للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نِصْفُ الْإِجَارَةِ.

وَالْكِرَاءُ كَالْبَيْعِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ.

وَمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا إلَى بَلَدٍ فَمَاتَتْ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ فِيمَا بَقِيَ.

ــ

[الفواكه الدواني]

الْعَمَلُ فَيَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ الْمُسَمَّى لَهُ وَجُعْلَ مِثْلِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ تَسْمِيَةٌ حَيْثُ كَانَتْ عَادَتُهُ الْإِتْيَانَ بِالْآبِقِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ الشَّيْءَ الْمُجَاعَلَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِ رَبِّهِ، وَلَوْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بِحُرِّيَّةٍ، وَلَا يَرْجِعُ الْجَاعِلُ بِالْجُعْلِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ الْجَاعِلَ هُوَ الَّذِي وَرَّطَ الْعَامِلَ فِي الْعَمَلِ مِثْلَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ بَعْدَ شُرُوعِ الْعَامِلِ فِي تَحْصِيلِهِ بِخِلَافِ مَوْتِهِ قَبْلَ قَبْضِ رَبِّهِ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ، وَمِثْلُ الْمَوْتِ فِي تَفْصِيلِهِ لَوْ هَرَبَ الْعَبْدُ أَوْ أُسِرَ أَوْ غُصِبَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ يَغْلِبُ كَوْنُهُ نَاشِئًا عَنْ عَدَاءِ الْجَاعِلِ، ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْعَامِلِ لَا شَيْءَ لَهُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ مَا لَمْ يَنْتَفِعْ رَبُّ الشَّيْءِ بِعَمَلِهِ، وَإِلَّا اسْتَحَقَّ بِنِسْبَةِ عَمَلِ الثَّانِي.

قَالَ خَلِيلٌ: إلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَبُّهُ عَلَى التَّمَامِ، فَبِنِسْبَةِ عَمَلِ الثَّانِي سَوَاءٌ عَمِلَ عَمَلَ الثَّانِي قَدْرَ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ جَعَلَ لِلْأَوَّلِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عَلَى حَمْلِ خَشَبَةٍ إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَبَلَّغَهَا نِصْفَ الطَّرِيقِ مَثَلًا وَتَرَكَهَا ثُمَّ جَعَلَ لِآخَرَ عَشَرَةً عَلَى تَبْلِيغِهَا فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَوَّلُ عَشَرَةً، وَهَكَذَا وَلَا مَفْهُومَ لِلِاسْتِئْجَارِ، بَلْ لَوْ بَلَّغَهَا رَبُّهَا أَوْ شَخْصٌ آخَرُ مَجَّانًا فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَوَّلُ بِنِسْبَةِ عَمَلِ مَنْ يُتِمُّهُ أَنْ لَوْ اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِعَمَلِهِ، رَاجِعْ شَرْحَ خَلِيلٍ لِلْعَلَّامَةِ الْأُجْهُورِيِّ.

١ -

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: عَقْدُ الْجُعْلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ مُنْحَلٌّ مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ وَالْجَاعِلِ، وَأَمَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَلَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الْجَاعِلِ، وَمُنْحَلٌّ مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَاعِلِ مُلْتَزِمُ عَقْدِ الْجُعْلِ، وَلَوْ عَقَدَهُ وَكِيلُهُ.

الثَّانِي: إنَّمَا يَصِحُّ عَقْدُ الْجُعْلِ فِيمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ، فَأَمَّا مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَلَا يَصِحُّ مُجَاعَلَتُهُ عَلَيْهِ.

قَالَ فِي الْبَيَانِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ دُلَّنِي عَلَى مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي جَارِيَتِي وَلَك كَذَا أَوْ مِنْ أُؤَجِّرُهُ نَفْسِي فَدَلَّ عَلَيْهِ فَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِدْلَالُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ تَصْلُحُ لِي أَتَزَوَّجُهَا وَلَك كَذَا فَدَلَّهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الدَّلَالَةِ عَلَى مَنْ يَشْتَرِي أَوْ يَسْتَأْجِرُ، وَبَيْنَ الدَّلَالَةِ عَلَى مَنْ تَصْلُحُ لِلنِّكَاحِ فِي لُزُومِ الْعِوَضِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وُقُوعُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ، وَهُوَ التَّفْتِيشُ عَلَى مَنْ يَشْتَرِي أَوْ يَسْتَأْجِرُ، بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ، وَهُوَ النَّصِيحَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَنْصَحَهُ صَارَتْ النَّصِيحَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَخْذُ عِوَضٍ فِي وَاجِبٍ عَلَيْهِ.

وَلَمَّا كَانَ الْجُعْلُ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْعَامِلُ إلَّا بِالتَّمَامِ، وَالْإِجَارَةُ تُخَالِفُهُ قَالَ: (وَالْأَجِيرُ عَلَى الْبَيْعِ) أَيْ عَلَى السَّمْسَرَةِ عَلَى أَثْوَابٍ أَوْ دَوَابَّ أَوْ عَبِيدٍ مَعْلُومَةٍ فِي أَجَلٍ مَعْلُومٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ (إذَا تَمَّ) أَيْ انْقَضَى (الْأَجَلُ وَلَمْ يَبِعْ) شَيْئًا مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى بَيْعِهِ (وَجَبَ لَهُ جَمِيعُ الْأَجْرِ) الْمُشْتَرَطِ أَوْ الْمَعْرُوفِ لَهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لَهُ جَمِيعُ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَدْ اسْتَوْفَى مَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ النِّدَاءُ عَلَى السِّلَعِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ.

(وَ) أَمَّا (إنْ بَاعَ) الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى بَيْعِهِ (فِي نِصْفِ الْأَجَلِ فَلَهُ نِصْفُ الْإِجَارَةِ) أَوْ فِي رُبُعِ الْأَجَلِ فَلَهُ رُبُعُ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْأُجْرَةِ فِي مُقَابَلَةِ مَا يُعَادِلُهُ وَيُقَابِلُهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي التَّعْرِيفِ: يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْإِجَارَةِ فِي كَلَامِهِ الْأَجْرُ الَّذِي هُوَ الْعِوَضُ، وَحَمَلْنَا كَلَامَهُ عَلَى السَّمْسَرَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى نَفْسِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْأَجِيرَ لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ شَيْئًا إلَّا بِالْبَيْعِ، وَقَيَّدْنَا الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بِالْأَشْيَاءِ الْمُعَيَّنَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصًا عَلَى بَيْعِ سِلَعٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ شَهْرًا مَثَلًا، وَأَحْضَرَ لَهُ شَيْئًا فَبَاعَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ فَلْيَأْتِهِ بِمَتَاعٍ آخَرَ يَبِيعُهُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الشَّهْرُ أَوْ يَدْفَعَ لَهُ جَمِيعَ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى عَمَلِهِ شَهْرًا.

١ -

وَقَالَ التَّتَّائِيُّ: (فَرْعٌ) لَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا وَقَالَ لَهُ: لَا تَبِعْ حَتَّى تُسَاوِرَنِي لَمْ يَجُزْ، قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ انْتَهَى. وَأَقُولُ: لَعَلَّ وَجْهَ عَدَمِ الْجَوَازِ شِدَّةُ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَاوَرَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُجِيزَ فَيَأْخُذَ الْأُجْرَةَ وَتَارَةً لَا يُجِيزُ فَيَذْهَبُ عَمَلُهُ بَاطِلًا. (تَنْبِيهٌ) . ظَهَرَ لَك مِنْ هَذَا الْبَيَانِ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْإِجَارَةِ لَا فِي الْجُعْلِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: إذَا تَمَّ الْأَجَلُ، وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ الْإِجَارَةَ تُخَالِفُ الْجُعْلَ فِي ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، الْأَوَّلُ: انْتِقَالُ الْإِجَارَةِ إلَى الْأَجَلِ دُونَ الْجُعْلِ.

الثَّانِي: الْجُعْلُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ فِيهِ شَيْئًا إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ تَتَبَعَّضُ الْأُجْرَةُ غَالِبًا بِتَبْعِيضِ الْمَنْفَعَةِ.

الثَّالِثُ: لُزُومُ الْإِجَارَةِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْمُكَلَّفِ الرَّشِيدِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ شُرُوعٌ فِي الْعَمَلِ، بِخِلَافِ الْجُعْلِ فَإِنَّهُ مُنْحَلٌّ مِنْ جِهَتِهِمَا قَبْلَ الشُّرُوعِ، وَبَعْدَهُ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الْجَاعِلِ دُونَ الْعَامِلِ.

[الْعَقْدِ عَلَى مَنَافِعِ الدَّوَابِّ]

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْإِجَارَةَ جَائِزَةٌ وَلَازِمَةٌ وَكَانَتْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْغَالِبِ فِي بَيْعِ مَنْفَعَةِ الْعَاقِلِ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعَقْدِ عَلَى مَنَافِعِ الدَّوَابِّ وَيُقَالُ لَهُ كِرَاءً مُضَمَّنًا لَهُ بَيَانُ شَرْطِ الْعِوَضِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ: (وَالْكِرَاءُ) بِالْمَدِّ، وَهُوَ بَيْعُ مَنْفَعَةِ مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ مِنْ حَيَوَانٍ لَا يَعْقِلُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، بِخِلَافِ بَيْعِ مَنْفَعَةِ الْعَاقِلِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى إجَارَةً، وَهَذِهِ تَفْرِقَةٌ لِلْفُقَهَاءِ، وَهِيَ غَيْرُ مُلْتَزِمَةِ الِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَ كُلًّا عَلَى الْآخَرِ كَمَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْعَقْدُ عَلَى الْمَنَافِعِ كَانَتْ مِنْ عَاقِلٍ أَوْ غَيْرِهِ (كَالْبَيْعِ فِيمَا يَحِلُّ) مِنْ الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ وَالْعِوَضِ الْمُسْتَوْفِي لِلشُّرُوطِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>