وَالطَّعَامِ وَالْإِدَامِ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ
وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ.
وَيُعَجِّلُ رَأْسَ الْمَالِ أَوْ يُؤَخِّرُهُ إلَى مِثْلِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ كَانَ بِشَرْطٍ.
ــ
[الفواكه الدواني]
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: الْكَلَامُ السَّابِقُ وَاضِحٌ فِيمَا إذَا تَحَقَّقَ حُصُولُ الْعَيْبِ زَمَنَ الْعُهْدَةِ، وَأَمَّا لَوْ انْقَضَتْ أَيَّامُهَا وَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ وَشَكَّ فِي حُصُولِهِ فِي زَمَنِ الْعُهْدَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَالْمُحْتَمَلُ بَعْدَهُمَا مِنْهُ أَيْ مِنْ الْبَائِعِ.
الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْعَمَلُ بِالْعُهْدَةِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهَا فِي كُلِّ رَقِيقٍ انْتَقَلَ مِلْكُهُ لِغَيْرِ مَالِكِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ اسْتَثْنَى الْمُتَيْطِيُّ إحْدَى وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً وَأَشَارَ إلَيْهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: لَا فِي مُنْكَحٍ بِهِ أَوْ مُخَالَعٍ أَوْ مُصَالَحٍ بِهِ فِي دَمِ عَمْدٍ أَوْ مُسَلَّمٍ فِيهِ أَوْ بِهِ أَوْ مُقْرَضٍ أَوْ غَائِبٍ اُشْتُرِيَ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ مُقَاطَعٍ بِهِ مُكَاتَبٍ وَاَلَّذِي يَبِيعُهُ السُّلْطَانُ عَلَى نَحْوِ مُفْلِسٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ فَلَا عُهْدَةَ فِيهَا بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ. وَأَمَّا لَوْ اُشْتُرِطَتْ بِالْفِعْلِ لَعُمِلَ بِهَا مَا ارْتَضَاهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْأُجْهُورِيِّ، وَلِلْمُشْتَرِي إسْقَاطُهُمَا قَبْلَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ إنَّمَا لَهُ إسْقَاطُهُمَا قَبْلَ الْعَقْدِ فَقَطْ.
١ -
الثَّالِثُ: عُهْدَةُ الرَّقِيقِ غَيْرُ عُهْدَةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ عُهْدَةَ الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ وَيُقْضَى بِهَا وَلَوْ دَخَلَ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى إسْقَاطِهَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ الَّذِي تَكُونُ عَلَيْهِ، وَبَيَّنَهُ غَيْرُهُ مِنْ شُرَّاحِ خَلِيلٍ بِقَوْلِهِ: وَهِيَ عَلَى مُتَوَلِّي الْبَيْعِ إلَّا الْوَكِيلَ فَلَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ فِي صُورَتَيْنِ، وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَهُمَا أَنْ يُصَرِّحَ بِالْوَكَالَةِ أَوْ يَعْلَمَ الْعَاقِدُ أَنَّهُ وَكِيلٌ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُفَوِّضِ، وَأَمَّا هُوَ فَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَلَّ نَفْسَهُ مَحَلَّ الْبَائِعِ، وَكَذَا الْمُقَارِضُ وَالشَّرِيكُ الْمُفَوِّضُ فِي الشَّرِكَةِ، وَأَمَّا الْقَاضِي وَالْوَصِيُّ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِمَا فِيمَا وَلْيُبَايِعْهُ وَالْعُهْدَةُ فِي مَالِ الْيَتَامَى، فَإِنْ هَلَكَ مَالُ الْأَيْتَامِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَيْتَامِ.
[السَّلَمُ فِي الْعُرُوضِ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْبَيْعِ خَاصَّةً، وَهُوَ السَّلَمُ وَيُقَالُ لَهُ السَّلَفُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ إثْبَاتٌ مَالِيٌّ فِي الذِّمَّةِ مَبْذُولٌ فِي الْحَالِ وَعِوَضُهُ مُؤَجَّلٌ يُقْبَضُ فِي الْمَآلِ، وَلِذَا قَالَ الْقَرَافِيُّ سُمِّيَ سَلَمًا لِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ دُونَ الْعِوَضِ، وَالسَّلَفُ فِي اللُّغَةِ التَّقْدِيمُ قَالَ - تَعَالَى -: {بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: ٢٤] أَيْ قَدَّمْتُمْ، وَمَعْنَاهُ شَرْعًا كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يُوجِبُ عِمَارَةَ ذِمَّةٍ بِغَيْرِ عَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ غَيْرِ مُتَمَاثِلِ الْعِوَضَيْنِ، فَقَوْلُهُ بِغَيْرِ عَيْنٍ أَخْرَجَ بَيْعَةَ الْأَجَلِ، وَقَوْلُهُ وَلَا مَنْفَعَةَ أَخْرَجَ بِهِ الْكِرَاءَ الْمَضْمُونَ، وَقَوْلُهُ غَيْرِ مُتَمَاثِلِ الْعِوَضَيْنِ أَخْرَجَ بِهِ السَّلَفَ، وَبَدَأَ بِحُكْمِهِ فَقَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ) أَيْ يَجُوزُ السَّلَمُ (فِي الْعُرُوضِ) ، وَهِيَ مَا عَدَا الْحَيَوَانَاتِ وَالْأَطْعِمَةَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: (وَ) فِي (الرَّقِيقِ وَ) فِي (الْحَيَوَانِ) الْبَهِيمِيِّ (وَ) فِي (الطَّعَامِ) الْمُرَادُ بِهِ سَائِرُ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ بِقَرِينَةِ: (وَالْإِدَامُ) كَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَكُلِّ مَا يُؤْتَدَمُ بِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى الْجَوَازِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] ، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» .
وَالْإِجْمَاعُ عَلَى الْجَوَازِ وَلَا نَظَرَ إلَى مَنْ خَالَفَ فِي بَعْضِ الْبِيَاعَاتِ، نَعَمْ هُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ أَصْلٍ مَمْنُوعٍ، وَهُوَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك، كَمَا اُسْتُثْنِيَتْ الْحَوَالَةُ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَبَيْعُ الْعَرِيَّةِ مِنْ الْمُزَابَنَةِ، وَكَمَا اُسْتُثْنِيَتْ الْإِقَالَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالشَّرِكَةُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَاسْتُثْنِيَ الْقِرَاضُ وَالْمُسَاقَاةُ مِنْ الْإِجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ. وَلَمَّا كَانَ السَّلَمُ مُسْتَثْنًى مِنْ أَصْلٍ مَمْنُوعٍ احْتَاجَ إلَى شُرُوطٍ زَائِدَةٍ عَلَى مَا يُشْتَرَطُ فِي أَصْلِهِ، وَعِدَّتُهَا سَبْعُ شُرُوطٍ أَشَارَ إلَيْهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: شَرْطُ السَّلَمِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ أَوْ تَأْخِيرُهُ ثَلَاثًا وَلَوْ بِشَرْطٍ، وَكَوْنُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَتَأْجِيلُهُ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ أَقَلُّهُ نِصْفُ شَهْرٍ إنْ كَانَ قَبْضُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ بِيَدِ الْعَقْدِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ وَنَحْوِهِ إلَّا كَفَى تَأْجِيلُهُ بِمَسَافَةِ مَا بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ كَمَا يُبَيِّنُهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي، وَوُجُودُهُ عِنْدَ حُلُولِهِ وَبَيَانُ الصِّفَةِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا الْأَثْمَانُ اخْتِلَافًا قَوِيًّا وَأَنْ يُضْبَطَ بِعَادَتِهِ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَا طَعَامَيْنِ وَلَا نَقْدَيْنِ وَلَا شَيْئًا فِي أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَجْوَدَ كَالْعَكْسِ، بَلْ الشَّرْطُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ وَلَوْ تَقَارَبَتْ مَنْفَعَتُهَا، وَمِثْلُ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ اخْتِلَافُ الْمَنْفَعَةِ اخْتِلَافًا قَوِيًّا، كَفَارِهِ الْحُمُرِ فِي الْأَعْرَابِيَّةِ، وَكَسَابِقِ الْخَيْلِ وَقُوَّةِ الْحَمْلِ فِي الْإِبِلِ، وَكَثْرَةِ لَبَنِ الْبَقَرَةِ أَوْ قُوَّتِهَا فِي الْعَمَلِ، أَوْ اخْتِلَافِ الْأَفْرَادِ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى بَعْضِ تِلْكَ الشُّرُوطِ بِقَوْلِهِ: (بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ) أَيْ أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ عَقْدِ السَّلَمِ بَيَانُ صِفَةِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ تَبَيَّنَ صِفَاتُهُ الَّتِي يُخْتَلَفُ بِهَا الثَّمَنُ فِي السَّلَمِ اخْتِلَافًا قَوِيًّا كَالنَّوْعِ وَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَالتَّوَسُّطِ بَيْنَهُمَا، فَيُبَيِّنُ فِي الْحُبُوبِ كَوْنَهُ قَمْحًا أَوْ غَيْرَهُ، وَكَوْنَهُ سَمْرَاءَ أَوْ مَحْمُولَةً، وَكَوْنَهُ جَدِيدًا أَوْ قَدِيمًا أَوْ ضَامِرًا أَوْ مُمْتَلِئًا، وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ تَخْتَلِفُ أَفْرَادُهُ بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ سَوَاءٌ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ عَرَضًا، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِالْأَوْصَافِ وَعِلْمُ النَّاسِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ الْعَاقِدَانِ بِمَعْرِفَةِ الصِّفَةِ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ فِيمَا يَخْتَصُّ الْعَاقِدَانِ بِمَعْرِفَتِهِ؛ لِأَدَائِهِ إلَى النِّزَاعِ.
وَأَشْعَرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ) أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قَالَ خَلِيلٌ: لَا فِيمَا لَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ كَتُرَابِ الْمَعَادِنِ وَالصَّوَّاغِينَ، وَلَا نَحْوِ النِّيلَةِ الْمَخْلُوطَةِ بِالطِّينِ أَوْ