُ إذَا أَعَانَ بِهَا غَنِيًّا، دَلَّ عَلَى الْإِذْنِ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ: أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: ٧٧] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ وَاسْتَعَارَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دِرْعَهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ لَهُ: أَغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» . وَفِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُمَامَةَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ» .

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْمِنْحَةُ الشَّاةُ أَوْ نَحْوُهَا تُعَارُ لِأَخْذِ لَبَنِهَا. وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ حَكَاهُ شُيُوخُ الْمَذْهَبِ.

الثَّانِي: مِنْ الْوُجُوهِ مِنْ أَرْكَانِهَا الْأَرْبَعَةِ الْمُعِيرُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَمَالِكًا لِلْمَنْفَعَةِ الَّتِي يُرِيدُ الْإِعَانَةَ بِهَا وَلَوْ بِإِجَارَةٍ أَوْ اسْتِعَارَةٍ، لِأَنَّ لِلْمُعِيرِ أَنْ يُعِيرَ إنْ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْمُعِيرُ لَهُ وَلَوْ بِلِسَانِ الْحَالِ، كَأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَسْمَحَ بِإِعَارَتِهَا لِغَيْرِ هَذَا الْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُسْتَعِيرُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَجُوزُ شَرْعًا انْتِفَاعُهُ بِالْعَارِيَّةِ، فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْمُصْحَفِ لِلْكَافِرِ، أَوْ الْغُلَامِ الْمُسْلِمِ لِخِدْمَةِ الْكَافِرِ، وَالشَّيْءُ الْمُعَارُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ ذَاتِهِ كَالْكِتَابِ وَالثَّوْبِ وَالْبَيْتِ، بِخِلَافِ الطَّعَامِ وَالنَّقْدِ فَلَا يُعَارَانِ لِأَنَّهُمَا يُسْتَهْلَكَانِ عِنْدَ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا وَإِنَّمَا يُقْرَضَانِ، وَأَنْ تَكُونَ مَنْفَعَتُهُ مُبَاحَةً لِلْمُسْتَعِيرِ، فَلَا تُعَارُ الْأَمَةُ أَوْ الزَّوْجَةُ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهِمَا، وَلَا الْأَمَةُ لِخِدْمَةِ بَالِغٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ، أَوْ لِمَنْ تُعْتَقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ فَرْعُ الْمِلْكِ، وَمِلْكُهَا لَا يَسْتَقِرُّ لِمَنْ تُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أُعِيرَتْ الْأَمَةُ أَوْ الْعَبْدُ لِمَنْ يُعْتَقَانِ عَلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ الْعَارِيَّةُ وَيَمْلِكَانِ خِدْمَتَهُمَا تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَلَا يَمْلِكُهَا السَّيِّدُ وَلَا الْمُسْتَعِيرُ، وَمَا بِهِ الْعَارِيَّةُ وَهِيَ الصِّيغَةُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ تُفْهَمُ مِنْهُ الْعَارِيَّةُ، ثُمَّ إنْ قُيِّدَتْ بِزَمَنٍ فَلَا إشْكَالَ فِي لُزُومِهَا لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ وَهُوَ يَلْزَمُ بِالْقَوْلِ وَإِنْ لَمْ تُقَيَّدْ بِزَمَنٍ، فَاللَّازِمُ مَا تُعَارُ لِمِثْلِهِ، قَالَ خَلِيلٌ: وَلَزِمَتْ الْمُقَيَّدَةُ بِعَمَلٍ أَوْ أَجَلٍ لِانْقِضَائِهِ وَإِلَّا فَالْمُعْتَادَةُ.

وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ: مُؤَدَّاةٌ بِمَعْنَى مَضْمُونَةٍ ضَمَانُهَا مُطْلَقًا وَالْوَاقِعُ لَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ: (يَضْمَنُ) الْمُسْتَعِيرُ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَارِيَّةِ (مَا يُغَابُ عَلَيْهِ) أَيْ يُمْكِنُ إخْفَاؤُهُ كَالْحُلِيِّ وَالْكِتَابِ وَالثِّيَابِ وَالسَّفِينَةِ السَّائِرَةِ إذَا ادَّعَى تَلَفَ أَوْ ضَيَاعَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ، إلَّا أَنْ تَشْهَدَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مِنْ تَلَفٍ أَوْ ضَيَاعٍ فَلَا ضَمَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>