للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْبَائِعِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

وَعُهْدَةُ السَّنَةِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ.

وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الْعُرُوضِ وَالرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ

ــ

[الفواكه الدواني]

لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ عَلَى اللُّزُومِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِيمَا سَبَقَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُبَاعَ عَلَى رُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ، وَهُوَ جَائِزٌ وَلَوْ عَلَى اللُّزُومِ، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا بَيْنَ يَدَيْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ خَلْفَ جِدَارٍ أَوْ فِي صُنْدُوقٍ مَثَلًا.

١ -

(تَتِمَّتَانِ) . الْأُولَى: لَمْ يَذْكُرْ ضَمَانَ الْغَائِبِ، وَمُحَصَّلُهُ: إنْ كَانَ عَقَارًا وَأَدْرَكَتْهُ الصِّفَةُ سَالِمًا يَكُونُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بِيعَ بِشَرْطِ النَّقْدِ أَمْ لَا، قَرُبَ مَكَانُهُ أَوْ بَعُدَ حَيْثُ بِيعَ جُزَافًا، هَكَذَا قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ، وَلِي وَقْفَةٌ فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ جُزَافًا مَعَ غَيْبَتِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: بِنَاءً عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْوَصْفِ فِي بَيْعِ الْجُزَافِ وَغَيْرُ الْعَقَارِ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَكَذَا الْعَقَارُ إذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ سَلَامَتُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ حَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ خِلَافُهُ، وَإِلَّا عُمِلَ بِالشَّرْطِ رَاجِعْ شُرَّاحَ خَلِيلٍ.

الثَّانِيَةُ: لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا عَلَى تَحْصِيلِ الْغَائِبِ، وَإِحْضَارِهِ لِلْمُشْتَرِي، وَنَصَّ عَلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَقَبْضُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْبَائِعِ.

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِتْيَانُ بِالْغَائِبِ عَلَى مُبْتَاعِهِ وَشَرْطُهُ إيَّاهُ عَلَى بَائِعِهِ مَعَ ضَمَانِهِ يَفْسُدُ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ ضَمَانُهُ فِي إتْيَانِهِ مُبْتَاعَهُ فَجَائِزٌ، وَهُوَ بَيْعٌ، وَإِجَارَةٌ.

ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَهْدِ الَّذِي هُوَ الِالْتِزَامُ قَالَ - تَعَالَى -: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي} [البقرة: ٤٠] أَيْ بِمَا الْتَزَمْتُمْ لِي مِنْ طَاعَتِي أُوفِ لَكُمْ بِمَا الْتَزَمْتُ لَكُمْ مِنْ ثَوَابِي. وَأَمَّا شَرْعًا وَاصْطِلَاحًا: فَهِيَ تَعَلُّقُ ضَمَانِ الْمَبِيعِ مِنْ بَائِعِهِ مِمَّا يَطْرَأُ عَلَيْهِ. وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، فَالْعَامَّةُ هِيَ عُهْدَةُ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ دَرْكُ الْمَبِيعِ مِنْ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِالرَّقِيقِ، وَلَا يُعْمَلُ بِشَرْطِ إسْقَاطِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَكَذَا الْعَيْبُ فِي غَيْرِ الرَّقِيقِ، وَكَذَا فِي الرَّقِيقِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَيْبِ الَّذِي يَعْلَمُ بِهِ الْبَائِعُ، بِخِلَافِ عَيْبِ الرَّقِيقِ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ بِهِ إنْ طَالَتْ إقَامَتُهُ عِنْدَهُ، وَخَاصَّةً وَهِيَ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرَّقِيقِ فَقَطْ، وَأَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: (وَالْعُهْدَةُ) ، وَهِيَ تَعَلُّقُ ضَمَانِ الْمَبِيعِ مِنْ كُلِّ حَادِثٍ أَوْ مِنْ حَادِثٍ مَخْصُوصٍ فِي زَمَنٍ مَحْدُودٍ (جَائِزَةٌ) مَعْمُولٌ بِهَا (فِي الرَّقِيقِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّ لَهُ قُدْرَةً عَلَى التَّحَيُّلِ بِكَتْمِ بَعْضِ عُيُوبِهِ دُونَ غَيْرِهِ. (إنْ اُشْتُرِطَتْ) بِأَنْ اشْتَرَطَهَا الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ لَمْ تَجْرِ بِهَا الْعَادَةُ. (أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً) أَيْ مُعْتَادَةً (فِي الْبَلَدِ) الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْبَيْعُ، وَكَذَا إنْ حَمَلَ السُّلْطَانُ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَيُقْضَى بِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ وَلَا عَادَةٌ وَلَا حَمَلَ السُّلْطَانُ النَّاسَ عَلَيْهَا فَلَا تَلْزَمُ وَلَا يُقْضَى بِهَا.

وَتِلْكَ الْعُهْدَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ: عُهْدَةُ ثَلَاثٍ وَعُهْدَةُ سَنَةٍ. (فَعُهْدَةُ الثَّلَاثِ) قَلِيلَةُ الزَّمَانِ كَثِيرَةُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ (الضَّمَانَ فِيهَا مِنْ الْبَائِعِ فِي كُلِّ شَيْءٍ) يَحْدُثُ فِي الرَّقِيقِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَوَامِلَ لِإِلْغَاءِ الْكَسْرِ وَتُعْتَبَرُ بِلَيَالِيِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ اللَّازِمِ ابْتِدَاءً أَوْ بِانْقِضَاءِ أَيَّامِ الْخِيَارِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَرُدَّ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ بِكُلِّ حَادِثٍ حَتَّى الْمَوْتِ مَا عَدَا ذَهَابَ الْمَالِ، فَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَاشْتَرَطَ مَالَهُ ثُمَّ ذَهَبَ فِي زَمَنِ الْعُهْدَةِ فَلَا يُرَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي مَالِهِ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَطَهُ السَّيِّدُ لِنَفْسِهِ لَكَانَ لَهُ رَدُّهُ بِذَهَابِ مَالِهِ، وَإِذَا كَانَ ضَمَانُ الْحَادِثِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ مِنْ الْبَائِعِ وَيَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي بِهِ، فَمِنْ بَابِ أَوْلَى لَهُ الرَّدُّ بِظُهُورِ عَيْبٍ قَدِيمٍ، وَالنَّفَقَةُ وَالْأَرْشُ وَالْمَوْهُوبُ الْجَمِيعُ عَلَى الْبَائِعِ وَلَهُ إلَّا الْمُسْتَثْنَى مَالُهُ فَمَا يُوهَبُ لِلْعَبْدِ تَابِعٌ لِمَالِهِ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَبِيعَ بِعُهْدَةِ الثَّلَاثِ يُرَدُّ بِكُلِّ حَادِثٍ وَبِالْقَدِيمِ بِالْأَوْلَى مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَبِعْ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا الْبَائِعُ بِهِ مَعَ طُولِ إقَامَتِهِ عِنْدَهُ، وَإِلَّا لَمْ يُرَدَّ بِالْقَدِيمِ عَمَلًا بِالْبَرَاءَةِ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ بِالْحَادِثِ عَمَلًا بِالْعُهْدَةِ الْمُشْتَرَطَةِ أَوْ الَّتِي حَمَلَ السُّلْطَانُ النَّاسَ عَلَيْهَا، كَمَا قَرَّرَهُ عَلَّامَةُ الزَّمَانِ الْأُجْهُورِيُّ.

(تَنْبِيهٌ) . ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْعُهْدَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ الْخِيَارِ وَتَدْخُلُ مِنْ أَيَّامِ الْمُوَاضَعَةِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَدَخَلَتْ فِي الِاسْتِبْرَاءِ بِمَعْنَى أَنَّ الزَّمَانَ يُحْسَبُ لَهُمَا، فَإِذَا انْقَضَتْ أَيَّامُ الْعُهْدَةِ قَبْلَ رُؤْيَةِ الدَّمِ انْتَظَرَتْهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُوَاضَعَةُ؛ لِأَنَّهَا فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَإِذَا اشْتَرَى عَلَى الْعُهْدَتَيْنِ قُدِّمَتْ عُهْدَةُ الثَّلَاثِ وَتُبْتَدَأُ عُهْدَةُ السَّنَةِ بَعْدَهَا وَبَعْدَ الْمُوَاضَعَةِ.

(وَعُهْدَةُ السَّنَةِ) عَكْسُ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ كَثِيرَةُ الزَّمَانِ قَلِيلَةُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِيهَا (مِنْ الْجُنُونِ) إذَا كَانَ بِطَبْعٍ أَوْ مَسِّ جِنٍّ، لَا إنْ كَانَ بِكَضَرْبَةٍ أَوْ طَرْبَةٍ. (وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ) الْمُحَقَّقَيْنِ وَفِي مَشْكُوكِهِمَا خِلَافٌ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَفِي عُهْدَةِ السَّنَةِ بِجُذَامٍ وَبَرَصٍ وَجُنُونٍ لَا بِكَضَرْبَةٍ بِشَرْطِ اسْتِمْرَارِ الْحَاصِلِ مِنْ تِلْكَ الْأَدْوَاءِ إلَى تَمَامِ السَّنَةِ لَا إنْ حَصَلَ وَاحِدٌ مِنْهَا دَاخِلَ السَّنَةِ وَزَالَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَلَا رَدَّ بِهِ إلَّا أَنْ تَقُولَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِعَوْدِهِ، وَيَسْقُطُ كُلٌّ مِنْ الْعُهْدَتَيْنِ بِالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَسَقَطَتَا بِكَعِتْقٍ فِيهِمَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْعُهْدَتَيْنِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.

وَفِي الْمُوَطَّإِ: أَنَّ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ وَهِشَامَ بْنَ إسْمَاعِيلَ كَانَا يَذْكُرَانِ فِي خُطْبَتِهِمَا عُهْدَةَ الرَّقِيقِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ حِينَ يُشْتَرَى الْعَبْدُ أَوْ الْوَلِيدَةُ وَعُهْدَةَ السَّنَةِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى بِهَا، وَبِهَا قَالَ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ وَابْنُ شِهَابٍ وَالْقُضَاةُ مِمَّنْ أَدْرَكْنَا يَقْضُونَ بِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>