للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الفواكه الدواني]

وَرِدْفُهُ يَنْطِقُ مِنْ خَلْفِهِ ... لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ

وَالْخِلَافُ فِي الِاقْتِبَاسِ مَشْهُورٌ.

قَالَ السُّيُوطِيّ:

قُلْت وَأَمَّا حُكْمُهُ فِي الشَّرْعِ ... فَمَالِكٌ مُشَدِّدٌ فِي الْمَنْعِ

وَلَيْسَ فِيهِ عِنْدَنَا صَرَاحَهْ ... لَكِنَّ يَحْيَى النَّوَوِيَّ أَبَاحَهْ

فِي الْوَعْظِ نَثْرًا دُونَ نَظْمٍ مُطْلَقَا ... وَالشَّرَفُ الْمُقْرِي فِيهِ حَقَّقَا

جَوَازَهُ فِي الزُّهْدِ وَالْوَعْظِ وَفِي ... مَدْحِ النَّبِيِّ وَلَوْ بِمَدْحِ مَا اقْتَفَى

١ -

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ شُكْرِ الْمُنْعِمِ عَلَى الْخِتَامِ، شَرَعَ فِي بَيَانِ الْوَفَاءِ بِمَا اشْتَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ الْإِتْيَانَ بِهِ بِقَوْلِهِ: (قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ) كُنْيَةُ الْمُصَنِّفِ (عَبْدُ اللَّهِ) اسْمُهُ (ابْنُ أَبِي زَيْدٍ) كُنْيَةُ أَبِيهِ وَاسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَفِي تَعْبِيرِهِ يُقَالُ أَبُو مُحَمَّدٍ إيهَامُ أَنَّهُ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ، وَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ لَوْ قَالَ: وَقَدْ أَتَيْت عَلَى مَا شَرَطْت، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَنَّمَا عَدَلَ إلَى هَذَا لِبَيَانِ كُنْيَتِهِ وَاسْمِهِ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ مِنْ عَدَمِ إثْبَاتِهَا فِي صَدْرِ الْكِتَابِ وَمَقُولُ قَالَ: (قَدْ أَتَيْنَا) أَيْ جَرَيْنَا (عَلَى مَا شَرَطْنَا) عَلَى أَنْفُسِنَا (أَنْ نَأْتِيَ بِهِ فِي كِتَابِنَا هَذَا) مِنْ الْمَسَائِلِ بِقَوْلِنَا فِي أَوَّلِهِ: بِأَجَبْتُكَ إلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا خَوْفًا مِنْ إرْجَاعِ الضَّمِيرِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ لَهُ كُتُبًا كَثِيرَةً، وَبَيْنَ عُمُومِ مَا بِقَوْلِهِ: (مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ) وَفَاعِلُ يَنْتَفِعُ (مَنْ رَغِبَ فِي تَعْلِيمِهِ) أَيْ تَعَلُّمِهِ (ذَلِكَ) الْمَذْكُورَ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَفَسَّرَ عُمُومَ مَنْ بِقَوْلِهِ: (مِنْ الصِّغَارِ وَ) كَذَا كُلُّ (مَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ مِنْ الْكِبَارِ) .

(تَنْبِيهٌ) إنَّمَا أَوَّلْنَا تَعْلِيمَ بِتَعَلُّمٍ لِأَجْلِ قَوْلِهِ مِنْ الصِّغَارِ إذْ الْوَاقِعُ مِنْهُمْ التَّعَلُّمُ لَا التَّعْلِيمُ، فَالْمُصَنِّفُ أَطْلَقَ الْمَصْدَرَ وَأَرَادَ بِهِ مَا يَنْشَأُ عَنْهُ، هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ فِي فَهْمِ كَلَامِهِ، وَرَغْبَةِ الصِّغَارِ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ مِنْ الْكِبَارِ فِي التَّعَلُّمِ لَا يُنَافِي أَنَّ الْمُعَلِّمَ هُوَ مُحْرِزٌ وَأَنَّهُ رَغِبَ فِي تَعْلِيمِهَا لِأَنَّهُ السَّائِلُ فِي كُتُبِ الْجُمْلَةِ، وَحِينَئِذٍ فَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَى تَعْلِيمٍ عَائِدٌ عَلَى مَا هَذَا هُوَ الْمُطَابِقُ لِكَلَامِهِ، وَمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهُ، فَإِنَّ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمًا، وَلَعَلَّ وَجْهَ نِسْبَةِ الرَّغْبَةِ فِي التَّعَلُّمِ لِلصِّغَارِ وَالْحَاجَةِ لِلْكِبَارِ لِأَنَّ الصِّغَارَ لِخُلُوِّ أَذْهَانِهِمْ يَرْغَبُونَ وَقِلَّةُ رَغْبَةِ الْكِبَارِ تُدْرَكُ بِمَا قُلْنَاهُ بِالذَّوْقِ السَّلِيمِ وَالطَّبْعِ الْمُسْتَقِيمِ. (وَفِيهِ) أَيْ الْكِتَابِ الَّذِي أَتَى بِهِ عَلَى مَا شَرَطَ (مَا يُؤَدِّي) أَيْ يُوَصِّلُ (الْجَاهِلَ إلَى عِلْمِ مَا يَعْتَقِدُهُ مِنْ) أَمْرِ (دِينِهِ) مِنْ الْعَقَائِدِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الْعَقِيدَةِ.

(وَ) فِيهِ أَيْضًا مَا يُوَصِّلُهُ إلَى عِلْمِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يَعْمَلَ بِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ) كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا. (وَيُفْهَمُ) بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَفْهَمَ وَفَاعِلُهُ ضَمِيرُ الْكِتَابِ وَمَفْعُولُهُ (كَثِيرًا مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُنُونِهِ، وَ) كَثِيرًا (مِنْ السُّنَنِ وَالرَّغَائِبِ وَالْآدَابِ) الْمُتَعَلِّقَةِ بِالظَّاهِرِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَبِالْبَاطِنِ كَحُبِّ الْخَيْرِ لِلْغَيْرِ وَالصَّفْحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِآفَاتِ النَّفْسِ.

(تَنْبِيهٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: وَفِيهِ مَا يُؤَدِّي الْجَاهِلَ إلَخْ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ مِمَّا قَبْلَهُ، لِأَنَّ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ الصَّغِيرُ وَالْوَافِي بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْكَبِيرُ شَامِلٌ لِمَا يُؤَدِّي الْجَاهِلَ إلَى عِلْمِ مَا يَعْتَقِدُهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَيَعْمَلُ بِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ، وَقَدْ مَدَحَ النَّاسُ الرِّسَالَةَ وَاعْتَنَوْا بِشَرْحِهَا حَتَّى قِيلَ مُنْذُ وُضِعَتْ: مَا خَلَتْ سَنَةٌ مِنْ شَرْحٍ فَهِيَ عَظِيمَةُ الْقَدْرِ جَلِيلَةُ الْأَمْرِ. وَالْمُتَقَيِّدُ بِهَا مَعَ الْعَمَلِ بِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِمَّنْ كَمَّلَهُ دِينُهُ وَمَعْرِفَتُهُ، وَمَا ذَاكَ إلَّا مِنْ إخْلَاصِ مُؤَلِّفِهَا. وَلَمَّا كَانَ حُسْنُ الْعِبَارَةِ وَكَثْرَةُ الْمَعْنَى لَا يَقْتَضِي بِمُجَرَّدِهِ انْتِفَاعَ الْغَيْرِ بِهَا قَالَ: (وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ) أَيْ لَا غَيْرَهُ عَلَى مَا يُفِيدُهُ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ. (أَنْ يَنْفَعَنَا وَإِيَّاكَ) ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ لِلْمُصَنِّفِ وَالْخِطَابِ لِلشَّيْخِ مُحْرِزٍ لِأَنَّهُ السَّائِلُ فِي تَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ ضَمِيرَ الْخِطَابِ لِلنَّاظِرِ فِي هَذَا الْكِتَابِ. (بِمَا عَلَّمَنَا) مِنْ التَّعْلِيمِ بِأَنْ يُوَفِّقَنَا لِلْعَمَلِ بِهِ، وَاَلَّذِي عَلَّمَهُ اللَّهُ لِلْمُصَنِّفِ عِلْمُ التَّفْسِيرِ وَالسُّنَّةِ وَسَائِرُ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَاَلَّذِي عَلَّمَهُ اللَّهُ لِلشَّيْخِ مُحْرِزٍ الْقُرْآنُ وَنَحْوُهُ مِمَّا كَانَ يَعْرِفُهُ وَيُفِيدُهُ لِلْأَطْفَالِ لِأَنَّهُ كَانَ مُعَلِّمًا لَهُمْ، وَالنَّفْعُ مَا أَحْسَنْت بِهِ لِغَيْرِك، وَالِانْتِفَاعُ مَا أَحْسَنْت بِهِ إلَى نَفْسِك، تَقُولُ: نَفَعْتُك بِكَذَا نَفْعًا وَانْتَفَعْت بِكَذَا انْتِفَاعًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَحْسَنَ إلَى نَفْسِهِ بِهَذَا الْكِتَابِ، لِأَنَّهُ يَنَالُ الْعَمَلَ بِمَا فِيهِ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَإِلَى غَيْرِهِ كَذَلِكَ.

(وَ) أَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ أَيْضًا أَنْ (يُعِينَنَا وَإِيَّاكَ عَلَى الْقِيَامِ) أَيْ الْوَفَاءِ (بِحَقِّهِ) تَعَالَى (فِيمَا كَلَّفَنَا) أَيْ أَلْزَمَنَا بِهِ مِنْ امْتِثَالِ مَأْمُورَاتِهِ وَاجْتِنَابِ مَنْهِيَّاتِهِ، فَيُعِينُنَا مَعْطُوفٌ عَلَى يَنْفَعُنَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الدُّعَاءِ، فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى مِثْلِهِ وَالْقِيَامُ بِحَقِّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مَعْنَى رِعَايَةِ الْوَدَائِعِ وَحِفْظِ الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي كَلَامِهِ، وَالْمُصَنِّفُ قَدَّمَ نَفْسَهُ فِي الدُّعَاءِ لِأَنَّهُ الْمَطْلُوبُ شَرْعًا فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ.

قَالَ: إيَّاكَ إنْ كَانَ الْخِطَابُ لِمُحْرِزٍ يَكُونُ ارْتَكَبَ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ كُلَّ وَاقِفٍ عَلَى كَلَامِهِ كَانَ جَارِيًا عَلَى الْأَوْلَى مِنْ التَّعْمِيمِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>