للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ يُؤَذِّنُ لِلْعِشَاءِ فِي دَاخِلِ الْمَسْجِدِ وَيُقِيمُ ثُمَّ يُصَلِّيهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ وَعَلَيْهِمْ إسْفَارٌ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ

وَالْجَمْعُ بِعَرَفَةَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ عِنْدَ الزَّوَالِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ

، وَكَذَلِكَ فِي جَمْعِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ إذَا

ــ

[الفواكه الدواني]

الْمَدِينَةَ أَوْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ لِنَفْسِهِ لِعِظَمِ فَضْلِهَا عَلَى الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِهَا.

الثَّانِي: الَّذِي مَنْزِلُهُ مُتَّصِلٌ بِالْجَامِعِ وَلَمْ يَأْتِ الْجَامِعُ لَيْسَ لَهُ الْجَمْعُ تَبَعًا لِأَهْلِ الْجَامِعِ، فَلَوْ خَالَفَ وَجَمَعَ مَعَ أَهْلِ الْمَسْجِدِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ جَمْعِهِمْ تَبَعًا لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ.

[أَسْبَاب الْجَمْع وَصِفَته]

ثُمَّ شَرَعَ فِي صِفَةِ الْجَمْعِ لِلْمَطَرِ أَوْ الطِّينِ مَعَ الظُّلْمَةِ بِقَوْلِهِ: (يُؤَذِّنُ لِلْمَغْرِبِ أَوَّلَ الْوَقْتِ) عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ (خَارِجَ الْمَسْجِدِ) عَلَى الْمَنَابِرِ يَرْفَعُ صَوْتَهُ حُكْمُ الْمُعْتَادِ. (ثُمَّ يُؤَخِّرُ) الْمَغْرِبَ نَدْبًا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ (قَلِيلًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ) بِقَدْرِ مَا يَدْخُلُ وَقْتُ الِاشْتِرَاكِ لِاخْتِصَاصِ الْأُولَى بِثَلَاثٍ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَقِيلَ قَدْرَ حَلْبِهِ شَاةً، وَقَوْلُ مَالِكٍ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعِلَّةُ التَّأْخِيرِ لِيَأْتِيَ مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ، وَلَا يُقَالُ: وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَضِيقٌ فَتَأْخِيرُهَا مُنَافٍ لِذَلِكَ، لِأَنَّا نَقُولُ: تَأْخِيرُهَا مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِامْتِدَادِ اخْتِيَارَيْهَا لِلشَّفَقِ، فَإِنَّ لَهُ قُوَّةً فِي بَابِ الْجَمْعِ رِفْقًا بِالنَّاسِ فِي حُصُولِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ لَهُمْ، وَأَيْضًا نَصُّوا عَلَى جَوَازِ التَّأْخِيرِ قَلِيلًا لِمُحَصِّلِي الشُّرُوطِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا.

(ثُمَّ) بَعْدَ التَّأْخِيرِ قَلِيلًا (يُقِيمُ) الْمُؤَذِّنُ الصَّلَاةَ (فِي دَاخِلِ الْمَسْجِدِ وَيُصَلِّيهَا) أَيْ الْمَغْرِبَ مِنْ غَيْرِ تَطْوِيلٍ؛ لِأَنَّ تَقْصِيرَهَا مَطْلُوبٌ فِي غَيْرِ هَذَا فَهَذَا أَوْلَى.

(ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَانْصِرَافِ الْإِمَامِ مِنْ مَحَلِّ صَلَاتِهِ (يُؤَذِّنُ لِلْعِشَاءِ) إثْرَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ وَلَا تَسْبِيحٍ وَلَا تَحْمِيدٍ مِنْ الْمُؤَذِّنِ (فِي دَاخِلِ) صَحْنِ (الْمَسْجِدِ) بِصَوْتٍ مُنْخَفِضٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِطَلَبِ الْجَمَاعَةِ، وَلِذَلِكَ كَانَ مَنْدُوبًا، وَعِنْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ يُسَنُّ الْأَذَانُ عَلَى الْمَنَارِ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ لِيُعْلِمَ أَهْلَ الْبُيُوتِ.

(وَيُقِيمُ) لِلْعِشَاءِ (ثُمَّ يُصَلِّيهَا) سَرِيعًا (ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ) إلَى مَنَازِلِهِمْ (وَ) الْحَالُ أَنَّ (عَلَيْهِمْ الْإِسْفَارُ) أَيْ بَقِيَّةً مِنْ نُورِ النَّهَارِ بِحَيْثُ يَصِلُونَ إلَى مَنَازِلِهِمْ (قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ) .

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: إنَّمَا قُلْنَا: ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَانْصِرَافِهِ إلَخْ، إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَبْقَى فِي مَحَلِّهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَإِنَّ الْجُزُولِيَّ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: هَلْ يَنْصَرِفُ مِنْ مَحَلِّهِ أَوْ يَسْتَمِرُّ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ: قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرُهُ: وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُومَ مِنْ مُصَلَّاهُ إذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ حَتَّى يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَعُودُ اهـ.

وَأَقُولُ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَبَقَ: وَلْيَنْصَرِفْ الْإِمَامُ إلَخْ يَشْمَلُ هَذَا.

الثَّانِي: قَوْلُهُ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إلَخْ لَوْ جَمَعُوا وَلَمْ يَنْصَرِفُوا حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ أَعَادُوا الْعِشَاءَ وَقِيلَ لَا إعَادَةَ.

الثَّالِثُ: فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: يَنْصَرِفُونَ وَعَلَيْهِمْ الْإِسْفَارُ أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ الْوِتْرَ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ وَقْتَهُ بَعْدَ عِشَاءٍ صَحِيحَةٍ وَشَفَقٍ لِلْفَجْرِ كَتَرَاوِيحِ رَمَضَانَ.

الرَّابِعُ: فُهِمَ مِنْ طَلَبِ انْصِرَافِهِمْ بَعْدَ الْعِشَاءِ أَنَّهُمْ لَا يَشْتَغِلُونَ بِنَفْلٍ وَلَا غَيْرِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا تَنَفُّلَ بَيْنَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا، وَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ وَتَنَفَّلَ بَيْنَهُمَا لَا يُمْنَعُ الْجَمْعُ إلَّا أَنْ تَكْثُرَ النَّوَافِلُ بِحَيْثُ يَدْخُلُ وَقْتُ الظُّلْمَةِ الشَّدِيدَةِ فَيَفُوتُ الْجَمْعُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ التَّنَفُّلِ الْكَرَاهَةُ، وَلَا وَجْهَ لِحُرْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَثُرَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَوَاتُ وَاجِبٍ إذْ الْجَمْعُ مَنْدُوبٌ أَوْ مَسْنُونٌ وَالْمُفَوِّتُ لِأَحَدِهِمَا لَا يُحَرَّمُ فِعْلُهُ فَتَأَمَّلْهُ.

الْخَامِسُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ نِيَّةِ الْجَمْعِ وَلَا مَحَلَّهَا، وَمَحِلُّهَا عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَ الصَّلَاةِ الْأُولَى، وَتُطْلَبُ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَأَمَّا نِيَّةُ الْإِمَامَةِ فَقِيلَ عِنْدَ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي يَظْهَرُ أَثَرُ الْجَمْعِ فِيهَا، وَقِيلَ فِيهِمَا وَالْمَشْهُورُ الثَّانِي، فَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ نِيَّةَ الْإِمَامَةِ بَطَلَتْ الثَّانِيَةُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَبَطَلَتْ عَلَى الثَّانِي حَيْثُ تَرَكَهَا فِيهِمَا، وَأَمَّا لَوْ تَرَكَهَا فِي الثَّانِيَةِ وَأَتَى بِهَا فِي الْأُولَى فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهَا وَتَبْطُلُ الثَّانِيَةُ وَلَا يُصَلِّيهَا إلَّا عِنْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ، وَأَمَّا لَوْ تَرَكَهَا عِنْدَ الْأُولَى وَنِيَّتُهُ الْجَمْعُ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا مَشْرُوطَةٌ بِنِيَّةِ الْإِمَامَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَتَرْكِ الْإِمَامِ نِيَّةَ الْإِمَامَةِ فِي صَلَاةِ الْجَمْعِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي ثَالِثِ أَسْبَابِ الْجَمْعِ بِقَوْلِهِ: (وَالْجَمْعُ بِعَرَفَةَ) يَوْمَ الْوُقُوفِ وَهُوَ تَاسِعُ الْحِجَّةِ لَيْلَةَ الْعِيدِ (بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ) جَمْعُ تَقْدِيمٍ (عِنْدَ الزَّوَالِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ، وَصِفَتُهُ أَنْ يَخْطُبَ لِلنَّاسِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَيَجْلِسَ فِي وَسَطِهَا، وَلِذَلِكَ سَمَّاهَا خَلِيلٌ خُطْبَتَيْنِ، ثُمَّ يُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ وَيُقِيمُ لَهَا، وَالْإِمَامُ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ يَنْزِلُ يُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ بَعْدَ صَلَاتِهَا يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ لِلْعَصْرِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (بِأَذَانٍ) لِكُلِّ صَلَاةٍ (وَإِقَامَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ) وَلَا يُتَنَفَّلُ بَيْنَهُمَا كَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَجْمُوعَةِ.

قَالَ زَرُّوقٌ: وَنَظَرَ الْأُجْهُورِيُّ فِي التَّنَفُّلِ بَعْدَ الصَّلَاتَيْنِ فِي جَمْعِ الظُّهْرَيْنِ وَفِي جَمْعِ الْعِشَاءَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ.

قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ صَلَّى فِي رَحْلِهِ كَفَتْهُ الْإِقَامَةُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَذَانٍ، وَمَنْ فَاتَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى ذَلِكَ فَلْيَجْمَعْ بَيْنَهُمَا فِي رَحْلِهِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَيَتَّبِعُ فِي ذَلِكَ السُّنَّةَ.

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ تَرْكُ جَمْعِ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ مَعَ الْإِمَامِ، وَالصَّلَاةُ فِي ذَلِكَ سِرِّيَّةٌ وَتُصَلَّى الظُّهْرُ فِي عَرَفَةَ، وَلَوْ وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: جَمَعَ الرَّشِيدُ مَالِكًا وَأَبَا يُوسُفَ فَسَأَلَهُ أَبُو يُوسُفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>