وَفِي اتِّبَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِ النَّجَاةُ وَهُمْ الْقُدْوَةُ فِي تَأْوِيلِ مَا تَأَوَّلُوهُ وَاسْتِخْرَاجِ مَا اسْتَنْبَطُوهُ
وَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي الْفُرُوعِ وَالْحَوَادِثِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ.
ــ
[الفواكه الدواني]
(خَاتِمَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَسَائِلَ) مِنْهَا: مَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّرَضِّي وَالتَّرَحُّمُ عَلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلَا تَخْتَصُّ التَّرْضِيَةُ بِالصَّحَابَةِ وَالتَّرَحُّمُ بِغَيْرِهِمْ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْأَصَحَّ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ اسْتِقْلَالًا، وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ لَمْ يَقَعْ فِي نُبُوَّتِهِ خِلَافٌ، فَالْمُخْتَلَفُ فِي نُبُوَّتِهِ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ.
١ -
وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الشَّخْصُ: اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنْ النَّارِ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ تَنَالُهُ شَفَاعَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ مُعَلِّلًا بِمَا يَطُولُ وَلَا يُفِيدُ ذِكْرُهُ.
١ -
وَمِنْهَا: أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَوْرَدَ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَقِبَ إتْمَامِ عَمَلٍ كَمَا هُنَا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْصِدَ بِهِمَا الْإِعْلَامَ بِإِتْمَامِهِ، بَلْ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَقْصِدَ إلَّا تَحْصِيلَ فَضِيلَتِهِمَا وَإِلَّا دَخَلَ فِي الْكَرَاهَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُمْ عِنْدَ التَّمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ سَوَاءٌ. وَمِنْهَا: أَنَّ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ يُؤْجَرُ عَلَيْهِمَا الْآتِي بِهِمَا وَلَوْ لَمْ يَكُونَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ وَهُوَ الْحَقُّ، نَعَمْ الْإِتْيَانُ بِهِمَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ فِي الْأَجْرِ أَكْمَلُ.
وَمِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ صَدْرَ الْكِتَابِ مِنْ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فِي ابْتِدَاءِ الْكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ وَبَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَبَعْدَ تَمَامِ الْكِتَابِ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا أُحْدِثَ عِنْدَ وِلَايَةِ بَنِي هَاشِمٍ
١ -
وَمِنْهَا: يَجُوزُ رُؤْيَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْيَقَظَةِ وَالْمَنَامِ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ يَرَى الرَّائِي ذَاتَه الشَّرِيفَةَ حَقِيقَةً أَوْ يَرَى مِثَالًا يَحْكِيهَا، فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ جَمَاعَةٌ وَذَهَبَ إلَى الثَّانِي الْغَزَالِيُّ وَالْقَرَافِيُّ وَالْيَافِعِيُّ وَآخَرُونَ، وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّهُ سِرَاجُ الْهِدَايَةِ وَنُورُ الْهُدَى وَشَمْسُ الْمَعَارِفِ كَمَا يَرَى النُّورَ وَالسِّرَاجَ وَالشَّمْسَ مِنْ بُعْدٍ، وَالْمَرْئِيُّ جُرْمُ الشَّمْسِ بِأَعْرَاضِهِ فَكَذَلِكَ الْبَدَنُ الشَّرِيفُ، فَلَا تُفَارِقُ ذَاتُهُ الْقَبْرَ الشَّرِيفَ، بَلْ يَخْرِقُ اللَّهُ الْحُجُبَ لِلرَّائِي وَيُزِيلُ الْمَوَانِعَ حَتَّى يَرَاهُ كُلُّ رَاءٍ وَلَوْ مِنْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ أَوْ تُجْعَلُ الْحُجُبُ شَفَّافَةً لَا تَحْجُبُ مَا وَرَاءَهَا، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَرَافِيُّ أَنَّ رُؤْيَاهُ مَنَامًا إدْرَاكٌ بِجُزْءٍ لَمْ تَحِلَّهُ آفَةُ النَّوْمِ مِنْ الْقَلْبِ فَهُوَ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ لَا بِعَيْنِ الْبَصَرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَدْ يَرَاهُ الْأَعْمَى. وَقَدْ حَكَى ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ وَجَمَاعَةٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقَظَةً. وَرُوِيَ: «مَنْ رَآنِي مَنَامًا فَسَيَرَانِي يَقَظَةً» . وَمُنْكِرُ ذَلِكَ مَحْرُومٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ فَالْبَحْثُ مَعَهُ سَاقِطٌ لِتَكْذِيبِهِ مَا أَثْبَتَتْهُ السُّنَّةُ أَشَارَ إلَى جَمِيعِ ذَلِكَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِ جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ.
١ -
(وَهَذَا مَا تَيَسَّرَ لَنَا ذِكْرُهُ) .
وَنَعُوذُ بِك يَا خَالِقَنَا مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَقَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَدُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ، وَنَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، نَعُوذُ بِك اللَّهُمَّ مِنْ شَرِّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ، وَنَسْأَلُك يَا رَبِّ بِحَقِّ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَنْفَعَ بِهِ مَنْ كَتَبَهُ أَوْ قَرَأَهُ أَوْ حَصَّلَهُ أَوْ سَعَى فِي شَيْءٍ مِنْهُ. وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْ جَمْعِهِ رَابِعَ عِيدِ الْفِطْرِ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ الْمَسْبُوقَةِ بِالْأَلْفِ. وَعَلَّقَهُ بِيَدِهِ جَامِعُهُ أَفْقَرُ عِبَادِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ غُنَيْمٍ، النَّفْرَاوِيُّ بَلَدًا، الْأَزْهَرِيُّ مَوْطِنًا، الْمَالِكِيُّ مَذْهَبًا، يَرْجُو مِنْ اللَّهِ قَبُولَهُ، وَإِلَى أَعَالِي الدَّرَجَاتِ وُصُولَهُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ