للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَضَرِ وَلَا فِي دُورِ الْبَادِيَةِ إلَّا لِزَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ يَصْحَبُهَا فِي الصَّحْرَاءِ ثُمَّ يَرُوحُ مَعَهَا أَوْ لِصَيْدٍ يَصْطَادُهُ لِعَيْشِهِ لَا لِلَّهْوِ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَالنِّدَاءِ لِلصُّبْحِ، وَثَالِثُ الْأَحْوَالِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ النَّظَرُ فِيهَا لِيُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى جِهَةِ مَسِيرِهِ، كَمَا إذَا كَانَ فِي نَحْوِ الْبَحْرِ الْمَالِحِ عِنْدَ اتِّسَاعِهِ بِحَيْثُ لَا يَرَى الْبَرَّ فِيهِ.

قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: ٩٧] وَقَالَ أَيْضًا: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: ١٦] بِأَنْ يُمَيِّزَهَا وَيَعْرِفَ الشِّمَالَ مِنْهَا وَالْجَنُوبَ وَوَقْتَ طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا، لِأَنَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمَ خَلْقَهُ أَنَّهُ أَظْهَرَهَا لِذَلِكَ.

(وَ) يُطْلَبُ مِنْ الْمُكَلَّفِ أَنْ (يَتْرُكَ) النَّظَرَ فِي النُّجُومِ فِي (مَا سِوَى ذَلِكَ) كَالنَّظَرِ فِيهَا لِيَسْتَدِلَّ بِظُهُورِ بَعْضِ النُّجُومِ عَلَى مَا يَحْدُثُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّظَرَ فِيهَا الْمُوصِلُ إلَى مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ، وَأَمَّا الْمُوصِلُ إلَى مَعْرِفَةِ جِهَةِ الْمَسِيرِ إلَى أَمْرٍ مَطْلُوبٍ غَيْرِ وَاجِبٍ فَمُسْتَحَبٌّ، وَأَمَّا مَعْرِفَةُ مَا يُوصِلُ إلَى نُقْصَانِ الْأَهِلَّةِ أَوْ إلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ إلَى حُصُولِ الْكُسُوفِ فَمَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَيُوهِمُ الْعَامَّةَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَيُزْجَرُ عَنْ ذَلِكَ، وَمَنْ اعْتَقَدَ تَأْثِيرَ النُّجُومِ فِي شَيْءٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ إنْ كَانَ مُسْتَسِرًّا لِأَنَّهُ زِنْدِيقٌ وَبَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ إنْ كَانَ مُتَجَاهِرًا، وَأَمَّا مَنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْفَعَّالُ عِنْدَهَا وَلَا يَتَخَلَّفُ هَذَا الْأَمْرُ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ مُبْتَدِعٌ، وَالْوَاجِبُ اعْتِقَادُهُ الْجَزْمَ بِأَنَّ ظُهُورَ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَ ظُهُورِ بَعْضِ النُّجُومِ أَمْرٌ أَغْلَبِيٌّ وَيَجُوزُ تَخَلُّفُهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا نَشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ» أَيْ إذَا طَلَعَتْ السَّحَابَةُ مِنْ جِهَةِ الْغَرْبِ وَمَالَتْ إلَى الشَّامِ فَتِلْكَ السَّحَابَةُ غَزِيرَةُ الْمَطَرِ.

١ -

(تَتِمَّةٌ) لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَصْدِيقُ الْكَاهِنِ وَهُوَ الَّذِي يُخْبِرُ بِمَا يَقَعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا الْعَرَّافِ وَهُوَ الَّذِي يُخْبِرُ بِمَا وَقَعَ كَإِخْرَاجِ الْمُخَبَّآتِ وَكَتَعْيِينِ السَّارِقِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ دَعْوَى عِلْمِ الْغَيْبِ وَلَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَدَّقَ كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا أَوْ مُنَجِّمًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» . وَوَقَعَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ عَمَلِ الْمُنَجِّمِ بِمَعْرِفَتِهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ عَدَمُ الْعَمَلِ بِهِ وَلَوْ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، فَإِذَا غُمَّ الْهِلَالُ وَأَدَّاهُ عِلْمُهُ لِلصَّوْمِ فِي غَدٍ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ فِي غَدٍ، وَلِلشَّافِعِيِّ رِوَايَتَانِ وَالْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ.

[اتِّخَاذ الْكِلَاب فِي الْبُيُوت]

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَعْضِ مَا تَرْجَمَ لَهُ وَهُوَ الْكِلَابُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) يَحِلُّ أَنْ (يُتَّخَذَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (كَلْبٌ فِي الدُّورِ) الْكَائِنَةِ (فِي الْحَضَرِ وَلَا فِي دُورِ الْبَادِيَةِ) وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الْحِلِّ الْكَرَاهَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَقُورًا فَيَحْرُمُ. (وَإِلَّا) أَنْ يُتَّخَذَ (لِزَرْعٍ) أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ لِلْحِرَاسَةِ. (أَوْ) إلَّا أَنْ يُتَّخَذَ لِحِرَاسَةِ (مَاشِيَةٍ يَصْحَبُهَا فِي الصَّحْرَاءِ ثُمَّ يَرُوحُ) أَيْ يَرْجِعُ (مَعَهَا) لِحِرَاسَتِهَا مِنْ اللُّصُوصِ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي الْمَبِيتِ. (أَوْ) أَيْ أَوْ إلَّا أَنْ تُتَّخَذَ (لِصَيْدٍ يَصْطَادُهُ لِعَيْشِهِ) أَوْ عَيْشِ عِيَالِهِ فَلَا حَرَجَ فِي اتِّخَاذِهِ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ، وَلَكِنْ اُخْتُلِفَ هَلْ يَتَقَيَّدُ الْجَوَازُ بِزَمَنِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَيُطْلَبُ إخْرَاجُهَا مِنْ حَوْزِهِ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا أَوْ الْجَوَازُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ قَوْلَانِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَاشِيَةِ الْغَنَمُ وَكَذَا غَيْرُهَا إنْ احْتَاجَتْ إلَى الْحِرَاسَةِ. (لَا لِلَّهْوِ) فَيُكْرَهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الصَّيْدَ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ يَجِبُ لِقُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا مِنْ الصَّيْدِ، وَيَحْرُمُ اصْطِيَادُ الْمَأْكُولِ لَا بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ، وَيُنْدَبُ إذَا كَانَ لِلتَّوْسِعَةِ، وَيُكْرَهُ إذَا كَانَ لِمُجَرَّدِ اللَّهْوِ، وَيُبَاحُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ كَأَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ فَاكِهَةً وَنَحْوَهَا مِنْ كُلِّ مُبَاحٍ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ اتِّخَاذِ الْكِلَابِ فِي غَيْرِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُضْطَرَّ إلَى اتِّخَاذِهَا لِحِفْظِ مَحِلِّهِ أَوْ حِفْظِ نَفْسِهِ وَإِلَّا جَازَ، كَمَا وَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ حِينَ سَقَطَ حَائِطُ دَارِهِ وَكَانَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الشِّيعَةِ فَاِتَّخَذَ كَلْبًا، وَلَمَّا قِيلَ لَهُ: كَيْفَ تَتَّخِذُهُ وَمَالِكٌ نَهَى عَنْ اتِّخَاذِ الْكِلَابِ فِي غَيْرِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ؟ فَقَالَ: لَوْ أَدْرَكَ مَالِكٌ زَمَانَنَا لَاِتَّخَذَ أَسَدًا ضَارِيًا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ فِيمَا أَتْلَفَهُ إلَّا أَنْ يَصِيرَ عَقُورًا وَيُنْذَرُ صَاحِبُهُ عَلَى يَدٍ بَيِّنَةٍ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِنْذَارِ عَلَى يَدِ الْقَاضِي عَلَى قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَيَضْمَنُ جَمِيعَ مَا يُتْلِفُهُ بَعْدَ الْإِنْذَارِ، وَجِنَايَةُ غَيْرِ الْعَقُورِ مِنْ فِعْلِ الْعَجْمَاءِ وَهُوَ جُبَارٌ، هَذَا هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ شُرَّاحِ خَلِيلٍ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ فَيَضْمَنُ مُتَّخِذُهُ جَمِيعَ مَا أَتْلَفَهُ وَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِمُتَّخِذِهِ إنْذَارٌ.

الثَّانِي: لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ قَتْلِ الْكِلَابِ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ الْمَأْذُونَ فِي اتِّخَاذِهِ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَعَلَى قَاتِلِهِ غُرْمُ قِيمَتِهِ لِصِحَّةِ مِلْكِهِ وَإِنْ حَرُمَ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ حُرْمَةِ الْبَيْعِ وَعَدَمِ غُرْمِ الْقِيمَةِ، كَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَحْمِ الضَّحِيَّةِ فَيَحْرُمُ بَيْعُهُمَا وَتَلْزَمُ قِيمَتُهُمَا مَنْ أَتْلَفَهُمَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ فَلَا غُرْمَ عَلَى قَاتِلِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَمَلُّكِهِ وَجَوَازِ بَلْ نَدْبِ قَتْلِهِ.

الثَّالِثُ: الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ اتِّخَاذِ الْكِلَابِ لِغَيْرِ الْحِرَاسَةِ وَالصَّيْدِ مَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>