للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الفواكه الدواني]

الدُّعَاءِ لِخَبَرِ: «إذَا دَعَوْتُمْ اللَّهَ فَاجْمَعُوا فَلَعَلَّ فِيمَنْ تَجْمَعُونَ مَنْ تَنَالُونَ بَرَكَتَهُ» أَوْ كَمَا قَالَ: وَلَا يُشْكِلُ عَلَى مَا قُلْنَا إيثَارُ عَائِشَةَ لِعُمَرَ عَلَى نَفْسِهَا بِدَفْنِهِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنْ كَانَتْ أَعَدَّتْهُ لِنَفْسِهَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لِجَزْمِهَا بِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ لِخَاطِرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَيَكُونُ مِنْ الِانْتِقَالِ مِنْ قُرْبَةٍ إلَى أَعْظَمَ مِنْهَا، وَنَدْبُ التَّقْدِيمِ لِنَفْسِ الدَّاعِي عَلَى غَيْرِهِ فِي الْقُرْبِ شَامِلٌ لِلدُّعَاءِ فِي الْكِتَابِ الَّذِي يُرْسِلُهُ لِغَيْرِهِ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: تَقْدِيمُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لِزِيَادَةِ التَّحِيَّةِ، وَتَقْدِيمُ نَفْسِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ، الثَّالِثُ التَّخْيِيرُ، وَجَاءَ عَنْ مَالِكٍ تَقْدِيمُ الدُّعَاءِ لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْ الْكَاتِبِ فِي السِّنِّ أَوْ الْعِلْمِ أَوْ النَّسَبِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ نَدْبِ الْبُدَاءَةِ بِالنَّفْسِ فِي الدُّعَاءِ جَهْلُ مَنْ قَالَ لَهُ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْكُمْ وَبَدَأَ بِكُمْ، بَلْ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَالْقَاعِدَةُ الْمَذْكُورَةُ فِيمَا إذَا دَعَا الشَّخْصُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ لَا إنْ خَصَّ غَيْرَهُ، فَلَا يَتَأَتَّى الدُّعَاءُ لِنَفْسِهِ كَقَوْلِك لِمَنْ عَطَسَ وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يَرْحَمُك اللَّهُ. وَلَمَّا طَلَب الْمُصَنِّفُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى الْقِيَامِ بِحَقِّهِ تَعَالَى وَكَانَ ذَلِكَ لَا بِحَوْلِ الْعَبْدِ وَلَا قُوَّتِهِ قَالَ: (وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ) فَقَوْلُهُ: لَا حَوْلَ إلَخْ كَالْعِلَّةِ لِسُؤَالِهِ السَّابِقِ، وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ مَنْ قَالَهَا أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ دَاءً أَدْنَاهَا اللَّمَمُ.

وَرُوِيَ بَدَلَ اللَّمَمِ الْفَقْرُ فَهِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ، فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقُولَهَا لِقَصْدِ ثَوَابِهَا لَا لِلتَّعَجُّبِ، وَوَقَعَ الِاضْطِرَابُ فِي مَعْنَاهَا فَقِيلَ لَا تَحَوُّلَ لِي عَنْ مَعْصِيَتِك إلَّا بِعِصْمَتِك، وَلَا قُوَّةَ لِي عَلَى طَاعَتِك إلَّا بِتَوْفِيقِك، وَقِيلَ مَعْنَاهَا لَا يُنَالُ مَا عِنْدَك بِالْحِيلَةِ وَالْقُوَّةِ كَمَا يُنَالُ مَا عِنْدَ غَيْرِك بِالْحِيلَةِ وَالْقُوَّةِ، وَوَرَدَ: «أَنَّ مَنْ كَثُرَ هَمُّهُ وَضَاقَ عَلَيْهِ مَا يُحَاوِلُهُ مِنْ أَمْرِهِ فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَإِنَّهَا مُذْهِبَةُ كُلَّ هَمٍّ عَنْهُ وَكُلَّ ضِيقٍ وَفَقْرٍ» . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا عَلِيُّ أَلَا أُعَلِّمُك كَلِمَاتٍ إذَا وَقَعْت فِي وَرْطَةٍ قُلْتهَا؟ قُلْت: بَلَى جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاك.

قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَصْرِفُ بِهَا مَا شَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ» وَالْعَلِيُّ مَعْنَاهُ التَّامُّ الْقُدْرَةِ وَنَفَاذِ الْأَمْرِ، وَالْعَظِيمُ الَّذِي يَصْغُرُ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَ ذِكْرِهِ، وَمَعْنَى كَوْنِهَا كَنْزًا مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ يَحْتَمِلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُهَيِّئُ لِقَائِلِهَا كَنْزًا مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ بِسَبَبِ قَوْلِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ أَصْلَهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ أَنْزَلَهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقْبُولَةً غَيْرَ مَرْدُودَةٍ كَمَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ، وَكَانَتْ الْمَلَائِكَةُ لَا تَزَالُ تُصَلِّي عَلَى رَاقِمِهَا فِي كِتَابٍ مَا دَامَ اسْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ، وَكَانَ حُسْنُ الظَّنِّ وَالرَّجَاءِ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَرِيمَ إذَا قَبِلَ صَفْقَةَ مُنْكَسِرٍ فَقِيرٍ مُقِلٍّ مُفْلِسٍ وَرَضِيَهَا وَأَثَابَ عَلَيْهَا وَخُلْدُ الْإِنْعَامِ بِإِزَائِهَا لَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنْهَا جَعَلَ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ مُكْتَنِفَيْنِ لِمَا أَتَى بِهِ فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ مِنْ عَقَائِدِ الْإِيمَانِ وَفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَمَا أَتَى بِهِ مِنْ الْآدَابِ تَوَسُّلًا إلَى ذَلِكَ. (وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَآلِهِ) الْمُرَادُ أَتْقِيَاءُ أُمَّتِهِ. (وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا) وَقَبُولُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطْعِيٌّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَكَابِرِ، وَلَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ قَبُولُهَا قَطْعِيًّا لَقُطِعَ لِلْمُصَلِّي بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ، لِأَنَّا نَقُولُ: تَبَعًا لِبَعْضٍ أَنَّ مَعْنَى الْقَطْعِ بِقَبُولِهَا إذَا خُتِمَ لِقَائِلِهَا بِالْإِيمَانِ يَجِدُ حَسَنَتَهَا مَقْبُولَةً مِنْ غَيْرِ شَكٍّ بِخِلَافِ حَسَنَةِ غَيْرِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ قَبُولَهَا عَلَى الْقَطْعِ إذَا صَدَرَتْ مِنْ قَائِلِهَا عَلَى وَجْهِ مَحَبَّتِهِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُقْطَعُ بِانْتِفَاعِهِ بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَلَوْ فِي تَخْفِيفِ الْعَذَابِ إنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِهِ وَلَوْ عَلَى وَجْهِ الْخُلُودِ لِعِظَمِ مَحَبَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا طَالِبٍ وَكَذَا أَبُو لَهَبٍ كُلُّ مِنْهُمَا انْتَفَعَ بِمَحَبَّةِ الْمُصْطَفَى، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ أَبَا لَهَبٍ يَشْرَبُ مِنْ نَقْرَةِ الْإِبْهَامِ وَيُخَفَّفُ عَنْهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِعِتْقِهِ ثُوَيْبَةَ لِبِشَارَتِهَا بِوِلَادَةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالتَّخْفِيفُ عَنْ أَبِي طَالِبٍ بِنَقْلِهِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ أَخَفَّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ عَنْ الْعَلَّامَةِ السَّنُوسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَ لَفْظَ السَّيِّدِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَاسْتِجْوَابِهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي تَشَهُّدِ الصَّلَاةِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الِاسْتِحْبَابُ.

وَأَمَّا حَدِيثُ: «لَا تُسَيِّدُونِي فِي الصَّلَاةِ» فَقَالَ الْجَلَالُ: لَا أَصْلَ لَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ وَرَدَ لَأَمْكَنَ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا تُسَيِّدُونِي سِيَادَةً تُؤَدِّي إلَى تَنْقِيصِ النُّبُوَّةِ، وَوَرَدَ أَيْضًا: «أَنَّ الدُّعَاءَ مَحْجُوبٌ حَتَّى يُصَلِّيَ الدَّاعِي عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَوَرَدَ أَيْضًا: «إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ شَيْئًا فَلْيَبْدَأْ بِمَدْحِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ حَتَّى يُصَلِّيَ الدَّاعِي عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَسْأَلَ اللَّهَ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُنْتِجَ» أَيْ يُسْتَجَابُ لَهُ، لَكِنْ يَتَوَقَّى الشَّخْصُ الْأَمَاكِنَ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَحْرُمُ، فَإِنَّهَا تَحْرُمُ وَمِثْلُهَا التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ عِنْدَ كُلِّ عَمَلٍ مُحَرَّمٍ، وَتُكْرَهُ عِنْدَ التَّعَجُّبِ وَالذَّبْحِ وَالْعُطَاسِ وَعِنْدَ الْبَيْعِ وَفِي الْحَمَّامِ وَفِي الْخَلَاءِ وَعِنْدَ الْجِمَاعِ، وَكَذَا كُلُّ مَوْضِعٍ قَذِرٍ، مِمَّنْ نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ التَّعَجُّبِ سَحْنُونٌ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ وَطَلَبِ الثَّوَابِ.

وَفِي شَرْحِ الْمُلُوكِ لِلْعَيْنِيِّ: وَيَحْرُمُ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ عَمَلٍ يَحْرُمُ أَوْ عَرْضِ سِلْعَةٍ، وَيَلْحَقُ بِالتَّعْجِيبِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْغَضَبِ كَأَنْ يُقَالَ لَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ: صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَحْمِلَهُ الْغَضَبُ عَلَى الْكُفْرِ، كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَأَقَرَّهُ، انْتَهَى رَاجِعِ التَّحْقِيقَ.

١ -

<<  <  ج: ص:  >  >>