للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَثِيرًا وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ،

وَيُكْرَهُ صِبَاغُ الشَّعْرِ بِالسَّوَادِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ،

ــ

[الفواكه الدواني]

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: إنَّمَا قُلْنَا الْمُتَّضِحُ الذُّكُورَةِ احْتِرَازًا مِنْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ، فَقَدْ وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِيهِ لِشُيُوخِ مَذْهَبِنَا هَلْ يُخْتَنُ أَمْ لَا، وَعَلَى خَتْنِهِ فَهَلْ فِي أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ أَوْ فِيهِمَا مَعًا أَوْ لَا.

قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا نَصًّا، وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ يُخْتَنُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقِيلَ لَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَهُمْ، ابْنُ نَاجِي: لَا يُخْتَنُ لِمَا عَلِمْت مِنْ قَاعِدَةِ تَغْلِيبِ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَنَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُخْتَنُ الرِّجَالُ الصِّبْيَانُ وَيُخْفَضُ النِّسَاءُ الْجَوَارِي لِمَنْعِ اطِّلَاعِ الرِّجَالِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَوْلُ ابْنِ نَاجِي لَا يُخْتَنُ فِيهِ شَيْءٌ، لِأَنَّا نَقُولُ: يُؤْمَرُ بِخَتْنِ نَفْسِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ التَّتَّائِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ.

الثَّانِي: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَمِنْ الْفِطْرَةِ خَمْسٌ لَا يَقْتَضِي الْحَصْرَ، فَلَا يُنَافِي مَا قِيلَ إنَّ مِنْ الْفِطْرَةِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالسِّوَاكُ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ وَالِاسْتِنْجَاءُ، فَلَعَلَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى الْخَمْسِ لِأَنَّهَا أَظْهَرُ فِي تَحْسِينِ الْخِلْقَةِ أَوْ أَوْكَدُ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى اللِّحْيَةِ بِقَوْلِهِ: (وَأَمَرَ النَّبِيُّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْمُوَطَّإِ لِلْإِمَامِ بِ (أَنْ تُعْفَى اللِّحْيَةُ) أَيْ يُوَفَّرَ شَعْرُهَا وَيَبْقَى مِنْ غَيْرِ إزَالَةٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا فَقَوْلُهُ: (وَتُوَفَّرُ وَلَا تُقَصُّ) تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ وَذَكَرَهُ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ، وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِ " وَأَمَرَ " الْوُجُوبُ وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ يَحْرُمُ حَلْقُهَا إذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ، وَأَمَّا قَصُّهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ طَالَتْ فَكَذَلِكَ، وَأَمَّا لَوْ طَالَتْ كَثِيرًا فَأَشَارَ إلَى حُكْمِهِ بِقَوْلِهِ: (قَالَ مَالِكٌ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَلَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ مِنْ طُولِهَا إذَا طَالَتْ) طُولًا (كَثِيرًا) بِحَيْثُ خَرَجَتْ عَنْ الْمُعْتَادِ لِغَالِبِ النَّاسِ فَيُقَصُّ الزَّائِدُ لِأَنَّ بَقَاءَهُ يَقْبُحُ بِهِ الْمَنْظَرُ، وَحُكْمُ الْأَخْذِ النَّدْبُ فَلَا بَأْسَ هُنَا لِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ وَالْمَعْرُوفُ لَا حَدَّ لِلْمَأْخُوذِ، وَيَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا تَحْسُنُ بِهِ الْهَيْئَةُ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُقَصُّ مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ فِعْلُ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُمَا كَانَا يَأْخُذَانِ مِنْ لِحْيَتِهِمَا مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ، وَالْمُرَادُ بِطُولِهَا طُولُ شَعْرِهَا فَيَشْمَلُ جَوَانِبَهَا فَلَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ مِنْهَا أَيْضًا، وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ: قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ يُوهِمُ انْفِرَادَ مَالِكٍ بِقَوْلِهِ قَالَ: (وَقَالَهُ) أَيْ نَدْبُ الْأَخْذِ مِنْ الطَّوِيلَةِ قَبْلَ مَالِكٍ (غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَ) غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ (التَّابِعِينَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْجَمِيعِ، وَالْمُرَادُ قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فَيَكُونُ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: مِنْ تَرْكِ طُولِهَا حَتَّى تَبْلُغَ حَدَّ التَّشْوِيهِ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِلطُّولِ كَثِيرًا لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَكَمَا يُسْتَحَبُّ قَصُّ الزَّائِدِ يُسْتَحَبُّ تَسْرِيحُهَا وَلِمَا وَرَدَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ جَالِسًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ ثَائِرُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَأَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ لِيُسَرِّحَ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ تَسْرِيحِهِمَا قَالَ لَهُ: أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُكُمْ ثَائِرَ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ شَيْطَانٌ؟» .

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَخْذُ الزَّائِدِ عَلَى الْمُعْتَادِ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَلْقُ مَا تَحْتَ الْحَنَكِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتُهُ حَتَّى قَالَ: إنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّ حَلْقَهُ مِنْ الزِّينَةِ فَتَكُونُ إزَالَتُهُ مِنْ الْفِطْرَةِ، وَأَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَمْعُ، يُحْمَلُ كَلَامُ الْإِمَامِ عَلَى مَا يَلْزَمُ عَلَى بَقَائِهِ تَضَرُّرُ الشَّخْصِ وَلَا تَشْوِيهِ خِلْقَتِهِ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى مَا يَلْزَمُ عَلَى بَقَائِهِ قُبْحُ مَنْظَرِ صَاحِبِهِ أَوْ تَضَرُّرُهُ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَأْخُذُ مِنْ عَرْضِ لِحْيَتِهِ وَطُولِهَا، وَكَانَ يَأْمُرُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ بَاطِنِ اللِّحْيَةِ، وَأَمَّا شَعْرُ الْخَدِّ فَاَلَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ عَرَفَةَ جَوَازُ إزَالَتِهِ، وَأَمَّا شَعْرُ الْأَنْفِ فَقَدْ اسْتَحَبَّ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَصَّهُ لَا نَتْفَهُ لِأَنَّ بَقَاءَهُ أَمَانٌ مِنْ الْجُذَامِ وَنَتْفَهُ يُورِثُ الْأَكَلَةَ، وَأَمَّا شَعْرُ الْعَنْفَقَةِ فَيَحْرُمُ إزَالَتُهُ كَحُرْمَةِ إزَالَةِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ، وَقَيَّدْنَا ذَلِكَ بِالرَّجُلِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ يَجِبُ عَلَيْهَا إزَالَةُ مَا عَدَا شَعْرَ رَأْسِهَا.

الثَّانِي: لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى نَتْفِ الشَّيْبِ مِنْ اللِّحْيَةِ، وَقَالَ مَالِكٌ حِينَ سُئِلَ عَنْهُ: لَا أَعْلَمُهُ حَرَامًا وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ، أَيْ إزَالَتُهُ مَكْرُوهَةٌ عَلَى الصَّوَابِ، كَمَا يُكْرَهُ تَخْفِيفُ اللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ بِالْمُوسَى تَحْسِينًا وَتَزْيِينًا، وَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّلْبِيسَ عَلَى النِّسَاءِ كَانَ أَشَدَّ فِي النَّهْيِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى إزَالَةِ الشَّعْرِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ تَغَيُّرِ لَوْنِهِ مَعَ بَقَائِهِ فَقَالَ:

[صِبَاغُ الشَّعْرِ]

(وَيُكْرَهُ صِبَاغُ الشَّعْرِ) الْغَيْرِ الْأَسْوَدِ (بِالسَّوَادِ) لِغَيْرِ مُقْتَضًى شَرْعِيٍّ، وَلَمَّا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ قَدْ تَكُونُ مَحْمُولَةً عَلَى التَّحْرِيمِ قَالَ: (مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ) بَلْ لِمُجَرَّدِ التَّنْزِيهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ الصِّبَاغُ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ كَإِرْهَابِ الْعَدُوِّ مَثَلًا فَلَا حَرَجَ فِيهِ بَلْ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ لِغَرُورِ مُشْتَرٍ لِعَبْدٍ أَوْ مُرِيدِ نِكَاحِ امْرَأَةٍ فَلَا شَكَّ فِي حُرْمَتِهِ، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ السَّوَادِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ الصِّبَاغِ (بِالْحِنَّاءِ) بِالْمَدِّ لِتَحْمِيرِ الشَّعْرِ (وَالْكَتَمِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالتَّاءِ وَهُوَ وَرَقُ السُّلَّمِ لِتَصْفِيرِ الشَّعْرِ، وَعَلَى جَوَازِهِ لِلرِّجَالِ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ دُونَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِأَنَّ فِيهِمَا مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ فَفِي فِعْلِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ تَشَبُّهٌ بِهِنَّ، وَقَدْ لَعَنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَجُوزُ لَهَا فِعْلُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ شَعْرِهَا، لَكِنْ حَدَّهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْمَرْأَةِ فِي الْيَدَيْنِ بِمَوْضِعِ السِّوَارِ، وَنَهَى عَنْ التَّطْرِيفِ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ فَلَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ (تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْحِنَّاءِ إلَخْ الْإِبَاحَةُ لِأَنَّهَا بَعْدَ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>