للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَابٌ فِي الْوَصَايَا وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُعْتَقِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْوَلَاءِ وَيَحِقُّ عَلَى مَنْ لَهُ مَا يُوصِي فِيهِ أَنْ يُعِدَّ وَصِيَّتَهُ.

وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ.

وَالْوَصَايَا خَارِجَةٌ مِنْ الثُّلُثِ وَيُرَدُّ مَا زَادَ عَلَيْهِ

ــ

[الفواكه الدواني]

[بَابٌ فِي الْوَصَايَا]

(بَابٌ فِي) الْكَلَامِ عَلَى أَحْكَامِ (الْوَصَايَا)

جَمْعُ وَصِيَّةٍ وَهِيَ لُغَةً: الْوَصْلُ لِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ صِيتَ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ إذَا وَصَلْته بِهِ، كَأَنَّ الْمُوصِيَ لَمَّا أَوْصَى بِالشَّيْءِ وَصَلَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِمَا قَبْلَهُ فِي نُفُوذِ التَّصَرُّفِ. وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هِيَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ لَا الْفُرَّاضِ عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ يَلْزَمُ بِمَوْتِهِ أَوْ نِيَابَةً عَنْهُ بَعْدَهُ، فَمَا يُوجِبُ حَقًّا فِي رَأْسِ مَالِهِ مِمَّا عَقَدَهُ فِي صِحَّتِهِ لَا يُسَمَّى وَصِيَّةً كَمَا خَرَجَ مَا يَلْزَمُ بِدُونِ الْمَوْتِ كَالْتِزَامِ مَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ لِشَخْصٍ وَزَادَ قَوْلَهُ: أَوْ نِيَابَةً عَطْفًا عَلَى حَقًّا لِيَدْخُلَ الْإِيصَاءُ بِالنِّيَابَةِ عَنْ الْمَيِّتِ، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ عِنْدَ الْفُرَّاضِ فَهِيَ عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ فَقَطْ، فَالْوَصِيَّةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَعَمُّ مِنْ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْفُرَّاضِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عِنْدَ الْفُرَّاضِ قَاصِرَةٌ عَلَى الْإِيصَاءِ بِمَا فِيهِ حَقٌّ، وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَتَنَوَّعَ إلَى وَصِيَّةِ نِيَابَةٍ عَنْ الْمُوصِي، كَالْإِيصَاءِ عَلَى الْأَطْفَالِ وَعَلَى قَبْضِ الدُّيُونِ وَتَفْرِقَةِ التَّرِكَةِ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ بِعِتْقِ عَبْدِهِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ، وَتَعْرِيفُ ابْنِ عَرَفَةَ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّوْعَيْنِ.

(وَ) فِي الْكَلَامِ عَلَى أَحْكَامِ (الْمُدَبَّرِ) وَهُوَ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ عَلَى الْمَوْتِ وَيَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ.

(وَ) فِي الْكَلَامِ عَلَى (الْمُكَاتَبِ) وَهُوَ الْمُعْتَقُ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ يَدْفَعُهُ لِسَيِّدِهِ.

(وَ) فِي الْكَلَامِ عَلَى (الْمُعْتَقِ) لَا عَلَى وَجْهِ التَّدْبِيرِ وَلَا الْكِتَابَةِ، كَالْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ أَوْ لِلْمُثْلَةِ أَوْ لِلسِّرَايَةِ أَوْ لِلْمِلْكِ.

(وَ) فِي الْكَلَامِ عَلَى (أُمِّ الْوَلَدِ) وَهِيَ الْحُرُّ حَمْلُهَا مِنْ وَطْءِ مَالِكِهَا عَلَيْهِ جَبْرًا.

(وَ) فِي الْكَلَامِ عَلَى (الْوَلَاءِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ مِنْ الْوَلَايَةِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ مِنْ النَّسَبِ وَالْعِتْقِ وَأَصْلُهُ الْوَلِيُّ وَهُوَ الْقُرْبُ، وَأَمَّا مِنْ الْإِمَارَةِ وَالتَّقَدُّمِ فَبِالْكَسْرِ وَقِيلَ بِالْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا، وَالْمَوْلَى لُغَةً يُقَالُ لِلْمُعْتِقِ وَالْمُعْتَقِ وَأَبْنَائِهِمَا، وَلِغَيْرِهِمَا كَالنَّاصِرِ وَابْنِ الْعَمِّ وَالْقَرِيبِ، وَالْمُرَادُ هُنَا وَلَايَةُ الْإِنْعَامِ وَالْعِتْقِ، وَعَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا حُكْمَ الْعُصُوبَةِ عِنْدَ عَدَمِهَا، فَهَذِهِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ جَمَعَهَا فِي تَرْجَمَةِ رَوْمًا لِلِاخْتِصَارِ. وَشَرَعَ فِي بَيَانٍ عَلَى التَّفْصِيلِ فَقَالَ: (وَيَحِقُّ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ يَتَأَكَّدُ نَدْبُهَا (عَلَى مَنْ لَهُ مَا) أَيْ مَالٌ (يُوصِي فِيهِ أَنْ يُعِدَّ) بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَعَدَّ أَيْ يَحْصُرُ وَيُهَيِّئُ (وَصِيَّتَهُ) وَيُشْهِدُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا بِدُونِ الْإِشْهَادِ لَا يَجِبُ تَنْفِيذُهَا وَتَبْطُلُ وَلَوْ كَانَتْ بِخَطِّ الْمُوصِي لِاحْتِمَالِ رُجُوعِهِ عَنْهَا إلَّا يَقُولَ: مَا وَجَدْتُمْ بِخَطِّ يَدِي فَأَنْفِذُوهُ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى طَلَبِ مَشْرُوعِيَّتِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: ١٨٠] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ مَا يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» وَحَمَلَ الْحَدِيثَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ لِعَدَمِ الْأَمْنِ مِنْ الْمَوْتِ فَجْأَةً.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ، إلَّا أَنْ يَخْشَى بِعَدَمِهَا ضَيَاعَ الْحَقِّ عَلَى أَرْبَابِهِ إنْ لَمْ يُوصِ فَتَجِبُ، وَلِذَا قَسَّمَهَا ابْنُ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيُّ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ: فَتَجِبُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَتُنْدَبُ إذَا كَانَتْ بِقُرْبَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ، وَتَحْرُمُ بِمُحَرَّمٍ كَالنِّيَاحَةِ وَنَحْوِهَا كَالْإِيصَاءِ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَتُكْرَهُ إذَا كَانَتْ بِمَكْرُوهٍ أَوْ فِي مَالِ فَقِيرٍ، وَتُبَاحُ إذَا كَانَتْ بِمُبَاحٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ، وَإِنْفَاذُهَا يَنْقَسِمُ إلَى تِلْكَ الْأَقْسَامِ هَكَذَا قَالَا، وَبَحَثَ فِيهِ الْأُجْهُورِيُّ قَائِلًا: الصَّوَابُ أَنَّ تَنْفِيذَهَا فِي جَمِيعِ الْأَقْسَامِ مَا عَدَا الْمُحَرَّمَ وَاجِبٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُمَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّنْفِيذُ مِنْ الْمُوصِي نَفْسِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ إنْفَاذُ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَيُحَرَّمُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَيُنْدَبُ لَهُ إنْفَاذُ الْمَنْدُوبَةِ بِمَعْنَى عَدَمِ رُجُوعِهِ، وَالْمُبَاحَةُ يُبَاحُ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا، وَأَمَّا مُتَوَلِّي أَمْرِ التَّرِكَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَنْفِيذُ حَتَّى الْمُبَاحَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>