عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَدَخَلَ مَدْخَلَهَا لُحُومُ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: ٨] وَلَا ذَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا فِي الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْهَا.
وَمِنْ الْفَرَائِضِ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ فَلْيَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا لَيِّنًا وَلْيُعَاشِرْهُمَا
ــ
[الفواكه الدواني]
لَا إنْ قَصُرَ بِحَيْثُ يُقْطَعُ بَعْدَ تَوَقُّعِ الْإِسْكَارِ مِنْهُمَا وَإِلَّا جَازَ، كَمَا يَجُوزُ شُرْبُ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَيَدْخُلُ فِي شَرَابِ الْخَلِيطَيْنِ مَا يُفْعَلُ لِلْمَرِيضِ مِنْ وَضْعِ الزَّبِيبِ وَالْقُرَّاصِيَّةِ وَالْمِشْمِشِ، وَهَذَا بِخِلَافِ خَلْطِ اللَّبَنِ بِالْعَسَلِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَقْطَعُ بِعَدَمِ إسْكَارِهِ فَيَجُوزُ.
[الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ]
(وَنَهَى) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ) بِالْمَدِّ وَالصَّرْفِ فِي غَيْرِ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ الْقَرْعُ يُجَفَّفُ حَتَّى يَصِيرَ ظَرْفًا فَيُوضَعُ فِيهِ الزَّبِيبُ وَيُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاء حَتَّى يَصِيرَ حُلْوًا.
(وَ) نَهَى أَيْضًا عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْإِنَاءِ (الْمُزَفَّتِ) أَيْ الْمَدْهُونِ بَاطِنُهُ بِالزِّفْتِ، وَيُقَالُ لَهُ الْمُقَيَّرُ لِدَهْنِهِ بِالْقَارِ الَّذِي هُوَ الزِّفْتُ، وَنَهَى أَيْضًا عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي النَّقِيرِ وَهُوَ جِذْعُ النَّخْلَةِ يُنْقَرُ وَيُجْعَلُ ظَرْفًا كَالْقَصْعَةِ، وَنَهَى أَيْضًا عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْحَنْتَمِ وَهُوَ مَا طُلِيَ مِنْ الْفَخَّارِ بِالزُّجَاجِ كَالْأَصْحُنِ الْخُضْرِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَنَا وَالنَّهْيُ وَلَوْ كَانَ الْمُنَبَّذُ فِي تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ شَيْئًا وَاحِدًا، وَأَمَّا تَنْبِيذُ شَيْئَيْنِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَوْ فِي نَحْوِ الصِّينِيِّ، وَعِلَّةُ النَّهْيِ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْمَذْكُورَاتِ لِأَنَّ السُّكْرَ شُرِعَ لِمَا فِيهَا لِتَبَادُرِ الْحُمُوضَةِ لِمَا يُوضَعُ فِيهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ انْتِبَاذَ نَحْوِ شَيْئَيْنِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي كُلِّ ظَرْفٍ، وَأَمَّا انْتِبَاذُ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَإِنَّمَا يُنْهَى عَنْهُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ: الدُّبَّاءُ وَالْمُزَفَّتُ وَالْمُقَيَّرُ وَالنَّقِيرُ.
قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمَكْرُوهِ: وَنَبْذٌ بِكَدُبَّاءٍ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِنْ الْمَشْرُوبَاتِ شَرَعَ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ فَقَالَ:
[أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاع وَأَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ]
(وَنَهَى عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ عَنْ أَكْلِ) شَيْءٍ مِنْ (كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ) وَهِيَ كُلُّ مَا لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الِافْتِرَاسِ كَالسَّبُعِ وَالضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ وَالذِّئْبِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَالْمَكْرُوهُ سَبُعٌ وَضَبُعٌ وَثَعْلَبٌ وَذِئْبٌ وَهِرٌّ وَإِنْ وَحْشِيًّا، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ، وَكَذَلِكَ دُبٌّ وَنِمْسٌ وَفَهْدٌ وَنَمِرٌ، وَأَمَّا الْكَلْبُ الْإِنْسِيُّ فَصَحَّحَ فِي الشَّامِلِ كَرَاهَةَ أَكْلِهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِحُرْمَتِهِ أَوْ إبَاحَتِهِ، وَأَمَّا كَلْبُ الْمَاءِ وَخِنْزِيرُهُ وَآدَمِيُّهُ فَالْمَشْهُورُ فِيهَا الْإِبَاحَةُ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الْبَحْرِيَّةِ، وَأَمَّا الْقِرْدُ فَفِيهِ قَوْلَانِ بِالْكَرَاهَةِ وَالْمَنْعِ، وَأَمَّا الْفَأْرُ فَالْمَشْهُورُ فِيهِ الْكَرَاهَةُ إنْ كَانَ يَأْكُلُ النَّجَاسَةَ، وَأَمَّا فَأَرَ الْغَيْطِ فَمُبَاحٌ لِعَدَمِ تَعَاطِيه النَّجَاسَةَ، وَأَمَّا بِنْتُ عُرْسٍ فَيَحْرُمُ أَكْلُهَا حَتَّى قِيلَ إنَّهُ يُورِثُ الْعَمَى.
(تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَنَهَى إلَخْ لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ النَّهْيِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ خَلِيلٍ أَنَّهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ الْفَتْوَى وَهِيَ تَنْزِيهِيَّةٌ، لِأَنَّ خَلِيلًا صَدَّرَ أَوَّلًا بِالْمُحَرَّمِ وَذَكَرَ ثَانِيًا الْمَكْرُوهَ، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ فَافْهَمْ: وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ شَرَعَ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ عَلَى جِهَةِ الْحُرْمَةِ فَقَالَ: (وَ) نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَيْضًا تَحْرِيمًا (عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ) أَيْ فِي الْحَالِ لِتَتَنَاوَلَ الْوَحْشِيَّةَ إذَا دُجِّنَتْ وَتَأَنَّسَتْ وَصَارَتْ مُرَوَّضَةً لِلْعَمَلِ عَلَيْهَا كَالْإِنْسِيَّةِ فَيَحْرُمُ أَكْلُهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى حُرْمَةِ أَكْلِهَا نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ. (وَدَخَلَ مَدْخَلُهَا) أَيْ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ بِمَعْنَى شَارَكَهَا فِي حُرْمَةِ الْأَكْلِ (لُحُومُ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ) وَبَيَّنَ عِلَّةَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: ٨] وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْحَمْلِ وَالْعَمَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّا نَقُولُ: اللَّهُ نَصَّ عَلَى إبَاحَةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَأَشَارَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ إلَى جَمِيعِ ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ مُسْتَغْنِيَةٍ عَنْ التَّقْيِيدِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمُحَرَّمُ النَّجَسُ وَالْخِنْزِيرُ وَبَغْلٌ وَفَرَسٌ وَحِمَارٌ وَلَوْ وَحْشِيًّا دُجِّنَ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَنْفَعُ فِي الْمُحَرَّمِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا ذَكَاةَ) نَافِعَةً (فِي شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ الْحُمُرِ وَمَا دَخَلَ مَدْخَلَهَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا نَافِعَةً لِأَنَّ مَشْهُورَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تُفِيدُ فِي الْمُحَرَّمِ لَا مِنْ جِهَةِ الْأَكْلِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الطَّهَارَةِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهَا تُفِيدُ طَهَارَةَ مَيْتَةٍ فَهُوَ شَاذٌّ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَعْمَلُ الذَّكَاةُ عِنْدَنَا فِي الْمُبَاحِ الْأَكْلِ، وَأَمَّا مَكْرُوهُ الْأَكْلِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ السِّبَاعَ إذَا ذُكِّيَتْ لِلَحْمِهَا يُكْرَهُ تَنَاوُلُ لَحْمِهَا وَجِلْدِهَا وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِتَبْعِيضِ ذَكَاتِهَا لِتَبَعِيَّةِ الْجِلْدِ لِلَّحْمِ، وَأَمَّا لَوْ ذُكِّيَتْ لِلْجِلْدِ فَقَطْ فَكَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ تَبْعِيضِ الذَّكَاةِ، وَأَمَّا عَلَى التَّبْعِيضِ فَيَجُوزُ تَنَاوُلُ الْجِلْدِ وَيَحْرُمُ أَكْلُ اللَّحْمِ، وَلَمَّا كَانَ مَفْهُومُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مُعْتَبَرًا قَالَ مُسْتَثْنِيًا عَلَى جِهَةِ الِانْقِطَاعِ: (إلَّا فِي الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ) الْمُسْتَمِرَّةِ عَلَى تَوَحُّشِهَا فَإِنَّ الذَّكَاةَ تَنْفَعُ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الْأَكْلُ وَالطَّهَارَةُ وَحِلُّ الْبَيْعِ، وَأَمَّا لَوْ تَأَنَّسَتْ فَلَا تَنْفَعُ فِيهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْإِنْسِيَّةِ، وَلَمَّا كَانَ النَّهْيُ عَنْ أَكْلِ كُلِّ سَبُعٍ مِنْ الْحَيَوَانِ مَحْمُولًا عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى غَيْرِ الطَّيْرِ، وَأَمَّا الطَّيْرُ فَجَمِيعُهُ مُبَاحٌ عِنْدَهُ سِوَى مَا نُنَبِّهُ عَلَيْهِ فِيمَا يَأْتِي قَالَ: (وَلَا بَأْسَ) بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ (بِأَكْلِ) لَحْمِ (سِبَاعِ الطَّيْرِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْهَا) وَلَوْ جَلَّالَةً مُلَازِمَةً لِأَكْلِ النَّجَاسَاتِ.
قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ