للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْبَيَاضُ كَثِيرًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْخُلَ فِي مُسَاقَاةِ النَّخْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرَ الثُّلُثِ مِنْ الْجَمِيعِ فَأَقَلَّ.

وَالشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ جَائِزَةٌ إذَا كَانَتْ الزَّرِيعَةُ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَكَانَتْ الْأَرْضُ لِأَحَدِهِمَا وَالْعَمَلُ عَلَى الْآخَرِ.

أَوْ الْعَمَلُ بَيْنَهُمَا وَاكْتَرَيَا

ــ

[الفواكه الدواني]

(وَهُوَ) أَيْ إلْغَاؤُهُ (أَحَلُّهُ) أَيْ أَحَلُّ لَهُ مَنْ اشْتَرَطَ إدْخَالِهِ فِي الْمُسَاقَاةِ لِمَا فِي إلْغَائِهِ مِنْ السَّلَامَةِ مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، «وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا سَاقَى أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى النَّخْلِ خَاصَّةً، وَتَرَكَ لَهُمْ بَيَاضَ النَّخْلِ» فَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ هَذَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَأُلْغِيَ لِلْعَامِلِ إنْ سَكَتَا عَنْهُ أَوْ اشْتَرَطَهُ.

قَالَ شُرَّاحُهُ: هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْبَيَاضُ يَسِيرًا، وَأَمَّا الْكَثِيرُ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ كَانَ الْبَيَاضُ كَثِيرًا) بِحَيْثُ يَكُونُ كِرَاؤُهُ مُنْفَرِدًا فَوْقَ ثُلُثِ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ (لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْخُلَ فِي) عَقْدِ (مُسَاقَاةِ النَّخْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ) أَيْ الْبَيَاضُ لَا بِقَيْدِهِ السَّابِقِ (قَدْرَ الثُّلُثِ مِنْ الْجَمِيعِ فَأَقَلَّ) حَتَّى يَصِيرَ تَابِعًا فَيَجُوزُ إدْخَالُهُ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ لِلْعَامِلِ كَمَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَهُ لِنَفْسِهِ مَعَ سَقْيِ الْعَامِلِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَيَاضَ الْيَسِيرَ يَجُوزُ إدْخَالُهُ فِي الْمُسَاقَاةِ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَيَخْتَصُّ بِهِ الْعَامِلُ إنْ سَكَتَا عَنْهُ أَوْ اشْتَرَطَهُ، وَيَفْسُدُ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ بِاشْتِرَاطِ رَبِّهِ لَهُ إنْ كَانَ يَنَالُهُ سَقْيُ الْعَامِلِ، كَمَا يَفْسُدُ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ بِإِدْخَالِ الْكَثِيرِ أَوْ اشْتِرَاطِهِ لِلْعَامِلِ أَوْ إلْغَائِهِ لَهُ بَلْ يَبْقَى لِرَبِّهِ.

١ -

(تَتِمَّاتٌ) . الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا لَوْ قَصَّرَ الْعَامِلُ وَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ قَصَّرَ عَامِلٌ عَمَّا شُرِطَ حُطَّ مِنْ الْجُزْءِ بِنِسْبَتِهِ. مِثَالُهُ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ السَّقْيَ أَوْ الْحَرْثَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَحَرَثَ أَوْ سَقَى مَرَّتَيْنِ فَإِنَّهُ يَحُطُّ مِنْ الْجُزْءِ ثُلُثَهُ. وَأَمَّا لَوْ لَمْ يُقَصِّرْ بِأَنْ نَزَلَ الْمَطَرُ بِحَيْثُ اسْتَغْنَى الْحَائِطُ عَنْ السَّقْيِ فَلَا يُحَطُّ شَيْءٌ وَيَأْخُذُ الْجُزْءَ جَمِيعَهُ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى سَقِيَّاتٍ فَيَحْصُلُ الْغَيْثُ وَيَسْتَمِرُّ عَلَى الْحَائِطِ حَتَّى اسْتَغْنَى فَإِنَّ الْأُجْرَةَ تَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُشَاحَّةِ.

١ -

الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لِعَامِلِ الْمُسَاقَاةِ مُسَاقَاةُ غَيْرِهِ وَلَوْ أَقَلَّ أَمَانَةً مِنْهُ، وَيُحْمَلُ عَلَى ضِدِّ الْأَمَانَةِ فَيَضْمَنُ الْأَوَّلُ مُوجِبَ فِعْلِ الثَّانِي إنْ حَصَلَ مِنْهُ مُوجِبُ الضَّمَانِ، بِخِلَافِ وَرَثَةِ الْعَامِلِ فَإِنَّهُمْ مَحْمُولُونَ عَلَى الْأَمَانَةِ، بِخِلَافِ وَرَثَةِ عَامِلِ الْقِرَاضِ فَإِنَّهُمْ مَحْمُولُونَ عَلَى عَدَمِ الْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الشَّجَرِ يُمْكِنُ عَدُّهَا وَضَبْطُهَا.

الثَّالِثَةُ: إنْ وَقَعَتْ الْمُسَاقَاةُ فَاسِدَةً وَجَبَ فَسْخُهَا قَبْلَ الْعَمَلِ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَى فَسَادِهَا إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَيُفْسَخُ أَيْضًا فِي بَاقِي الْمُدَّةِ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْفَسَادُ بِسَبَبِ زِيَادَةِ عَيْنٍ أَوْ عَرَضٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا مُسَاقَاةَ الْمِثْلِ فَتَمْضِي بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ فَسَادُهَا لِحُصُولِ غَرَرٍ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ كُلِّ مَا يَفْسُدُ وَلَا يُخْرِجُهَا عَنْ الْمُسَاقَاةِ، كَمُسَاقَاةِ حَائِطٍ حَلَّ بَيْعُهُ مَا لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ أَوْ حَائِطٍ بَلَغَ، أَوْ أَنَّ الْإِثْمَارَ مَعَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ، وَلَا تَبَعِيَّةَ فِي الصُّورَتَيْنِ.

[بَاب الْمُزَارَعَة]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ مَسَائِلِ الْمُسَاقَاةِ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُزَارَعَةِ لِقُرْبِهَا مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الْمَنْعُ، وَإِنَّمَا اجْتَزْنَا بِالشُّرُوطِ رِفْقًا بِالْأُمَّةِ، وَحَقِيقَةُ الْمُزَارَعَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: عَقْدٌ عَلَى عِلَاجِ الزَّرْعِ، وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِعِلَاجِهِ عَمَلُهُ وَبِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِالْآلَةِ فَقَالَ: (وَالشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ جَائِزَةٌ) وَفِي الزَّرْعِ ثَوَابٌ جَسِيمٌ، فَقَدْ خَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً» وَلَعَلَّ الضَّمِيرَ فِي كَانَتْ لِلْأُكَلَةِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ الْفِعْلِ، وَصَدَقَةً بِالنَّصْبِ خَبَرُ كَانَتْ، وَهِيَ هُنَا بِمَعْنَى صَارَتْ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ مَعَانِيهَا، وَهَذَا عَلَى رِوَايَةٍ كَانَتْ بِالتَّاءِ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةٍ كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ فَتَكُونُ صَدَقَةٌ مَرْفُوعَةً عَلَى أَنَّهَا اسْمُ كَانَ وَعَقْدُهَا لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْبَذْرِ.

قَالَ خَلِيلٌ: لِكُلٍّ فَسْخُ الْمُزَارَعَةِ إنْ لَمْ يُبْذَرْ، وَإِنَّمَا كَانَ عَقْدُهَا مُنْحَلًّا كَشَرِكَةِ التَّجْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ بِمَنْعِهَا مُطْلَقًا فَإِنْ حَصَلَ بَذْرٌ لَزِمَتْ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَرْضِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ خَلِيلٍ: إنْ لَمْ يُبْذَرْ، كَمَا أَنَّ ظَاهِرَهُ لُزُومُهَا بِالْبُذُورِ، وَلَوْ لَمْ يَنْضَمَّ لِلْبَذْرِ حَرْثٌ، وَأَمَّا الْحَرْثُ بِدُونِ الْبَذْرِ فَلَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ.

١ -

وَشَرْطُ عَاقِدِهَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الِاشْتِرَاكِ فِي التِّجَارَةِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ، فَلَا تَصِحُّ بَيْنَ صَبِيَّيْنِ وَلَا سَفِيهَيْنِ، وَلَا بَيْنَ صَبِيٍّ وَرَشِيدٍ.

١ -

وَشَرْطُ صِحَّتِهَا سَلَامَةُ الْأَرْضِ مِنْ كِرَائِهَا بِمَا يُمْنَعُ كِرَاؤُهَا بِهِ، وَهُوَ جَمِيعُ مَا تُنْبِتُهُ، خَلَا الْخَشَبَ وَالْحَشِيشَ وَالصَّنْدَلَ وَالْعُودَ وَجَمِيعَ الْأَطْعِمَةِ وَلَوْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَصَحَّتْ إنْ سَلِمَا مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَمْنُوعٍ وَقَابَلَهَا عَمَلُ بَقَرٍ أَوْ وَعَمَلُ يَدٍ لَا شَيْءَ مِنْ الْبَذْرِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: (إذَا كَانَتْ الزَّرِيعَةُ مِنْهَا جَمِيعًا وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا) عَلَى الْمُنَاصَفَةِ فِيهِمَا سَوَاءٌ (كَانَتْ الْأَرْضُ لِأَحَدِهِمَا وَالْعَمَلُ) أَيْ عَمَلُ الْبَقَرِ، وَهُوَ الْحَرْثُ الْمُقَابِلُ لِلْأَرْضِ (عَلَى الْآخَرِ) ، وَهَذِهِ لَا شَكَّ فِي جَوَازِهَا، وَقَوْلُنَا عَلَى الْمُنَاصَفَةِ فِيهِمَا لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ تَفَاضَلَا فِي الزَّرِيعَةِ بِأَنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَهَا وَالْآخَرُ ثُلُثَيْهَا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الثُّلُثَيْنِ فَالْمُزَارَعَةُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ صَاحِبُ الْعَمَلِ يُقَابِلُ ثُلُثًا مِمَّا أَخْرَجَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ، وَالْعَمَلُ يُقَابِلُ الْأَرْضَ وَالثُّلُثَ الثَّانِيَ.

وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَخْرَجَ الثُّلُثَيْنِ هُوَ صَاحِبُ الْعَمَلِ فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>