للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي سَنَتَيْنِ.

وَالدِّيَةُ مَوْرُوثَةٌ عَلَى الْفَرَائِضِ.

وَفِي جَنِينِ الْحُرَّةِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٌ تُقَوَّمُ بِخَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ.

ــ

[الفواكه الدواني]

وَعَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ مِنْ الْعَاقِلَةِ فَتُخَفَّفُ عَنْهُمْ بِتَأْجِيلِهَا لَآخِرِ الْعَامِ، وَسُمِّيَتْ عَاقِلَةً لِأَنَّهَا تَعْقِلُ عَنْ الْقَاتِلِ أَوْ تَحْمِلُ عَنْهُ، وَقِيلَ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ لِسَانَ الطَّالِبِ عَنْ الْجَانِي، وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْقِلُونَ الْإِبِلَ عِنْدَ دَارِ الْمَقْتُولِ وَهَكَذَا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِسْلَامِ.

(وَ) إنْ كَانَ الْوَاجِبُ (ثُلُثَهَا) بِأَنْ كَانَ الْجُرْحُ جَائِفَةً أَوْ آمَّةً أَوْ دَامِغَةً فَإِنَّهُ يُقْبَضُ مِنْ الْعَاقِلَةِ (فِي) آخِرِ (سَنَةٍ) لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِانْقِضَائِهَا وَإِبْدَاؤُهَا مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ وَالثُّلُثَانِ فِي سَنَتَيْنِ.

(وَ) إنْ كَانَ الْوَاجِبُ (نِصْفَهَا) كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ أَوْ رِجْلَ شَخْصٍ خَطَأً فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ (فِي سَنَتَيْنِ) يَحِلُّ فِي آخِرِ السَّنَةِ الْأُولَى ثُلُثُهَا وَفِي الثَّانِيَةِ سُدُسُهَا، هَكَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَنِصْفُهَا فِي سَنَتَيْنِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَخَلِيلٍ، وَلَفْظُ خَلِيلٍ: وَالثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ بِالنِّسْبَةِ وَنُجِّمَ فِي النِّصْفِ وَالثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ بِالتَّثْلِيثِ ثُمَّ لِلزَّائِدِ سَنَةٌ.

وَفِي الْأُجْهُورِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ النِّصْفَ يُجْعَلُ شَطْرَيْنِ لِكُلِّ سَنَةٍ شَطْرٌ، فَإِنَّهُ صَوَّبَ كَلَامَ خَلِيلٍ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ قَالَ وَنُجِّمَ فِي الْمُصَنِّفِ وَالثَّلَاثَةِ أَرْبَاعٍ بِالتَّرْبِيعِ رُبْعٌ بِآخِرِ كُلِّ عَامٍ لَوَافَقَ الرَّاجِحَ، وَأَقُولُ: لَعَلَّ كَلَامَ الْأُجْهُورِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَامِلَةَ تُنَجَّمُ عَلَى أَرْبَعِ سِنِينَ عَلَى الْقَوْلِ الشَّاذِّ الْمُقَابِلِ لِمَا عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَخَلِيلٌ وَابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ جَعْلِ الْكَامِلَةِ فِي ثَلَاثٍ.

[مُسْتَحَقّ دِيَةِ الْمَقْتُولِ]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مُسْتَحَقِّ دِيَةِ الْمَقْتُولِ بِقَوْلِهِ: (وَالدِّيَةُ) وَهِيَ الْمَالُ الْمُؤَدَّى فِي نَظِيرِ دَمِ الْمَقْتُولِ (مَوْرُوثَةٌ عَلَى الْفَرَائِضِ) سَوَاءٌ كَانَتْ دِيَةَ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ فَهِيَ كَمَالِ الْمَيِّتِ، فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ نَصِيبَهُ الْمُقَدَّرَ لَهُ فِي مَالِهِ بِنَصِّ كِتَابِ اللَّهِ إلَّا الْقَاتِلَ، الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْمُوَطَّإِ: «مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةً مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا الْمَقْتُولِ خَطَأً» .

وَفِي قَوْلِهِ مَوْرُوثَةٌ مُنَاقَشَةٌ لِمَا أَنَّ الْإِرْثَ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ الَّذِي كَانَ مَمْلُوكًا لَلْمَوْرُوثِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَالدِّيَةُ إنَّمَا اسْتَحَقَّتْهَا الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنْ يَمْلِكَهَا بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّ دِيَتَهُ يُقْضَى مِنْهَا وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْهَا، وَإِذَا عَفَا عَنْ قَاتِله خَطَأً فَإِنَّ عَفْوَهُ يَكُونُ وَصِيَّةً لِلْعَاقِلَةِ بِدِيَتِهِ فَإِنْ حَمَلَهَا ثُلُثُهُ سَقَطَتْ عَنْهُمْ، مَعَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ ثُلُثِ مَا عُلِمَ بِهِ مِنْ مَالِهِ فِي حَيَاتِهِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ بِقَوْلِهِ: (وَ) الْوَاجِبُ (فِي جَنِينِ) أَيْ حَمْلِ (الْحُرَّةِ) مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً إذَا انْفَصَلَ عَنْهَا غَيْرَ مُسْتَهِلٍّ وَهِيَ حَيَّةٌ بِسَبَبِ ضَرْبَةٍ أَوْ تَخْوِيفٍ أَوْ شَمِّ رَائِحَةِ سَمَكٍ مِنْ عِنْدِ مَنْ يَعْلَمُ حَمْلَهَا وَأَنَّ عَدَمَ إطْعَامِهَا يُسْقِطُهُ (غُرَّةٌ) وَهِيَ (عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ) أَيْ جَارِيَةٌ صَغِيرَةٌ بَلَغَتْ حَدَّ الْإِثْغَارِ بِحَيْثُ (تُقَوَّمُ) تِلْكَ الرَّقَبَةُ (بِخَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ) وَذَلِكَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ أَبِيهِ وَعُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَفِي الْجَنِينِ وَإِنْ عَلَقَةً عُشْرُ أُمِّهِ وَلَوْ أَمَةً نَقْدًا أَوْ غُرَّةً عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً تُسَاوِيهِ أَيْ الْعُشْرَ، لِأَنَّ مَشْهُورَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْغُرَّةَ لَا تَكُونُ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ كُلَّ مَنْ تَسَبَّبَ فِي إنْزَالِ جَنِينٍ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ وَنَزَلَ غَيْرَ مُسْتَهِلٍّ كَمَا قَدَّمْنَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ لِمَنْ يَرِثُهُ عُشْرُ وَاجِبِ أُمِّهِ مِنْ النَّقْدِ الْحَالِ أَوْ يَدْفَعُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً تُسَاوِي عُشْرَ دِيَةِ أُمِّهِ، وَلَوْ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهِ شَمَّهَا رَائِحَةً حَيْثُ طَلَبَتْ مِنْ ذِي الرَّائِحَةِ شَيْئًا وَلَمْ يُعْطِهَا أَوْ عَلِمَ بِحَمْلِهَا وَبِأَنَّ عَدَمَ تَنَاوُلِهَا مِنْهُ يُسْقِطُ جَنِينَهَا وَأَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَلَوْ لَمْ تُطْلَبْ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ الْجَنِينُ دَمًا مُجْتَمِعًا بِحَيْثُ إذَا صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْحَارُّ لَا يَذُوبُ لِأَنَّ الْعَلَقَةَ عِنْدَنَا فِي بَابِ الْغُرَّةِ وَالْعِدَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ حُكْمُ الْمُتَخَلِّقِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ الْغُرَّةِ شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ أَنَّ إنْزَالَ الْجَنِينِ مِنْ هَذَا السَّبَبِ بِأَنْ عَايَنَتْهَا لَزِمَتْ الْفِرَاشَ إلَى أَنْ انْفَصَلَ مِنْهَا غَيْرَ مُسْتَهِلٍّ وَهِيَ حَيَّةٌ، وَأَمَّا لَوْ نَزَلَ مُسْتَهِلًّا فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً بِشَرْطِ الْقَسَامَةِ وَلَوْ مَاتَ عَاجِلًا، وَقَوْلُنَا: وَهِيَ حَيَّةٌ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ انْفَصَلَ عَنْهَا غَيْرَ مُسْتَهِلٍّ بَعْدَ مَوْتِهَا أَوْ بَعْضُهُ فِي حَيَاتِهَا وَبَعْضُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَإِنَّهُ يَنْدَرِجُ فِيهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمُوَطَّإِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الْجَنِينِ يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ» .

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا وَمِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ أَنَّ الْغُرَّةَ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهَا الْعَبْدُ وَلَا غَيْرُهُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَيُخَيَّرُ الْجَانِي بَيْنَ غُرْمِ الْغُرَّةِ أَوْ عُشْرِ دِيَةِ الْأُمِّ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ عَلَى الْحُلُولِ وَلَا يُعْطَى فِيهَا إبِلٌ وَلَا بَقَرٌ.

الثَّانِي: إذَا كَانَ الْجَنِينُ مُتَعَدِّدًا تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ قَالَ خَلِيلٌ: وَتَعَدَّدَ الْوَاجِبُ بِتَعَدُّدِهِ وَهُوَ الْغُرَّةُ إنْ نَزَلَ مَيِّتًا وَالدِّيَةُ مَعَ الْقَسَامَةِ إنْ نَزَلَ مُسْتَهِلًّا وَهَذَا الْحُكْمُ عَامٌ وَلَوْ كَانَ الْجَنِينُ مِنْ زِنًى.

الثَّالِثُ: مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجَنِينِ يَكُونُ عَلَى الْجَانِي وَعَلَى الْحُلُولِ مَحَلَّهُ وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْوَاجِبُ فِي الْخَطَإِ الثُّلُثَ وَإِلَّا كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي، كَمَجُوسِيٍّ ضَرَبَ بَطْنَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا غَيْرَ مُسْتَهِلٍّ لِأَنَّ الْغُرَّةَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>