للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَيْثُ يُعَظِّمُ

وَإِذَا وَجَدَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً بَعْدَ يَمِينِ الْمَطْلُوبِ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهَا قُضِيَ لَهُ بِهَا وَإِنْ كَانَ عَلِمَ بِهَا فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَقَدْ قِيلَ تُقْبَلُ مِنْهُ

وَيُقْضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي الْأَمْوَالِ وَلَا يُقْضَى بِذَلِكَ فِي نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ حَدٍّ وَلَا فِي دَمِ عَمْدٍ أَوْ

ــ

[الفواكه الدواني]

بِمَوْضِعِ الْأَصْلِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ تَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُ الشُّيُوخِ.

(وَ) إذَا كَانَ الْحَلِفُ (فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ) فَإِنَّهُ (يَحْلِفُ فِي ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الرُّبُعِ دِينَارٍ أَوْ مَا يُسَاوِيهِ (فِي الْجَامِعِ) وَهُوَ مُصَلَّى الْجُمُعَةِ لَا مُطْلَقَ مَسْجِدٍ.

(وَ) يَكُونُ مَحَلُّ الْحَالِفِ مِنْ الْجَامِعِ فِي (مَوْضِعٍ يُعَظَّمُ مِنْهُ) وَهُوَ مِحْرَابُهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ تَحْلِيفَهُ مُسْلِمًا

أَمَّا الْكَافِرُ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيَحْلِفُ الْكَافِرُ) غَيْرُ الْكِتَابِيِّ كَالْمَجُوسِيِّ (بِاَللَّهِ) فَقَطْ، وَأَمَّا الْكِتَابِيُّ فَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يَحْلِفُ كَالْمُسْلِمِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، وَمَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ اقْتِصَارِ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ عَلَى بِاَللَّهِ فَقَطْ هُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ تَرْجِيحُهُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنْ يَحْلِفَ كَالْمُسْلِمِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَيَحْلِفُونَ كَالْمُسْلِمِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ هُوَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَقِيلَ: النَّصْرَانِيُّ يَقْتَصِرُ عَلَى بِاَللَّهِ فَقَطْ، وَالْيَهُودِيُّ يَزِيدُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِالتَّوْحِيدِ، وَبَقِيَ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ وَالْيَهُودِيَّ كُلٌّ مِنْهُمَا يَقْتَصِرُ عَلَى بِاَللَّهِ فَقَطْ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ فِي الْمَجُوسِيِّ قَوْلَيْنِ وَالْكِتَابِيِّ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، وَالرَّاجِحُ فِي الْكِتَابِيِّ مُطْلَقًا أَنَّهُ كَالْمُسْلِمِ، وَالْمَجُوسِيُّ يَقْتَصِرُ عَلَى بِاَللَّهِ فَقَطْ كَمَا قَدَّمْنَا، وَمَحَلُّ التَّغْلِيظِ عَلَى الْكَافِرِ.

(حَيْثُ يُعَظِّمُ) بِالْكَسْرِ أَيْ يَحْلِفُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَهُ وَهُوَ الْكَنِيسَةُ إنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا، وَالْبِيعَةُ إنْ كَانَ يَهُودِيًّا، وَبَيْتُ النَّارِ إنْ كَانَ مَجُوسِيًّا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ التَّغْلِيظَ يَكُونُ بِالْقِيَامِ لَا بِالِاسْتِقْبَالِ وَلَا بِالزَّمَانِ، كَكَوْنِ الْيَمِينِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَالتَّغْلِيظُ وَاجِبٌ عِنْدَ طَلَبِ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَقِّهِ مَنْ امْتَنَعَ مِنْهُ يَعُدُّنَا كُلًّا، وَيَكُونُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَلَا يَحْلِفُ إلَّا الْبَالِغُ الْعَاقِلُ؛ لِأَنَّ الصِّبْيَانَ لَا يَحْلِفُونَ وَلَا يَحْنَثُونَ.

[وَجَدَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِالْحَقِّ بَعْدَ يَمِينِ الْمَطْلُوبِ]

ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ مَا لَوْ حَلَّفَ الطَّالِبُ الْمَطْلُوبَ ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَةً بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا وَجَدَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً) تَشْهَدُ لَهُ بِالْحَقِّ (بَعْدَ يَمِينِ الْمَطْلُوبِ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهَا) حِينَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ (قُضِيَ لَهُ بِهَا) بَعْدَ حَلِفِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا حِينَ تَحْلِيفِ الْمَطْلُوبِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ نَفَاهَا وَاسْتَحْلَفَهُ فَلَا بَيِّنَةَ إلَّا لِعُذْرٍ وَكَنِسْيَانٍ، وَحُكْمُ الْبَيِّنَةِ الْغَائِبَةِ غَيْبَةً بَعِيدَةً حُكْمُ الْبَيِّنَةِ الَّتِي لَمْ يُعْلَمْ بِهَا.

(وَ) أَمَّا (إنْ كَانَ عَلِمَ بِهَا) حِينَ تَحْلِيفِ الْمَطْلُوبِ (فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ) عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَمُقَابِلِهِ الضَّعِيفِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ قِيلَ تُقْبَلُ مِنْهُ) .

(خَاتِمَةٌ لِبَابِ الْقَضَاءِ) مُحَصِّلُهَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ شَهَادَةَ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَعِنْدَ غَيْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَكِنْ يَكْتُبُ عِنْدَهُ أَسْمَاءَ الشُّهُودِ، فَإِذَا حَضَرَ الْخَصْمُ قَرَأَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ وَفِيهَا أَسْمَاءُ الشُّهُودِ وَأَنْسَابُهُمْ وَمَسَاكِنُهُمْ وَيَعْذِرُ إلَيْهِ فِي شَأْنِهِمْ، فَإِنْ ادَّعَى مَطْعَنًا فِيهِمْ أَمَرَهُ بِإِثْبَاتِهِ وَإِلَّا أَلْزَمَهُ الْقَضَاءَ وَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ، وَإِذَا طَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إعَادَةَ الشَّهَادَةِ حَتَّى يَشْهَدُوا بِحَضْرَتِهِ فَإِنَّهُ لِإِيجَابٍ إلَى ذَلِكَ.

[أَقْسَام الشَّهَادَة]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ مَسَائِلِ الْقَضَاءِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَعْنَاهَا لُغَةً وَشَرْعًا، وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي أَقْسَامِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ:

إمَّا أَرْبَعَةٌ عُدُولٌ وَذَلِكَ فِي رُؤْيَةِ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِعْلُهُمَا إلَّا بِشَهَادَةِ أَرْبَعٍ اجْتَمَعُوا عَلَى الرُّؤْيَةِ الْمُتَّحِدَةِ أَنَّهُ أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَيَجُوزُ لِلْعُدُولِ تَعَمُّدُ النَّظَرِ لِلْعَوْرَةِ بِقَصْدِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ، وَإِمَّا عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِمَا فَيَكْفِي عَدْلَانِ عَلَى الرَّاجِحِ.

وَإِمَّا عَدْلَانِ فَقَطْ وَذَلِكَ فِي نَحْوِ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَئُولُ إلَى الْمَالِ.

وَالثَّالِثُ: عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ الْيَمِينِ وَذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يَئُولُ إلَيْهَا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ.

وَالرَّابِعُ: امْرَأَتَانِ فَقَطْ وَذَلِكَ فِيمَا لَا يَجُوزُ نَظَرُ الرِّجَالِ إلَيْهِ كَالْوِلَادَةِ وَعُيُوبِ الْفَرْجِ وَالِاسْتِهْلَالِ. وَزَادَ بَعْضُ الشُّيُوخِ خَامِسًا وَهُوَ الْخُلْطَةُ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ وَلَوْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَأَشَارَ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَمْوَالِ بِقَوْلِهِ: (وَيُقْضَى بِشَاهِدٍ) أَوْ امْرَأَتَيْنِ. (وَيَمِينٍ فِي الْأَمْوَالِ) وَمَا يَئُولُ إلَيْهَا كَالْأَجَلِ وَالْخِيَارِ وَالشُّفْعَةِ وَالْإِجَارَةِ وَجِرَاحَاتِ الْخَطَإِ وَأَدَاءِ الْكِتَابَةِ وَالْإِيصَاءِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَالْوَقْفِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَشَارَ إلَى مَا لَا يُقْضَى فِيهِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُقْضَى بِذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ (فِي نِكَاحٍ) أَوْ عِتْقٍ (أَوْ طَلَاقٍ أَوْ حَدٍّ) أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا آيِلٍ إلَيْهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَئُولُ إلَيْهِ كَعِتْقٍ وَرَجْعَةِ عَدْلَانِ وَالْمُرَادُ طَلَاقٌ غَيْرُ الْخُلْعِ، وَمِثْلُ النِّكَاحِ الْوَكَالَةُ فِي غَيْرِ الْمَالِ وَتَارِيخِ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَمَنْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ حَالَ حَيَاتِهِ أَوْ ادَّعَى عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوْ امْرَأَةٌ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوْ شَخْصٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَذَفَهُ. وَأَقَامَ وَاحِدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا شَاهِدًا، أَوْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ فَلَا يُقْضَى لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>