للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ.

وَالْعِتْقُ بِعَيْنِهِ مُبَدَّأٌ عَلَيْهَا وَالْمُدَبَّرُ فِي الصِّحَّةِ مُبَدَّأٌ عَلَى مَا فِي الْمَرَضِ مِنْ عِتْقٍ وَغَيْرِهِ وَعَلَى مَا

ــ

[الفواكه الدواني]

وَالْمَكْرُوهَةُ، كَالْإِيصَاءِ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى قَبْرِهِ، وَكَالْإِيصَاءِ بِبِنَاءِ قُبَّةٍ عَلَيْهِ لِغَيْرِ الْمُبَاهَاةِ، وَكَالْإِيصَاءِ بِالْحَجِّ عَنْهُ، أَوْ الْإِيصَاءِ بِعَمَلِ مَوْلِدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ لَهُ أَوْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرِهِ مِنْ صُلَحَاءِ الْمُسْلِمِينَ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَنْ لَهُ مَالٌ يَشْمَلُ الصَّغِيرَ الْمُمَيِّزَ وَالْكَبِيرَ وَالسَّفِيهَ الْمُسْلِمَ أَوْ الْكَافِرَ، فَيُوَافِقُ قَوْلَ خَلِيلٍ: صَحَّ إيصَاءُ حُرٍّ مُمَيِّزٍ مَالِكٍ وَإِنْ سَفِيهًا وَصَغِيرًا وَكَافِرًا إلَّا بِكَخَمْرٍ لِمُسْلِمٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ شَرْطَ صِحَّتِهِ الْحُرِّيَّةُ وَالتَّمْيِيزُ وَالْمِلْكُ لِمَا أَوْصَى بِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغٌ وَلَا رُشْدٌ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إنْ كَانَ صَبِيًّا بُلُوغُهُ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَارَبَهَا، وَأَنْ يَكُونَ ضَابِطًا بِحَيْثُ لَا يَخْلِطُ فِي وَصِيَّتِهِ، وَقِيلَ مَعْنَى الضَّبْطِ أَنْ يُوصِيَ بِمَا فِيهِ قُرْبَةٌ وَإِنْ صَحَّتْ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ الْمَذْكُورِ وَالسَّفِيهِ مَعَ تَبْذِيرِهِ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا لِحَقِّ أَنْفُسِهِمَا، فَلَوْ حَجَرَ عَلَيْهِمَا فِي الْوَصِيَّةِ لَكَانَ الْحَجْرُ لِحَقِّ الْغَيْرِ.

الثَّانِي: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ مَنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ لِلْمُوصَى بِهِ شَرْعًا حَالًا أَوْ مَالًا وَلَوْ حُكْمًا، فَيَدْخُلُ الْإِيصَاءُ لِلْحَمْلِ وَيَسْتَحِقُّ إنْ اسْتَهَلَّ وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَغَلَّةُ الْمُوصَى بِهِ قَبْلَ اسْتِهْلَالِهِ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي بِالْكَسْرِ، وَتَصِحُّ لِلْمَيِّتِ حَيْثُ عَلِمَ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ، وَتُصْرَفُ فِي دَيْنِهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ تُدْفَعُ لِوَرَثَتِهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ فَتَكُونُ بَاطِلَةً، وَيَدْخُلُ بِقَوْلِي وَلَوْ حُكْمًا الْإِيصَاءُ لِنَحْوِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْقَنْطَرَةِ، وَيَخْرُجُ بِقَوْلِي شَرْعًا إيصَاءُ الْكَافِرِ بِالْخَمْرِ أَوْ الْخِنْزِيرِ لِمُسْلِمٍ فَلَا تَصِحُّ وَإِنْ صَحَّتْ مِنْهُ بِذَلِكَ لِكَافِرٍ.

الثَّالِثُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ صِيغَتَهَا وَهِيَ كُلُّ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْوَصِيَّةُ مِنْ لَفْظٍ أَوْ إشَارَةٍ وَلَوْ مِنْ قَادِرٍ عَلَى الْكَلَامِ أَوْ خَطٍّ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ تَنْفِيذُهَا إلَّا بِإِشْهَادِ الْمُوصِي عَلَيْهَا لِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَنْهَا مَا دَامَ حَيًّا كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ؟ قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ ثَبَتَ أَنْ عَقَدَهَا خَطُّهُ أَوْ قَرَأَهَا وَلَمْ يُشْهِدْ أَوْ لَمْ يَقُلْ أَنْفِذُوهَا لَمْ تَنْفُذْ وَلَهُمْ الشَّهَادَةُ حَيْثُ أَشْهَدَهُمْ، وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ عَلَيْهِمْ الْكِتَابَ وَلَا فَتَحَهُ لَهُمْ، وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ الْوَصِيَّةِ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ حَيْثُ أَشْهَدَهُمْ عَلَى مَا فِيهَا أَوْ قَالَ لَهُمْ: أَنْفِذُوا وَصِيَّتِي.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ لَا تَصِحُّ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا وَصِيَّةَ) صَحِيحَةٌ (لِوَارِثِ) الْمُوصِي حِينَ مَوْتِهِ لَا حِينَ الْإِيصَاءِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَالْوَارِثُ يَصِيرُ غَيْرَ وَارِثٍ وَعَكْسُهُ الْمُعْتَبَرُ مَالُهُ فَتَصِحُّ لِابْنِ الْوَارِثِ لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ بِالْوَارِثِ، كَمَا تَصِحُّ لِأَخِيهِ إذَا طَرَأَ لَهُ مَنْ يَحْجُبُهُ حَجْبَ حِرْمَانٍ وَقَدَّرْنَا مُتَعَلِّقَ الْمَجْرُورِ صَحِيحَهُ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ بَاطِلَةٌ وَلَوْ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ أَجَازَهَا الْوَارِثُ كَانَتْ ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ مِنْهُ، وَمِثْلُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ الْوَصِيَّةُ لِبَعْضِ عَبِيدِ الْوَرَثَةِ حَيْثُ كَانَتْ بِشَيْءٍ لَهُ بَالٌ، بِخِلَافِهَا لِعَبْدِ الْوَارِثِ الْمُتَّحِدِ فَتَصِحُّ حَيْثُ كَانَ يَجُوزُ جَمْعُ الْمَالِ أَوْ وَقَعَتْ بِتَافِهٍ أَوْ قَصَدَ بِهِ الْعَبْدَ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتَصِحُّ لِعَبْدِ وَارِثِهِ إنْ اتَّحَدَا وَبِتَافِهٍ أُرِيدَ بِهِ الْعَبْدُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» .

(تَنْبِيهٌ) كَمَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ تَبْطُلُ أَيْضًا بِارْتِدَادِ الْمُوصِي أَوْ الْمُوصَى لَهُ وَلَوْ رَجَعَ الْمُرْتَدُّ لِلْإِسْلَامِ.

قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى مَا تُسْقِطُهُ الرِّدَّةُ: وَإِحْصَانًا وَوَصِيَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ بِكِتَابٍ فَتَصِحُّ عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ، وَكَذَا تَبْطُلُ إذَا وَقَعَتْ بِمَعْصِيَةٍ كَالْإِيصَاءِ بِشَيْءٍ لِمَنْ يَشْرَبُ بِهِ خَمْرًا، أَوْ بِشَيْءٍ لِمَنْ يُصَلِّي أَوْ يَصُومُ بِهِ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَرْجِعُ مِيرَاثًا، بِخِلَافِ الْإِيصَاءِ بِالْمَكْرُوهِ كَالْإِيصَاءِ بِضَرْبِ قُبَّةٍ لَا بِقَصْدِ الْمُبَاهَاةِ أَوْ بِفِعْلِ ضَحِيَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَكْرُوهٌ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ وَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا.

[الْإِيصَاءُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ]

ثُمَّ بَيَّنَ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ بِقَوْلِهِ: (وَالْوَصَايَا) الصَّحِيحَةُ الْوَاجِبَةُ التَّنْفِيذِ (خَارِجَةٌ) أَيْ مَصْرُوفَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ (مِنْ الثُّلُثِ) فَلَا يَجُوزُ الْإِيصَاءُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ وَقَعَ وَأَوْصَى بِأَكْثَرَ لَمْ تَصِحَّ. (وَيَرُدُّ) بِمَعْنًى يُبْطِلُ (مَا زَادَ عَلَيْهِ) أَيْ الثُّلُثِ وَلَوْ كَانَ الزَّائِدُ شَيْئًا يَسِيرًا. (إلَّا أَنْ تُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ) الْبَالِغُونَ الرُّشَدَاءُ فَتَكُونَ الْإِجَازَةُ ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ لَهُمْ، وَإِنْ أَجَازَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ مَضَتْ حِصَّةُ الْمُجِيزِ وَرُدَّتْ حِصَّةُ الْمُمْتَنِعِ لَهُ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَالْوَصَايَا خَارِجَةٌ مِنْ الثُّلُثِ ظَاهِرُهُ مِنْ ثُلُثِ جَمِيعِ مَالِ الْمُوصِي الْمَعْلُومِ لَهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ وَالْمَجْهُولِ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَا تَخْرُجُ إلَّا مِنْ ثُلُثِ مَا عُلِمَ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَوْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ، وَسَوَاءٌ وَقَعَتْ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ كَوْنِ تَدْبِيرِهِ فِي الْمَرَضِ فَيَكُونُ كَالْوَصِيَّةِ، وَفِي الصِّحَّةِ فَيَكُونُ فِي الثُّلُثِ الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ كَصَدَاقِ الزَّوْجَةِ الْمَنْكُوحَةِ فِي الْمَرَضِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَهِيَ وَمُدَبَّرٌ إنْ كَانَ فَمَرِضَ فِيمَا عُلِمَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مُدَبَّرِ الصِّحَّةِ وَالْوَصِيَّةِ أَنَّ عَقْدَ التَّدْبِيرِ لَازِمٌ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ عَقْدُهَا مُنْحَلٌّ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا مَا دَامَ حَيًّا، وَلَوْ شَرَطَ عَدَمَ الرُّجُوعِ عَلَى مَا قَالَ بَعْضٌ: الثَّانِي: أَشْعَرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: بِرَدِّ مَا زَادَ بِعَدَمِ رَدِّ الثُّلُثِ كَمَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَيْسَ لَهَا رَدُّ الْجَمِيعِ، بِخِلَافِ الزَّوْجِ تَتَبَرَّعُ زَوْجَتُهُ بِأَكْثَرَ فَلَهُ رَدُّ الْجَمِيعِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ تَبَرُّعِهَا وَزَائِدِ الْوَصِيَّةِ بِأَنَّ الزَّوْجَةَ قَدْ تَقْصِدُ بِتَبَرُّعِهَا بِالزَّائِدِ ضَرَرَ زَوْجِهَا بِخِلَافِ الْمُوصِي، وَبِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَوْ رَدَّ زَوْجُهَا جَمِيعَ تَبَرُّعِهَا يُمْكِنُهَا التَّبَرُّعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>