. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الفواكه الدواني]
وَيَجُوزُ لِفَاعِلِهَا الْإِقْدَامُ عَلَيْهَا وَلَا يَدْخُلُ هَذَا تَحْتَ النَّهْيِ.
الثَّالِثُ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا لَوْ وَقَعَ النَّهْيُ عَنْهُ بِأَنْ سَامَ وَزَادَ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَ التَّرَاكُنِ وَوَقَعَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَجَرَى فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ إلَى إمْضَائِهِ حَمْلًا لِلنَّهْيِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَلِمَالِكٍ قَوْلَانِ فِي النَّهْيِ: هَلْ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْ الْحُرْمَةِ؟ وَالْفَسْخُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ؟ وَالْمُعْتَمَدُ الْحُرْمَةُ، وَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ إذَا خَطَبَ عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ بَعْدَ التَّرَاكُنِ أَنَّهُ يُفْسَخُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ. قَالَ خَلِيلٌ: وَفُسِخَ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ، وَإِنَّمَا فُسِخَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ حَتَّى يُوجَدَ دَلِيلٌ عَلَى الصِّحَّةِ بَعْدَ الْوُقُوعِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَفَسَدَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إلَّا لِدَلِيلٍ.
قَالَ شُرَّاحُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ عَقْدَ مُعَامَلَةٍ أَوْ عِبَادَةٍ، وَقَوْلُهُ: إلَّا لِدَلِيلٍ أَيْ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ بَعْدَ الْوُقُوعِ.
الرَّابِعُ: فِي قَوْلِهِ (لَا يَسُومُ أَحَدٌ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ) أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِاللَّفْظِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَا نَاهِيَةٌ وَكَانَ الْوَاجِبُ حَذْفَ الْوَاوِ مِنْ يَسُومُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَمَا وَقَعَ فِي لَفْظِ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ: «لَا يَسُمْ الرَّجُلُ» بِحَذْفِ الْوَاوِ، وَثَانِيهِمَا التَّقْيِيدُ بِأَخِيهِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْمُسْلِمِ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَهُوَ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الذِّمِّيُّ كَذَلِكَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَةِ أَذَى الْجَمِيعِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَجْرَى النَّهْيَ مَجْرَى الْخَبَرِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْأَخِ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ أَوْ غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ مَا أَرَادَهُ مِنْ الْبِيَاعَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُوَ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ فَقَالَ: (وَالْبَيْعُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ لُغَةً وَشَرْعًا (يَنْعَقِدُ) أَيْ يَتَحَقَّقُ وُجُودُ حَقِيقَتِهِ (بِالْكَلَامِ) وَكَذَا بِغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، وَلَوْ الْإِشَارَةُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّطْقِ، إلَّا الْأَخْرَسَ الْأَعْمَى الْأَصَمَّ فَلَا تَجُوزُ مُعَامَلَتُهُ، وَلَا مُنَاكَحَتُهُ.
قَالَ خَلِيلٌ: يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِمَا يَدُلُّ الرِّضَا، وَإِنْ بِمُعَاطَاةٍ وَبِبِعْنِي فَيَقُولُ: بِعْت وَبَايَعْت أَوْ بِعْتُك وَيَرْضَى الْآخَرُ فِيهِمَا، وَيَلْزَمُ مِنْ لَفْظٍ بِالْمُضَارِعِ ابْتِدَاءٌ مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ وَيَرْضَى الْآخَرُ، فَإِنْ قَالَ الْبَادِئُ بَعْدَ رِضَا الْآخَرِ: لَمْ أَرْضَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ يَمِينٌ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَحَلَفَ، وَإِلَّا لَزِمَ إنْ قَالَ: أَبِيعُكهَا بِكَذَا أَوْ أَنَا أَشْتَرِيهَا بِهِ أَوْ أَتَسَوَّقُ بِهَا، فَقَالَ: بِكَمْ؟ فَقَالَ: بِمِائَةٍ، فَقَالَ: أَخَذْتهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْمَاضِي أَوْ الْأَمْرِ أَوْ الْمُضَارِعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا تَقَدُّمُ الْإِيجَابِ مِنْ الْبَائِعِ عَلَى الْقَبُولِ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا يَنْعَقِدُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَا ذَكَرْنَا لِدَفْعِ إشْكَالٍ فِي كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدٌ، فَكَيْفَ يَقُولُ الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ بِالْكَلَامِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ.
وَقَدَّمْنَا أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْعَقْدِ تَمْيِيزُ الْعَاقِدِ، وَشَرْطَ لُزُومِهِ تَكْلِيفُهُ، فَعَقْدُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ كَعَقْدِ الْمُكْرَهِ إكْرَاهًا حَرَامًا، ثُمَّ إنْ وَقَعَ عَلَى خِيَارِ التَّرَوِّي وَلَوْ بِالْعَادَةِ كَانَ مُنْحَلًّا وَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ بِمُضِيِّ مُدَّتِهِ، وَمَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ الْغَدِ وَالْغَدَاءَيْنِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَيَلْزَمُ بِانْقِضَائِهِ وَرُدَّ فِي كَالْغُدُوِّ إنْ وَقَعَ بَتًّا كَانَ لَازِمًا بِمُجَرَّدِهِ حَيْثُ صَدَرَ مِنْ مُكَلَّفَيْنِ رَشِيدَيْنِ.
(وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقْ الْمُتَبَايِعَانِ) تَثْنِيَةُ مُتَبَايِعٍ بِالتَّاءِ لَا بِالْهَمْزَةِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ مِنْ الْمَجْلِسِ كَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ «خَبَرُ الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» ، فَمَالِكٌ، وَمَنْ وَافَقَهُ تَرَكَ الْعَمَلَ بِظَاهِرِهِ وَحُمِلَ التَّفَرُّقُ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَقْوَالِ، وَأَنَّهُمَا إذَا عَقَدَا الْبَيْعَ، وَلَمْ يَذْكُرَا خِيَارًا وَلَا كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِهِ يَقَعُ الْبَيْعُ لَازِمًا وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا خِيَارٌ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ قَالَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَامِلَ لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى عَدَمِ الْعَمَلِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ الْبَابِ مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ.
[بَاب الْإِجَارَة]
[حُكْم الْإِجَارَة]
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الذَّوَاتِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الْمَنَافِعِ فَقَالَ: (وَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ) قَالَ خَلِيلٌ: صِحَّةُ الْإِجَارَةِ بِعَاقِدٍ وَأَجْرٍ كَالْبَيْعِ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَجْرِ بِمَعْنَى الثَّوَابِ، يُقَالُ: اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ عَلَى عَمَلٍ بِأَجْرٍ أَيْ بِثَوَابٍ يُعْطِيهِ لَهُ عَلَى عَمَلِهِ، وَعَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: بَيْعُ مَنْفَعَةٍ مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ غَيْرَ سَفِينَةٍ وَلَا حَيَوَانٍ لَا يَعْقِلُ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْهَا بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا، فَخَرَجَ بَيْعُ مَنْفَعَةِ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَالدَّوَابِّ فَلَا يُسَمَّى إجَارَةً، وَإِنَّمَا يُسَمَّى كِرَاءً، كَمَا خَرَجَتْ الْمُسَاقَاةُ وَالْقِرَاضُ، وَالضَّمِيرُ فِي بَعْضِهِ لِلْعِوَضِ وَفِي تَبْعِيضِهَا لِلْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا زَادَ لَفْظَةَ بَعْضِهِ؛ لِيَدْخُلَ فِي التَّعْرِيفِ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص: ٢٧] الْآيَةَ. لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ إجَارَةٌ وَعِوَضَهَا الْبُضْعُ وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ، فَلَوْ حَذَفَهَا لَصَارَ التَّعْرِيفُ غَيْرَ جَامِعٍ، وَجَوَازُهَا ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] وقَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّهِ شُعَيْبٍ مَعَ مُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: ٢٧] وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ، فَذَكَرَ تَأْجِيلَ الْإِجَارَةِ وَسَمَّى عِوَضَهَا.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» وَقَوْلُهُ أَيْضًا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى