للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّلَامُ أَوْ يَقُولَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَمَا قِيلَ لَهُ

وَأَكْثَرُ مَا يَنْتَهِي السَّلَامُ إلَى الْبَرَكَةِ أَنْ تَقُولَ فِي رَدِّك وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ

ــ

[الفواكه الدواني]

الْمُعْسِرِ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ إنْظَارِهِ مَعَ وُجُوبِهِ.

الثَّانِي: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ، وَالرَّدَّ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَطْلُوبَ عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ يَسْقُطُ عَنْ الْبَعْضِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَوَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي حُصُولِ الثَّوَابِ لِلْجَمِيعِ الْفَاعِلِ وَغَيْرِهِ أَوْ قَاصِرٌ عَلَى الْفَاعِلِ، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْقَرَافِيُّ أَنَّ ثَوَابَ الْعَمَلِ قَاصِرٌ عَلَى الْفَاعِلِ، وَثَوَابُ سُقُوطِ الطَّلَبِ يَسْتَوِي فِيهِ الْفَاعِلُ وَغَيْرُهُ.

[صِفَةُ السَّلَامِ]

(وَ) صِفَةُ (السَّلَامِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ) الْمُرَادُ الْمُسَلِّمُ (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) بِزِيَادَةِ مِيمِ الْجَمْعِ وَلَوْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا لِأَنَّ مَعَهُ الْحَفَظَةَ وَهُمْ كَجَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَلَوْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك لَمْ يَكُنْ مُسَلِّمًا، وَهَذِهِ الصِّفَةُ هِيَ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّ السَّلَامَ عَلَى خِلَافِ تِلْكَ الصِّفَةِ، لَكِنْ قَوْله تَعَالَى: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ} [الزمر: ٧٣] وَ {قَالُوا سَلامًا} [هود: ٦٩] قَالَ: سَلَامٌ يَقْتَضِي جَوَازَ التَّنْكِيرِ، فَلَيْسَ السَّلَامُ هُنَا كَالسَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْقَبَسِ: وَقَدْ قَالَ مُعَرِّفًا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَمُنَكِّرًا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، فَإِذَا نَكَّرَ فَهُوَ مَصْدَرٌ، وَإِذَا عَرَّفَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مُعَرَّفًا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا كَانَ مُنَكَّرًا يَكُونُ التَّقْدِيرُ: أَلْقَيْت عَلَيْك سَلَامَةً، وَإِذَا كَانَ مُعَرَّفًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: اللَّهُ رَقِيبٌ عَلَيْك. هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ، وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِلَفْظِ الْآيَةِ عَلَى جَوَازِ تَنْكِيرِ سَلَامِ الِابْتِدَاءِ شَيْءٌ لِأَنَّ تَحِيَّتَنَا لَا تُقَاسُ عَلَى تَحِيَّةِ اللَّهِ أَوْ مَلَائِكَتِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا لَجَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى لَفْظِ السَّلَامِ، فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِ سَلَامِ الِابْتِدَاءِ وَالْإِتْيَانِ بِمِيمِ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ الْوَارِدُ فِي الْحَدِيثِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ سَلَامَ الِابْتِدَاءِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ لَامِ التَّعْرِيفِ وَمِيمِ الْجَمْعِ، بِخِلَافِ سَلَامِ الرَّدِّ. (وَ) صِفَةُ الرَّدِّ أَنْ (يَقُولَ الرَّادُّ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ) بِتَقْدِيمِ الْخَبَرِ وَبِالْوَاوِ مُسْمِعًا لِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَتَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَى الْأَصَمِّ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ إلَّا إنْ كَانَ يَفْهَمُ مِنْهُ كَالْإِشَارَةِ، وَمِثْلُ الرَّدِّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ الْمُسَلَّمَ عَلَيْهِ مُصَلِّيًا، وَمَا يَصْدُرُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِبْرِ مِنْ رَدِّهِمْ بِالْإِشَارَةِ بِنَحْوِ الرَّأْسِ مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَى النُّطْقِ فَلَا يَكْفِي، كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَوْ الْمُتَعَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ الْإِشَارَةُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ بَعِيدًا عَنْ الْمُسَلِّمِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهِ بِالسَّلَامِ بِيَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي صِفَةِ السَّلَامِ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُبْتَدَأِ عَلَى الْخَبَرِ فَهُوَ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَالْأَوْلَى فِعْلُهُ وَإِنْ جَازَ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الِاخْتِيَارُ أَنْ يَقُولَ الْمُبْتَدِئُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَيَقُولَ الرَّادُّ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، وَيَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِلَفْظِ الرَّدِّ، وَالرَّدُّ بِلَفْظِ الِابْتِدَاءِ، وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى لَفْظِ الْمُبْتَدَأِ، فَالسَّلَامُ هُنَا كَسَلَامِ الصَّلَاةِ فِي عَدَمِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ، فَلَيْسَتْ الْعِبَادَةُ جَارِيَةً عَلَى سُنَنِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَمَّا كَانَ الرَّادُّ لَا يَلْزَمُهُ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ قَالَ: (أَوْ يَقُولُ) الرَّادُّ (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) بِتَنْكِيرِ السَّلَامِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى الْخَبَرِ. (كَمَا قِيلَ لَهُ) أَيْ الْمُرَادُ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْجُمْلَةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ سَلَامَ الِابْتِدَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا مُعَرَّفًا، وَمَا هُنَا مُنَكَّرٌ فِي الِابْتِدَاءِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ فِي الرَّدِّ: وَعَلَيْك السَّلَامُ بِحَذْفِ الْمِيمِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَأَجْزَأَ فِي تَسْلِيمَةِ الرَّدِّ سَلَامٌ عَلَيْك: وَعَلَيْك السَّلَامُ، فَيَكُونُ الْجَوَازُ هُنَا أَوْلَى وَحَرَّرَهُ، وَأَمَّا سَلَامٌ عَلَيْك بِتَنْكِيرِ السَّلَامِ وَحَذْفِ مِيمِ عَلَيْكُمْ وَتَقْدِيمِ لَفْظِ السَّلَامِ فَلَا يَكْفِي كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ اللَّحْنُ هُنَا قَطْعًا.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْوَاوِ غَيْرُ لَازِمٍ.

قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: مَوْضِعَانِ يَجُوزُ فِيهِمَا وَتَرْكُهَا: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ فِي الصَّلَاةِ، فَإِثْبَاتُهَا يَقْتَضِي مَعْطُوفًا وَمَعْطُوفًا عَلَيْهِ فَيَصِيرُ الْكَلَامُ جُمْلَتَيْنِ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ عَلَى السَّلَامِ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، فَيَصِيرُ الرَّادُّ مُسَلِّمًا عَلَى نَفْسِهِ مَرَّتَيْنِ، وَفِي الصَّلَاةِ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَلَك الثَّنَاءُ فَيَكُونُ مُثْنِيًا عَلَى اللَّهِ مَرَّتَيْنِ، وَبِغَيْرِ وَاوٍ يَكُونُ الْكَلَامُ جُمْلَةً وَاحِدَةً، فَهَذَا يَتَرَجَّحُ إثْبَاتُهَا عَلَى حَذْفِهَا.

الثَّانِي: أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَمَا بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ أَوْ الْخَبَرِ وَإِنْ جَازَ فِي الْعَرَبِيَّةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمَا عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ، إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الِاكْتِفَاءُ بِلَفْظِ السَّلَامِ فَقَطْ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا، وَيَبْقَى النَّظَرُ هُنَا فِي شَيْءٍ وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالسَّلَامِ بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ كَمَا شَرَطُوهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يُكْتَفَى بِالْعَجَمِيَّةِ وَلَوْ مِنْ الْقَادِرِ؟ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ التَّحِيَّةِ التَّأْمِينُ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَيَظْهَرُ الِاكْتِفَاءُ لِأَنَّ أَمْرَ الصَّلَاةِ أَشَدُّ وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ.

وَلَمَّا بَيَّنَ مَا يَكْفِي فِي السُّنَّةِ وَأَدَاءِ الْوَاجِبِ شَرَعَ فِي مُنْتَهَاهُ بِقَوْلِهِ: (وَأَكْثَرُ مَا يَنْتَهِي السَّلَامُ) فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ الرَّدِّ عِنْدَ إرَادَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ (إلَى الْبَرَكَةِ) وَذَلِكَ بِأَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْك شَخْصٌ بِلَفْظِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَلَكَ (أَنْ تَقُولَ فِي رَدِّكَ) عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>