للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتُورَثُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ.

وَلَا يَرِثُ قَاتِلُ الْعَمْدِ مِنْ مَالٍ وَلَا دِيَةٍ.

وَقَاتِلُ الْخَطَإِ يَرِثُ مِنْ الْمَالِ دُونِ الدِّيَةِ.

وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَتِهَا.

وَمَنْ قَتَلَ عَبْدًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ.

وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ

ــ

[الفواكه الدواني]

يَسْتَحِقُّ الْغُرَّةَ بِقَوْلِهِ: (وَتُورَثُ) أَيْ الْغُرَّةُ (عَلَى حُكْمِ الْفَرَائِضِ) الْمُفَصَّلَةِ (فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) وَقَالَ خَلِيلٌ: وَوُرِّثَتْ عَلَى الْفَرَائِضِ وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَهُمْ: إنَّ الْجَنِينَ إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَالِ الَّذِي يَمْلِكُهُ لَا عَلَى مَا يَشْمَلُ مَا هُوَ فِي مُقَابَلَةِ ذَاتِهِ.

وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إرْثِهَا عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ فَيَأْخُذُ مِنْهَا حَتَّى الْإِخْوَةُ وَبَقِيَّةُ الْعَصَبَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ أَنْ كَانَ يَقُولُ: هِيَ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَحَدُهُمَا فَهِيَ لَهُ خَاصَّةٌ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِهَا إرْثًا لَوْ كَانَ الضَّارِبُ لِبَطْنِ أُمِّ الْجَنِينِ هُوَ الْأَبُ يَلْزَمُهُ الْغُرَّةَ وَلَا يَرِثُ مِنْهَا، كَذَا لَوْ شَرِبَتْ الْأُمُّ لِإِسْقَاطِهَا مَا فِي بَطْنِهَا فَتَجِبُ عَلَيْهَا الْغُرَّةُ وَلَا تَرِثُ مِنْهَا لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ الْمَقْتُولَ.

كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَرِثُ قَاتِلُ الْعَمْدِ) الْعُدْوَانِ (مِنْ مَالِ) الْمَقْتُولِ الَّذِي تَرَكَهُ (وَلَا) مِنْ (دِيَةٍ) أُخِذَتْ فِي نَظَرِ دَمِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ مَقْتُولَهُ لِاتِّهَامِهِ عَلَى اسْتِعْجَالِ مَوْتِهِ» فَعُوقِبَ بِالْحِرْمَانِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَرِثْ مِنْ دِيَتِهِ لِوُجُوبِهَا بِفِعْلِهِ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَجِبَ عَلَى الشَّخْصِ شَيْءٌ لِنَفْسِهِ، وَكَمَا لَا يَرِثُ لَا يَحْجُبُ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَرِثُ بِحَالٍ لَا يَحْجُبُ وَارِثًا، وَقَيَّدْنَا الْعَمْدَ بِالْعُدْوَانِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعَمْدِ غَيْرِ الْعُدْوَانِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْمِيرَاثِ لِقَوْلِ خَلِيلٍ فِي الْبَاعِيَةِ: وَكُرِهَ لِلرَّجُلِ قَتْلُ أَبِيهِ وَوَرِثَهُ.

(وَ) مَفْهُومُ قَاتِلِ الْعَمْدِ أَنَّ (قَاتِلَ الْخَطَإِ يَرِثُ مِنْ الْمَالِ) الَّذِي تَرَكَهُ الْمَقْتُولُ لِعَدَمِ اتِّهَامِهِ مَعَ ثُبُوتِ الْخَطَإِ.

(دُونَ الدِّيَةِ) لِأَنَّهَا مِنْ سَبَبِهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِيهَا: {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] وَلَوْ كَانَ يَرِثُهَا لَمْ يُسَلِّمْهَا، وَمَنْ لَا يَرِثُ مِنْهَا لَا يَحْجُبُ الْوَارِثَ لَهَا، فَإِذَا فَرَضْنَا ثَلَاثَةَ إخْوَةٍ لِأُمٍّ لَهُمْ أُمٌّ حَيَّةٌ وَقَتَلَ أَحَدُهُمْ أَخَاهُ خَطَأً فَإِنَّ الْأُمَّ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ الْمَقْتُولِ الثُّلُثَ، وَالثُّلُثَانِ لِلْأَخِ، وَلَا يُقَالُ لِلْأُمِّ السُّدُسُ مَعَ تَعَدُّدِ الْإِخْوَةِ لِأَنَّ الْقَاتِلَ غَيْرُ وَارِثٍ مِنْ الدِّيَةِ فَلَا يَحْجُبُ الْوَارِثَ لَهَا، وَأَمَّا إرْثُهَا مِنْ مَتْرُوكِ الْمَقْتُولِ غَيْرِ الدِّيَةِ فَهُوَ السُّدُسُ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي مَفْهُومِ جَنِينِ الْحُرَّةِ بِقَوْلِهِ: (وَ) الْوَاجِبُ (فِي جَنِينِ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا) الْحُرِّ (مَا) يَجِبُ (فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ) مِنْ أَهْلِ دِينِ سَيِّدِهَا وَهُوَ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ مِنْ النَّقْدِ الْحَالِ أَوْ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ تُسَاوِي الْعُشْرَ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَالْأَمَةُ مِنْ سَيِّدِهَا وَالنَّصْرَانِيَّة مِنْ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ كَالْحُرَّةِ أَيْ وَجَنِينُ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا الْحُرِّ الْمُسْلِمِ كَجَنِينِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ فَفِيهِ عُشْرُ دِيَتِهَا، وَكَذَلِكَ الْيَهُودِيَّةُ أَوْ النَّصْرَانِيَّةُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ يَتَزَوَّجُهَا كَجَنِينِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ لِأَخْذِ الْحُرِّيَّةِ مِنْ أُمِّهِ وَالْإِسْلَامِ مِنْ أَبِيهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَخَلِيلٍ مِنْ سَيِّدِهَا لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ الْمَدَارُ أَنْ يَكُونَ الْجَنِينُ تَخَلَّقَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ فَيَشْمَلُ وَلَدَ الْأَمَةِ الْغَارَةِ لِحُرَّةٍ وَأَمَةٍ كَالْجَدِّ فَإِنَّ فِي جَنِينِ مَنْ ذُكِرَ مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ، وَقَوْلُهُ: مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ أَيْ مِنْ أَهْلِ دِينِ سَيِّدِهَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ.

(وَ) مَفْهُومُ سَيِّدِهَا أَنَّ جَنِينَهَا (إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِهَا بِأَنْ كَانَ مِنْ سَيِّدٍ زَنَى أَوْ مِنْ زَوْجٍ وَلَوْ حُرًّا مَعَ عِلْمِهِ (فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَتِهَا) أَيْ الْأُمِّ وَلَوْ زَادَ عَلَى الْغُرَّةِ، كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ إنْ أُنْزِلَ مُسْتَهِلًّا قِيمَتُهُ وَلَوْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ.

(تَنْبِيهٌ) بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ مَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْآدَمِيَّةِ مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ، وَسَكَتَ عَنْ جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إذَا تَسَبَّبَ إنْسَانٌ فِي قَتْلِهِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ تُقَوَّمُ أُمُّهُ حَامِلًا بِهِ وَعَلَى حَالِهَا بَعْدَ انْفِصَالِهِ، وَيُنْظَرُ مَا نَقَصَتْهُ قِيمَتُهَا بَعْدَ نُزُولِهِ عَنْ قِيمَتِهَا حَامِلًا بِهِ، فَمَا نَقَصَ يَغْرَمُهُ الْجَانِي هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمِّ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِنْ نَزَلَ مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَإِنْ نَزَلَ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَعَ غُرْمِ نَقْصِ الْأُمِّ، لِأَنَّ نَحْوَ الْبَقَرَةِ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا بَعْدَ فَقْدِ وَلَدِهَا عَنْ قِيمَتِهَا مَعَ حَيَاتِهِ،

وَلَمَّا كَانَ الْأَعْلَى لَا يُقْتَلُ بِالْأَدْنَى قِصَاصًا قَالَ: (وَمَنْ قَتَلَ) مِنْ الْأَحْرَارِ (عَبْدًا) أَيْ رَقِيقًا وَلَوْ ذَا شَائِبَةٍ كَمُكَاتَبٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ.

(فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) وَلَوْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ وَيَغْرَمُهَا الْقَاتِلُ فِي مَالِهِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً.

قَالَ خَلِيلٌ: وَفِي الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ وَإِنْ زَادَتْ أَيْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ، وَقَوْلُنَا: مِنْ الْأَحْرَارِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ قَتَلَهُ رَقِيقٌ فَالْقِصَاصُ أَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ غِيلَةً فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ.

(تَنْبِيهٌ) بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ مَا يَجِبُ عَلَى قَاتِلِ الرَّقِيقِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ جَرَحَهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَالْقِيمَةُ لِلْعَبْدِ كَالدِّيَةِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقِيمَةَ لِلْعَبْدِ فِي جِرَاحَاتِهِ كَالدِّيَةِ لِلْحُرِّ فِي النِّسْبَةِ إلَيْهَا، فَمَا يَجِبُ فِي جِرَاحَاتِ الْمُسْلِمِ يُنْسَبُ إلَى دِيَتِهِ، وَمَا يَجِبُ فِي جِرَاحَاتِ الرَّقِيقِ يُنْسَبُ إلَى قِيمَتِهِ، فَفِي جَائِفَتِهِ وَآمَّتِهِ ثُلُثُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، وَفِي مُنَقِّلَتِهِ وَهِيَ الْهَاشِمَةُ عُشْرُ قِيمَتِهِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا، وَمَا عَدَا تِلْكَ الْجِرَاحَاتِ مِنْ يَدٍ وَعَيْنٍ وَرِجْلٍ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا مَا نَقَصَتْهُ قِيمَتُهُ سَالِمًا.

وَلَمَّا كَانَ قَتْلُ الْمُحَارِبِ وَهُوَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ لِمَنْعِ السُّلُوكِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ قَالَ: (وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ) الْمُكَلَّفُونَ وَلَوْ أَشْرَافًا وُجُوبًا.

(وَالْوَاحِدُ) وَلَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>