للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْجَنَاحَيْنِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَلَا بَأْسَ بِحِلَاقِ غَيْرِهَا مِنْ شَعْرِ الْجَسَدِ وَالْخِتَانُ لِلرِّجَالِ سُنَّةٌ وَالْخِفَاضُ لِلنِّسَاءِ مَكْرُمَةٌ وَأَمَرَ النَّبِيُّ أَنْ تُعْفَى اللِّحْيَةُ وَتُوَفَّرَ وَلَا تُقَصَّ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ مِنْ طُولِهَا إذَا طَالَتْ

ــ

[الفواكه الدواني]

لِحَاهَا وَتُبْقِي الشَّوَارِبَ، فَمَا عَلَيْهِ الْجُنْدُ فِي زَمَانِنَا مِنْ أَمْرِ الْخَدَمِ بِحَلْقِ لِحَاهُمْ دُونَ شَوَارِبِهِمْ لَا شَكَّ فِي حُرْمَتِهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْأَئِمَّةِ لِمُخَالَفَتِهِ لِسُنَّةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِمُوَافَقَتِهِ لِفِعْلِ الْأَعَاجِمِ وَالْمَجُوس وَالْعَوَائِدُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهَا إلَّا عِنْدَ عَدَمِ نَصٍّ عَنْ الشَّارِعِ مُخَالِفٍ لَهَا، وَإِلَّا كَانَتْ فَاسِدَةً يَحْرُمُ الْعَمَلُ بِهَا، أَلَا تَرَى لَوْ اعْتَادَ النَّاسُ فِعْلَ الزِّنَا أَوْ شُرْبَ الْخَمْرِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِ الْعَمَلِ بِهَا.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ إضَافَةِ قَصِّ إلَى الشَّارِبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ اسْمٌ لِلشَّعْرِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُقَصُّ، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ أَنَّ الشَّارِبَ اسْمٌ لِمَحَلِّ الشَّعْرِ، وَعَلَيْهِ فَفِي كَلَامِهِ حَذْفُ مُضَافَيْنِ، وَالتَّقْدِيرُ: قَصُّ طَرَفِ شَعْرِ الشَّارِبِ وَرُبَّمَا يَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِطَارُ.

الثَّانِي: لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ السَّبَّالِينَ وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ، وَاَلَّذِي أَخَذَ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُمَا لَيْسَا كَذَلِكَ، بِدَلِيلِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَتَلَهُمَا وَلَمْ يَقُصَّهُمَا، فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إبْقَائِهِمَا، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: إنَّهُمَا كَالشَّارِبِ.

(وَ) ثَانِيهمَا (قَصُّ الْأَظْفَارِ) فَإِنَّهُ سُنَّةٌ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إلَّا فِي زَمَنِ الْإِحْرَامِ، وَأَقَلُّ زَمَنِ قَصِّهِ الْجُمُعَةُ لِطَلَبِهِ كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ، وَيَكُونُ بِالْمِقَصِّ أَوْ السِّكِّينِ لِكَرَاهَتِهِ بِالْأَسْنَانِ وَلِأَنَّهُ يُورِثُ الْفَقْرَ، وَلَا يَتَعَيَّنُ أُصْبُعٌ لِلْبُدَاءَةِ بِهِ، كَمَا لَا يَتَعَيَّنُ زَمَنُ الْقَصِّ فِيهِ.

(وَ) ثَالِثَةُ الْخِصَالِ (نَتْفُ) أَيْ إزَالَةُ شَعْرِ (الْجَنَاحَيْنِ) وَهُمَا الْإِبِطَانِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَالنَّتْفُ فِي الْجَنَاحَيْنِ أَحْسَنُ مِنْ الْحَلْقِ وَمِنْ الْإِزَالَةِ بِالنُّورَةِ، وَسُنَّةُ النَّتْفِ الْبُدَاءَةُ بِالْجَنَاحِ الْأَيْمَنِ وَيُنْدَبُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ مِنْهُ.

(وَ) رَابِعَةُ الْخِصَالِ (حَلْقُ الْعَانَةِ) وَهِيَ مَا فَوْقَ الْعَسِيبِ وَالْفَرْجِ وَمَا بَيْنَ الدُّبُرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَلْقِ الْإِزَالَةُ بِغَيْرِ النَّتْفِ فَيَشْتَمِلُ الْإِزَالَةَ بِالنُّورَةِ وَبِالْحَلْقِ وَهُوَ الْأَحْسَنُ وَلَوْ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَيُكْرَهُ إزَالَةُ شَعْرِ الْعَانَةِ بِالنَّتْفِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِأَنَّهُ يُرْخِي الْمَحَلَّ وَيُؤْذِي الرَّجُلَ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ. (وَلَا بَأْسَ بِحِلَاقِ غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْعَانَةِ (مِنْ شَعْرِ الْجَسَدِ) كَشَعْرِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ بَقِيَّةِ شَعْرِ الْجَسَدِ حَتَّى شَعْرِ حَلَقَةِ الدُّبُرِ، إلَّا الرَّأْسَ وَاللِّحْيَةَ فَإِنَّ حَلْقَهُمَا بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ فِي اللِّحْيَةِ وَغَيْرُ مُحَرَّمَةٌ فِي الرَّأْسِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحْلِقْ رَأْسَهُ إلَّا فِي التَّحَلُّلِ مِنْ الْحَجِّ، وَالظَّاهِرُ مِنْ لَا بَأْسَ الْإِبَاحَةُ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ: تَرْكُ إزَالَتِهِ اقْتِدَاءٌ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: كَرِهَ مَالِكٌ حَلْقَ الرَّأْسِ لِغَيْرِ الْمُتَحَلِّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ، وَذَكَرَ الزَّنَاتِيُّ خِلَافًا فِي حَلْقِ الرَّأْسِ ثُمَّ قَالَ: وَالْمَشْهُورُ كَرَاهَتُهُ لِغَيْرِ الْمُتَعَمِّمِ وَإِبَاحَتُهُ لِلْمُتَعَمِّمِ لِوُجُودِ الْعِوَضِ، وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ مَا مَعْنَاهُ: إنَّ عَدَمَ حَلْقِ الرَّأْسِ الْيَوْمَ مِنْ فِعْلِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ، فَالْقَوْلُ بِجَوَازِ حَلْقِهِ وَلَوْ لِغَيْرِ الْمُتَعَمِّمِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ فَهُوَ مِنْ الْبِدَعِ الْحَسَنَةِ حَيْثُ لَمْ يَفْعَلُهُ لِهَوَى نَفْسِهِ وَإِلَّا كَرِهَ أَوْ حَرُمَ، كَمَا يَحْرُمُ إبْقَاءُ الشُّوشَةِ لِلْعُجْبِ وَبِدُونِهِ يُكْرَهُ، كَمَا يُكْرَهُ الْقَزَعُ وَهُوَ تَفْرِيقُ شَعْرِ الرَّأْسِ مَعَ حَلْقِ مَا بَيْنَهُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَرَبُ. (تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِنْ عَدِّ قَصِّ الشَّارِبِ وَإِزَالَةِ شَعْرِ الْعَانَةِ وَالْجَنَاحَيْنِ مِنْ الْفِطْرَةِ عَدَمُ سُنِّيَّةِ إزَالَةِ شَعْرِ بَقِيَّةِ الْجَسَدِ بَلْ الْإِبَاحَةُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ لَا بَأْسَ كَمَا بَيَّنَّا.

الثَّانِي: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ إزَالَةَ شَعْرِ الْعَانَةِ وَالْجَنَاحَيْنِ تَشْتَرِك فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَأَمَّا شَعْرُ بَقِيَّةِ الْجَسَدِ فَلَا بَأْسَ بِإِزَالَتِهِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ فَقَطْ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَيَجِبُ عَلَيْهِنَّ إزَالَةُ مَا فِي إزَالَتِهِ جَمَالٌ لَهَا وَلَوْ شَعْرُ اللِّحْيَةِ إنْ نَبَتَ لَهَا لِحْيَةٌ وَإِبْقَاءُ مَا فِي بَقَائِهِ جَمَالٌ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا حَلْقُ شَعْرِ رَأْسِهَا وَلِذَلِكَ يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهَا التَّقْصِيرُ عِنْدَ تَحَلُّلِهَا مِنْ إحْرَامِهَا.

(وَ) خَامِسَةُ الْخِصَالِ (الْخِتَانُ لِلرِّجَالِ) فَإِنَّهُ (سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ الْمُتَّضِحِ الذُّكُورَةِ، وَحَقِيقَتُهُ إزَالَةُ الْجِلْدَةِ السَّاتِرَةِ لِرَأْسِ الذَّكَرِ، وَالزَّمَنُ الْمُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ فِيهِ عِنْدَ أَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ، وَيُكْرَهُ خَتْنُهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَدَمَ جَوَازِ إمَامَةِ وَشَهَادَةِ تَارِكِهِ عَمْدًا اخْتِيَارًا، وَإِذَا أَسْلَمَ شَيْخٌ كَبِيرٌ سُنَّ خَتْنُهُ بِأَنْ يُؤْمَرَ بِخَتْنِهِ نَفْسَهُ لِحُرْمَةِ نَظَرِ عَوْرَةِ الْكَبِيرِ مَعَ سُنِّيَّةِ الْخِتَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَحْصُلُ لَهُ ضَرَرٌ فَيُرَخَّصُ لَهُ تَرْكُهُ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ وُلِدَ مَخْتُونًا فَقِيلَ يُجْزِئُهُ، وَقِيلَ تُمَرُّ الْمُوسَى عَلَى مَوْضِعِ الْخِتَانِ كَمَا تُمَرُّ عَلَى رَأْسِ الْأَقْرَعِ عِنْدَ التَّحَلُّلِ وَيُخْتَنُ الرِّجَالُ لَا النِّسَاءُ. (وَالْخِفَاضُ) وَهُوَ قَطْعُ مَا عَلَى فَرْجِ الْأُنْثَى كَعُرْفِ الدِّيكِ (لِلنِّسَاءِ) وَحُكْمُهُ أَنَّهُ (مَكْرُمَةٌ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ كَرَامَةٌ بِمَعْنَى مُسْتَحَبٌّ لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ فِيهِ السَّتْرُ بِحَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْفَاعِلَةِ وَالْمَفْعُولِ بِهَا وَلِذَلِكَ لَا يُصْنَعُ لِلْخِفَاضِ طَعَامٌ، بِخِلَافِ الْخِتَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يُشْهَرَ وَيُدْعَى إلَيْهِ النَّاسُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>