للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا بَأْسَ بِخِصَاءِ الْغَنَمِ لِمَا فِيهِ مِنْ صَلَاحِ لُحُومِهَا وَنُهِيَ عَنْ خِصَاءِ الْخَيْلِ

وَيُكْرَهُ الْوَسْمُ فِي الْوَجْهِ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ

وَيُتَرَفَّقُ بِالْمَمْلُوكِ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ.

ــ

[الفواكه الدواني]

«مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَا لِصَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» .

وَفِي رِوَايَةٍ: «قِيرَاطَانِ» . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ مُحَرَّمَةٌ» كَصُورَةِ حَيَوَانٍ كَامِلَةٍ لَهَا ظِلٌّ، وَسَبَبُ امْتِنَاعِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ دُخُولِ مَا فِيهِ كِلَابٌ كَمَا قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ لِكَثْرَةِ قَذَارَتِهَا مِنْ تَعَاطِي النَّجَاسَاتِ، وَالْمَلَائِكَةُ تَنْفِرُ مِنْ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ، وَلِأَنَّ بَعْضَهَا يُسَمَّى شَيْطَانًا وَالْمَلَائِكَةُ أَضْدَادُ الشَّيَاطِينِ، وَالْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ مَا ذَكَرَهُمْ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يَطُوفُونَ بِالرَّحْمَةِ، وَأَمَّا الْحَفَظَةُ فَيَدْخُلُونَ كُلَّ بَيْتٍ وَلَا يُفَارِقُونَ الْإِنْسَانَ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا عِنْدَ الْجِمَاعِ أَوْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَمَرَهُمْ بِإِحْصَاءِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ وَكِتَابَتِهَا، وَأَمَّا الْكِلَابُ الْمَأْذُونُ فِي اتِّخَاذِهَا فَلَا تُمْنَعُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ دُخُولِ بُيُوتِهَا كَمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ، خِلَافًا لِلنَّوَوِيِّ فَإِنَّهُ اسْتَظْهَرَ التَّعْمِيمَ فِي الْكِلَابِ وَفِي الصُّوَرِ، فَأَدْخَلَ فِي النَّهْيِ الْكِلَابَ الْجَائِزَةَ الِاتِّخَاذِ، وَفِي الصُّوَرِ الَّتِي لَا ظِلَّ لَهَا كَالْمَرْسُومَةِ فِي الْفُرُشِ أَوْ الْحَائِطِ، وَالْمُرَادُ بِالْجُنُبِ الَّذِي لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ مَعَهُ فِي بَيْتِهِ الْمُتَهَاوَنُ بِالْغُسْلِ بِحَيْثُ لَا يَفْعَلُهُ جُمْلَةً لَا مَنْ أَخَّرَهُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْكِلَابِ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْخِصَاءِ فَقَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِخِصَاءِ) بِالْمَدِّ (الْغَنَمِ) وَمِثْلُهَا الْمَعْزُ (لِمَا فِيهِ مِنْ إصْلَاحِ لُحُومِهَا) لِأَنَّهُ يُطَيِّبُهُ، وَلَا مَفْهُومَ لِلْغَنَمِ بَلْ الْبَقَرُ وَكُلُّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يَجُوزُ خِصَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، فَلَا بَأْسَ فِي كَلَامِهِ لِلْجَوَازِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْخِصَاءُ بِقَطْعِ الْخُصْيَتَيْنِ أَوْ سَلِّهِمَا مَعَ بَقَاءِ الْجِلْدَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى التَّعْمِيمِ فِي كُلِّ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِهِ: (وَنُهِيَ) الْمُكَلَّفُ (عَنْ خِصَاءِ الْخَيْلِ) نَهْيَ تَحْرِيمٍ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُرَادُ لِلرُّكُوبِ وَالْجِهَادِ عَلَيْهَا وَذَلِكَ يُنْقِصَ قُوَّتَهَا وَيَقْطَعُ نَسْلَهَا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُكَلَّبَ الْفَرَسُ فَيَجُوزُ خِصَاؤُهُ، أَمَّا خِصَاءُ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: يَجُوزُ خِصَاؤُهَا لِأَنَّهَا لَا يُجَاهَدُ عَلَيْهَا وَرُبَّمَا يَزِيدُ خِصَاؤُهَا فِي قُوَّتِهَا وَيَكْثُرُ بِهِ نَفْعُهَا كَخِصَاءِ الثَّوْرِ، وَأَمَّا خِصَاءُ الْآدَمِيِّ فَقَدْ حُكِيَ الْإِجْمَاعُ عَلَى حُرْمَتِهِ وَلَوْ رَقِيقًا، بَلْ حُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ مَنْعَ بَيْعِهِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْخِصَاءَ إمَّا مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِهِ وَذَلِكَ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ.

وَإِمَّا مُتَّفَقٌ عَلَى حُرْمَتِهِ وَذَلِكَ فِي الْآدَمِيِّ، وَاَلَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ بِالْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَالرَّاجِحُ الْحُرْمَةُ هُوَ الْخَيْلُ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْوَسْمِ بِقَوْلِهِ: (وَيُكْرَهُ الْوَسْمُ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْعَلَامَةُ بِالنَّارِ أَوْ بِالشَّرْطِ بِالْمُوسَى (فِي الْوَجْهِ) أَيْ وَجْهُ غَيْرِ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ يُؤْذِي الْحَيَوَانَ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَإِذَايَةُ الْحَيَوَانِ بِغَيْرِ أَكْلِهِ وَغَيْرِ اسْتِعْمَالِهِ الشَّرْعِيِّ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْكَرَ عَلَى مَنْ وَسَمَ حِمَارًا فِي وَجْهِهِ لِمَا أَنَّ الْوَجْهَ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ. (وَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ بِالْوَسْمِ (فِي غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ كَالْجَمَلِ وَالْفَرَسِ وَالْبَقَرَةِ وَيُوسِمُهَا فِي رَقَبَتِهَا أَوْ جَنْبِهَا وَالْعَنْزُ فِي أُذُنِهَا لِئَلَّا تَخْتَلِطَ بِغَيْرِهَا فَيَعْرِفُهَا مَالِكُهَا بِوَسْمِ اسْمِهِ عَلَيْهَا، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ كَمَا قَدَّمْنَا، وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَسْمُهُ بِالنَّارِ فِي وَجْهِهِ وَفِي غَيْرِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَأَمَّا بِغَيْرِ النَّارِ فِي وَجْهِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الْوَسْمِ فِي غَيْرِ وَجْهِ الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ مَا وَرَدَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ وَأَرْخَصَ فِي الْوَسْمَةِ فِي الْأُذُنِ» لِأَنَّ الْوَسْمَةَ فِي الْأُذُنِ عَلَامَةٌ، وَالْمَالِكُ يَحْتَاجُ إلَى فِعْلِ ذَلِكَ فِي مَاشِيَتِهِ لِتَتَمَيَّزَ لَهُ عِنْدَ اخْتِلَاطِهَا بِغَيْرِهَا.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَحْكَامِ الْمَمْلُوكِ فَقَالَ: (وَ) يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ أَنْ (يَتَرَفَّقَ بِالْمَمْلُوكِ) فِي عَمَلِهِ وَأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَشَأْنِهِ كُلِّهِ. (وَلَا) يَجُوزُ بِمَعْنَى يَحْرُمُ أَنْ (يُكَلَّفَ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ) عَمَلَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي الضَّعِيفَيْنِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ» . وقَوْله تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ» وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ، فَلَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُكَلِّفَ رَقِيقَهُ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّخْفِيفُ عَنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ دَأْبُ أَهْلِ الدِّينِ وَالْمُرُوءَةِ، وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطْحَنُ مَعَ الْخَادِمِ، وَكَذَلِكَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ، خُصُوصًا إنْ كَانَ الرَّقِيقُ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ لِيَتَفَرَّغَ لِلْعِبَادَةِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَمَعْنَى الْمَعْرُوفِ فِي الْحَدِيثِ أَنْ يَفْعَلَ مَعَهُ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ إطْعَامُهُ مِنْ مَأْكُولِهِ وَمَشْرُوبِهِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ فَقَطْ، وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِالْأَمْرِ بِإِطْعَامِهِ مِمَّا يَأْكُلُهُ السَّيِّدُ، وَإِذَا كَلَّفَهُ سَيِّدُهُ مَا لَا يُطِيقُهُ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ وَلَمْ يَرْتَدِعْ وَيَنْزَجِرْ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَكَى الْعَبْدُ الْعَزَبَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>