للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رُجِمَ حَتَّى يَمُوتَ وَالْإِحْصَانُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَيَطَأَهَا وَطْئًا صَحِيحًا.

فَإِنْ لَمْ يُحْصَنْ جُلِدَ مِائَةَ جَلْدَةٍ وَغَرَّبَهُ الْإِمَامُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ وَحُبِسَ فِيهِ عَامًا.

وَعَلَى الْعَبْدِ فِي الزِّنَا خَمْسُونَ جَلْدَةً وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ وَإِنْ كَانَا مُتَزَوِّجَيْنِ وَلَا

ــ

[الفواكه الدواني]

الْمُسْلِمُ بِقَتْلِ الذِّمِّيِّ) الْمَصْدَرُ مُضَافٌ إلَى مَفْعُولِهِ أَيْ بِقَتْلِهِ الذِّمِّيَّ أَوْ الْعَبْدَ (قَتْلَ غِيلَةٍ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا وَأَنَّهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْحِرَابَةِ، فَقَوْلُهُ: (أَوْ حِرَابَةٍ) مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ فِيهِ لِأَنَّ الْقَتْلَ فِي الْحِرَابَةِ لِحَقِّ اللَّهِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ تَابَ الْمُحَارِبُ أَمْ لَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتُبْ مِنْ الْحِرَابَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ إلَّا قِصَاصًا، فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مُكَافِئًا لَهُ أَوْ أَعْلَى، فَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا فَيَلْزَمُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ دِيَةُ الذِّمِّيِّ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ.

[بَاب الزِّنَا]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْحِرَابَةِ شَرَعَ فِي الزِّنَا وَهُوَ لُغَةً الضِّيقُ وَشَرْعًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الزِّنَا الشَّامِلُ لِلِّوَاطِ تَغْيِيبُ حَشَفَةِ آدَمِيٍّ فِي فَرْجِ آخَرَ دُونَ شُبْهَةِ حِلِّيَّةٍ عَمْدًا، فَلَيْسَ مِنْ الزِّنَا وَطْءُ الْأَمَةِ الْمُحَلَّلَةِ، وَلَا وَطْءُ جَارِيَةِ الِابْنِ بِخِلَافِ زَوْجَتِهِ، وَالْآدَمِيُّ الْمُرَادُ بِهِ الْمُسْلِمُ، وَكَذَا الْكَافِرُ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا، وَالْمُسْلِمَةُ يَطَؤُهَا الْكَافِرُ عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ، وَفِي فَرْجٍ آخَرَ أَيْ آدَمِيٍّ آخَرَ، فَلَيْسَ مِنْ الزِّنَا وَطْءُ الْجِنِّيَّةِ أَوْ الْبَهِيمَةِ، وَالْفَرْجُ يَشْمَلُ الدُّبُرَ وَلَوْ دُبُرَ خُنْثَى مُشْكِلٍ، لَكِنَّ دُبُرَ الذَّكَرِ يَكُونُ لِوَاطًا، وَدُبُرَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ يَكُونُ مِنْ الزِّنَا احْتِيَاطًا كَدُبُرِ الْأُنْثَى الْأَجْنَبِيَّةِ، وَأَمَّا تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي فَرْجِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْأَدَبُ، كَمَا لَوْ غَيَّبَ الْخُنْثَى قَبْلَ اتِّضَاحِهِ حَشَفَتَهُ فِي فَرْجِ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشَّهَادَاتِ، وَيَخْرُجُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: آخَرَ تَغْيِيبُ حَشَفَتِهِ فِي دُبُرِ نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِزِنًا وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ فَقَطْ، وَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ: دُونَ شُبْهَةِ حِلِّيَّةُ ذَاتِ النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، كَالْمَنْكُوحَةِ بِلَا وَلِيٍّ وَبِلَا شُهُودٍ، وَالزَّوْجَةِ أَوْ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ فِي حَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا، وَالْأَمَةِ الْمُحَرَّمَةِ بِالنَّسَبِ كَالْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ وَالْمُشْتَرَكَةِ لَا الْمُحَرَّمَةِ بِالْعِتْقِ فَهُوَ زِنًا، وَخَرَجَ بِعَمْدًا الْغَالِطُ وَالنَّاسِي وَالْجَاهِلُ بِالْعَيْنِ أَوْ الْحُكْمِ إلَّا الْوَاضِحَ كَوَطْءِ الْأُمِّ أَوْ الْجَدَّةِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ كِتَابًا وَسُنَّةً وَإِجْمَاعًا، فَأَمَّا الْكِتَابُ فَآيَةُ: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: ٣٢] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك، ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ، ثُمَّ أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِك» .

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الزِّنَا مُحَرَّمٌ وَمِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ لَيْسَ بَعْدَ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ وَقَتْلِ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ ذَنْبٌ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَحُدُودُهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: رَجْمٌ فَقَطْ، وَجَلْدٌ فَقَطْ، وَجَلْدٌ مَعَ تَغْرِيبٍ، وَبَدَأَ بِأَوَّلِهَا فَقَالَ: (وَمَنْ زَنَى) أَيْ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ وَلَا غَيْرِ مُنْتَشِرَةٍ. (مِنْ حُرٍّ مُحْصَنٍ) بِفَتْحِ الصَّادِ فِي أَجْنَبِيَّةٍ مُطِيقَةٍ وَلَوْ مَيِّتَةً (رُجِمَ) بِحِجَارَةٍ مُعْتَدِلَةٍ (حَتَّى يَمُوتَ) وَيُتَّقَى فَرْجُهُ وَوَجْهُهُ وَلَا يُحْفَرُ لَهُ بَلْ يُضْرَبُ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ، وَلَا يُضْرَبُ عَلَى مَا تَحْتَ السُّرَّةِ مِنْ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ، وَيُجَرَّدُ أَعْلَى الرَّجُلِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا تُجَرَّدُ الْمَرْأَةُ إلَّا مِمَّا يَقِي الضَّرْبَ، وَيُنْتَظَرُ بِهَا وَضْعُ حَمْلِهَا وَتَجِدُ مَنْ يُرْضِعُ وَلَدَهَا، بِخِلَافِ الْجَلْدِ فَإِنَّهُ تُؤَخَّرُ فِيهِ حَتَّى يَنْقَضِي نِفَاسُهَا لِأَنَّهَا مَرِيضَةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْعَسِيفِ: «اُغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» .

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْمُحْصَنَ يُرْجَمُ نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ مَا لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ تَفْسِيرُهُ بِقَوْلِهِ: (وَالْإِحْصَانُ) لُغَةً الْعَقْدُ وَشَرْعًا (أَنْ يَتَزَوَّجَ) أَيْ يَنْكِحَ (الرَّجُلُ) الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الْحُرُّ (امْرَأَةً) وَلَوْ أَمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً (نِكَاحًا صَحِيحًا) لَازِمًا (وَيَطَأَهَا وَطْئًا صَحِيحًا) أَيْ مُبَاحًا مَعَ انْتِشَارٍ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ شُرُوطَ الْإِحْصَانِ عَشَرَةٌ: وَهِيَ: الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ وَالْأَصَالَةُ الْمُسْتَنِدَةُ لِعَقْدِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ اللَّازِمِ، وَالْوَطْءُ الصَّحِيحُ مَعَ الِانْتِشَارِ، وَعِلْمُ الْخَلْوَةِ، وَعِلْمٌ مِنْ اشْتِرَاطِ حُرِّيَّةِ الزَّوْجِ وَإِسْلَامِهِ، وَالْإِطْلَاقُ فِي الْمَرْأَةِ أَنَّهُ قَدْ يُحْصِنُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ دُونَ صَاحِبِهِ، فَالزَّوْجَةُ الْأَمَةُ أَوْ الْحُرَّةُ الْمُطِيقَةُ تُحْصِنُ زَوْجَهَا الْحُرَّ الْبَالِغَ وَلَا يُحْصِنُهَا، كَمَا أَنَّ الْكِتَابِيَّةَ تُحْصِنُ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ وَلَا يُحْصِنُهَا، وَالْمَجْنُونَةُ تُحْصِنُ الْعَاقِلَ وَلَا يُحْصِنُهَا،

ثُمَّ ذَكَرَ مَفْهُومَ مُحْصَنٍ وَهُوَ الْبِكْرُ فَحَدُّهُ الْجَلْدُ مَعَ التَّغْرِيبِ إنْ كَانَ حُرًّا بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ لَمْ يُحْصِنْ) الزَّانِي الْحُرُّ بِأَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ أَصْلًا أَوْ تَزَوَّجَ تَزْوِيجًا فَاسِدًا أَوْ غَيْرَ لَازِمٍ أَوْ وَطِيءَ فِي زَمَنِ حُرْمَةٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ انْتِشَارٍ أَوْ لَمْ تُعْلَمْ خَلْوَةٌ بَيْنَهُمَا (جُلِدَ مِائَةَ جَلْدَةٍ) قَالَ خَلِيلٌ: وَجَلْدُ الْبِكْرِ الْحُرِّ مِائَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] (وَغَرَّبَهُ الْإِمَامُ) وُجُوبًا إنْ كَانَ حُرًّا ذَكَرًا (إلَى بَلَدٍ آخَرَ) عَلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَفَى مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى خَيْبَرَ، وَنَفَى عَلِيٌّ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى الْبَصْرَةِ وَهِيَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ وَقِيلَ ثَلَاثٍ.

(وَ) إذَا غُرِّبَ إلَى بَلَدٍ (حُبِسَ فِيهِ عَامًا) كَامِلًا مِنْ يَوْمِ سَجْنِهِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي نُفِيَ إلَيْهِ، فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ تَمَامِ الْعَامِ أُخْرِجَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ مِثْلَهُ فِي الْبُعْدِ يَمْكُثُ فِيهِ حَتَّى تَتِمَّ السَّنَةُ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ غَرَّبَهُ أَنَّهُ لَوْ غَرَّبَ نَفْسَهُ لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَغُرِّبَ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّيْنَ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>