اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَلَا تَقُلْ فِي رَدِّك سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْك
وَإِذَا سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ وَكَذَلِكَ إنْ رَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ
وَلْيُسَلِّمْ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْجَالِسِ
وَالْمُصَافَحَةُ حَسَنَةٌ
وَكَرِهَ مَالِكٌ الْمُعَانَقَةَ وَأَجَازَهَا ابْنُ عُيَيْنَةَ
ــ
[الفواكه الدواني]
(وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) وَلَا تَتَجَاوَزْ ذَلِكَ لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ رَجُلًا سَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَزَادَ فَأَمَرَ بِإِحْضَارِهِ وَقَالَ لَهُ: إنَّ السَّلَامَ انْتَهَى إلَى الْبَرَكَةِ، وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ وَاجِبَةٌ حَيْثُ أَتَى بِهَا الْمُسَلِّمُ عَلَيْك كَمَا قَرَّرْنَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ اقْتَصَرَ عَلَى لَفْظِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ لَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْك: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَيَجُوزُ زِيَادَةُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: ٨٦] فَقَوْلُهُ: {بِأَحْسَنَ مِنْهَا} [النساء: ٨٦] إذَا كَانَ الْمُسَلِّمُ اقْتَصَرَ عَلَى لَفْظِ " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ " وَإِذَا كَانَ الْمُسَلِّمُ انْتَهَى إلَى لَفْظِ " وَبَرَكَاتُهُ " فَلَا بُدَّ مِنْهَا وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا. وَلَمَّا كَانَ سَلَامُ الرَّدِّ يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ لِسَلَامِ الِابْتِدَاءِ أُخْرِجَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَلَا تَقُلْ) عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ (فِي الرَّدِّ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْك) بِتَقْدِيمِ لَفْظِ " سَلَامُ " وَتَنْكِيرِهِ وَحَذْفِ مِيمِ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ خَبَرٌ وَإِنَّمَا هِيَ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْقُبُورِ، وَحُمِلَ الْمَنْهِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ يَقْتَضِي الْإِجْزَاءَ بِذَلِكَ فِي الرَّدِّ وَحَرَّرَهُ، وَأَمَّا سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْك فَيَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ التَّتَّائِيِّ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَدَمُ إجْزَائِهِ،
وَلَمَّا كَانَ الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ سُنَّةَ كِفَايَةٍ قَالَ: (وَإِذَا سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ) عَلَى وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ (أَجْزَأَ عَنْهُمْ) وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ صَبِيًّا وَيَجِبُ رَدُّ سَلَامِهِ كَالْكَبِيرِ. (وَكَذَلِكَ) يَحْصُلُ الْإِجْزَاءُ (إنْ رَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْجَمَاعَةِ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِمْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الِابْتِدَاءَ سُنَّةٌ، وَالرَّدَّ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فِيهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ: أَجْزَأَ فِي سَلَامِ الْوَاحِدِ مِنْ الْجَمَاعَةِ، وَرَدِّ الْوَاحِد مِنْهُمْ أَنَّ الْأَفْضَلَ الْبَدْءُ مِنْ الْجَمِيعِ، وَالرَّدُّ مِنْ الْجَمِيعِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: مِنْ الْجَمَاعَةِ أَنَّ الْمُسَلِّمَ لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجَمَاعَةِ أَوْ الرَّدُّ مِنْ غَيْرِ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِمْ لَا إجْزَاءَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ثَوَابَ الِابْتِدَاءِ أَوْ الرَّدِّ خَاصٌّ بِمَنْ وَقَعَ مِنْهُ، وَأَمَّا ثَوَابُ سُقُوطِ الْخِطَابِ فَيَحْصُلُ لِلْجَمِيعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّدَّ عَنْ الْجَمَاعَةِ الْبَالِغِينَ إذَا كَانَ مِنْ صَبِيٍّ مُجْزٍ وَتَقَدَّمَ لَنَا الْبَحْثُ فِيهِ.
(تَنْبِيهٌ) مَحَلُّ إجْزَاءِ الْوَاحِدِ عَنْ الْجَمَاعَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُودُ بِالسَّلَامِ وَاحِدًا بِخُصُوصِهِ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّ الْمَقْصُودِ بِالسَّلَامِ بِخُصُوصِهِ.
وَلَمَّا كَانَ الْقَصْدُ مِنْ السَّلَامِ الْأَمَانَ، وَكَانَ الشَّأْنُ حُصُولَ خَوْفِ الْمَاشِي مِنْ الرَّاكِبِ قَالَ: (وَلْيُسَلِّمْ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْجَالِسِ) لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «لِيُسَلِّمْ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «وَيُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي» وَإِنَّمَا أَمَرَ الرَّاكِبَ وَمَنْ هُوَ فِي حُكْمِهِ بِالِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ لِمَزِيَّتِهِ عَلَى مُقَابِلِهِ، وَهَكَذَا يُسَلِّمُ رَاكِبُ الْفَرَسِ عَلَى رَاكِبِ الْبَغْلِ أَوْ الْحِمَارِ، وَرَاكِبُ الْبَغْلِ عَلَى رَاكِبِ الْحِمَارِ، وَأَمَّا رَاكِبُ الْجَمَلِ وَالْفَرَسِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الَّذِي يُؤْمَرُ رَاكِبُ الْفَرَسِ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ وَأَقْدَرُ عَلَى الْبَطْشِ مِنْ رَاكِبِ الْجَمَلِ، وَكَذَلِكَ يُسَلِّمُ الْمَاشِي عَلَى الْجَالِسِ، وَأَمَّا إذَا تَسَاوَى شَخْصَانِ فِي الْمُرُورِ أَوْ الرُّكُوبِ فَيَظْهَرُ أَنْ يُطَالَبَ كُلُّ وَاحِدٍ حَتَّى يَبْدَأَ أَحَدُهُمَا، كَكُلِّ فَرْضِ كِفَايَةٍ أَوْ سُنَّةِ كِفَايَةٍ، فَإِنَّ الْخِطَابَ يَتَوَجَّهُ لِلْجَمِيعِ ابْتِدَاءً حَتَّى يَشْرَعَ فِيهِ وَاحِدٌ. وَهَذَا عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَعَدَمِهَا، وَأَمَّا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فَيَبْتَدِئُ الْمَفْضُولُ لِأَنَّ الْأَدْنَى يُؤْمَرُ بِبِرِّ الْأَعْلَى، وَلِذَلِكَ يُسَلِّمُ الْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ، وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْعَبْدُ عَلَى الْحُرِّ، وَالْمُتَجَالَّةُ عَلَى الرَّجُلِ، وَاللَّاحِقُ عَلَى الْمَلْحُوقِ، وَالدَّاخِلُ عَلَى الْمَدْخُولِ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا الْحَدِيثُ صَرَّحَ بِمَا تَقَدَّمَ لَقِيلَ بِسَلَامِ الْكَبِيرِ عَلَى الصَّغِيرِ، وَالْكَثِيرِ عَلَى الْقَلِيلِ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ السَّلَامَ أَمَانٌ، وَالْمَطْلُوبُ إيقَاعُهُ مِمَّنْ لَهُ الْقُوَّةُ عَلَى الْأَضْعَفِ مِنْهُ.
(تَنْبِيهٌ) الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْحَدِيثِ أَنَّ ابْتِدَاءَ مَنْ ذُكِرَ بِالسَّلَامِ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْمَاشِي عَلَى الرَّاكِبِ، أَوْ الْكَثِيرُ عَلَى الْقَلِيلِ، وَالْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ، لَحَصَلَتْ السُّنَّةُ، هَكَذَا ظَهَرَ لِي وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَلَعَلَّهُ لِظُهُورِهِ،
وَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ أَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى شَخْصٍ يُصَافِحُهُ عَقِبَ السَّلَامِ، فَقَالَ: (الْمُصَافَحَةُ) وَهِيَ وَضْعُ أَحَدِ الْمُتَلَاقِينَ يَدَهُ عَلَى بَاطِنِ كَفِّ الْآخَرِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ السَّلَامِ. (حَسَنَةٌ) أَيْ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعِنْدَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِخَبَرِ: «تَصَافَحُوا يَذْهَبْ الْغِلُّ، وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَذْهَبْ الشَّحْنَاءُ» . وَلِخَبَرِ: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا»
وَلِذَلِكَ يُكْرَهُ اخْتِطَافُ الْيَدِ بِأَثَرِ التَّلَاقِي قَبْلَ فَرَاغِ السَّلَامِ أَوْ الْكَلَامِ، وَفِي شَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ يَدَهُ عَلَى يَدِ مُصَافِحِهِ قَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ، وَإِذَا نَزَعَ كُلُّ وَاحِدٍ يَدَهُ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ لَا يُقَبِّلُ يَدَهُ وَلَا يَدَ صَاحِبِهِ لِمَا يَأْتِي عَنْ مَالِكٍ مِنْ كَرَاهَةِ تَقْبِيلِ الْيَدِ، وَإِنَّمَا تَحْسُنُ الْمُصَافَحَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَوْ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ، لَا بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً، وَلَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ أَوْ مُبْتَدَعٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى حُسْنِ الْمُصَافَحَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ قَالَ لَهُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي